صحيفة المثقف

هل يمكن إضفاء صفة "القداسة" على البشر؟

علجية عيشتحتل القداسة مكانة عالية في الأديان السماوية، وهي تختص بالإله وحده، الإله الذي له معجزات لا يأتي بها بشر، ولكن يمنحها لرسله وأنبيائه، لنشر دينه طالما هو مبدع الكون وخالق البشر، وكل المخلوقات التي نراها في عالمنا من نبات وحيوان وكواكب، فمنذ العصور القديمة أحيطت الآلهة بالقدسية وكانت تقام لها الطقوس و تقدم لها القرابين لكي ترضى على العباد وتمنحهم الصحة والأمن والسكينة ، كلٌّ وطريقته في التعبد ، والحديث عن هذه المسألة يطول، وقد يخرج الفكرة من مضمونها، لأن المسألة هنا تتعلق بفكرة القداسة وكيف انتقلت من الآلهة إلى البشر وحتى للحيوان، فإذا قلنا مثلا عن شخص ما أنه  "مُقَدَّسٌ" فهذا يعني أننا نرفعه إلى مرتبة الرّبوبية، وهي الخطيئة التي وقع فيها المسيحيون، عندما أعطت الجماعات المسيحية للمسيح عيسى عليه السلام صفة الربوبية وجعلوه مقدسا عندما اعتقدوا أن عيسى هو ابن الله وأن الله منحه الروح القدس، وبالتالي فهو إله يُعْبَدُ، وذهبوا إلى أبعد الحدود بوصفه بالقدّوسِ، وهو بريئ من معتقدهم ولا يتحمل وزرهم، لأن اليسوع عيسى لم يخاطب اتباعه بأنه إلهٌ / ربٌّ، (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. الخ، (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ أنَّما الهكمٌ اله واحدٌ فمن كان يرجو لقاء ربي فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الآية 110 من سورة الكهف)

واليوم تسعى بعض الكتابات إلى إلصاق القداسة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتقول: "شخص مقدس كالنبيّ" دون أن تنتبه إلى عواقب ذلك وما يجره من أخطار، بحيث قد يتحول بعض الناس إلى عبادة الأنبياء ويضعونهم في مرتبة الإله، كما فعل المسيحيون مع النبي عيسى عليه السلام، لم يقل النبي عيسى عليه السلام لقومه إني مقدس أو أني القدّوس، لأن القداسة تختص بالله وحده، حتى الملائكة لم تضع نفسها في مرتبة القداسة وهي ترد على خطاب الله لها: (أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبحك ونقدس لك) وهو اعتراف ضمني بأن القداسة لله وحده دون غيره من المخلوقات، ("هو الذي لا اله إلا هو الملك القدّوس" الآية 23 من سورة الحشر)، ثم أن الخطيئة بدأت مع ظهور البشرية، إذن فمنح صفة القدسية لبشر مهما كانت منزلته، يعني أنه شريك مع الله، وحتى لو جاءت هذه الكتابات بأسلوب مجازي، أو كانت نية كاتبها حسنة، تعظيما لشأن الرسول (صلعم) وطاعة له، فقد يتحول الحق إلى باطل، لأنها توقع كثير من عامة الناس في الزلل، الغريب أن بعض الجماعات الدينية قدست الحيوان وهم عُبّادُ البقر، وأخرى قدّست الأمكنة، وجماعات بشرية أخرى قدّست الأفكار والإيديولوجيات ، خلقوا رُبُوبًا وصاروا يعبدونها ، فكان هلاك البشرية هلاكا عظيما، إنه - كما يقال - الزلل الحضاري والفشل الحضاري الذي هو ظاهرة العرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين بامتياز.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم