صحيفة المثقف

مُخرِج واحد، ونهاية مختلفة!

منى زيتونمنذ شهور وكوكبنا بأسره يتابع حوادث فيلم واقعي عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ربما تنبأنا ببعض ما جاء فيه، ولكن تبقى عظمة دونالد ترامب أنه من مجانين التاريخ الذين يستحيل توقع ما يمكن أن يقولوه أو يفعلوه على وجه الدقة.

حتى صباح الأربعاء الرابع من نوفمبر، وهو صبيحة اليوم التالي لليوم الرسمي للانتخابات كان كل ما يجري في تلك الانتخابات يعتبر محاكاة ونسخ لانتخابات الإعادة للرئاسة المصرية 2012، وبدا أن ترامب قد حفظ الدور الذي قام به مرسي منذ أكثر من ثماني سنوات، ويقوم بالتسميع جيدًا! بدءًا من إصرار ترامب أنه ولا بد سيكون الفائز، والتشكيك في نزاهة الانتخابات –من قبل أن تبدأ- إن أتت نتائجها لصالح بايدن، ثم محاولات ترامب الرقيعة التلاعب المكشوف في هيئة البريد الأمريكية، وتشكيكه في التصويت البريدي من قبل موعد إجراء الانتخابات، وقد شرحنا أفاعيله تلك وما يبدو أنه ينتويه في مقال سابق مطول، وأخيرًا خرج علينا ترامب وسط أنصاره في الصباح الباكر يوم الأربعاء 4 نوفمبر، وبعد ساعات قليلة من إغلاق مراكز الاقتراع ليعلن أنه قد فاز في الانتخابات! وحتى تلك اللحظة لم يكن قد زاد أو نقص عن محاكاة الخطوط الرئيسية في الانتخابات المصرية شيئًا.

ثم تحول الوضع وتبدلت الحوادث، وشعرنا بالاختلاف، وأنها أمريكا زعيمة العالم الحر، وليس هناك من يعبدون شخصًا وينفذون أحلامه وأوهامه ويحولونها إلى واقع غبي لأن جنابه قد أراده على هذا النحو! فاستمر فرز الأصوات وإعلان النتائج من قبل الولايات غير عابئين بالتشغيب الذي كان يطلقه ترامب دون توقف في مؤتمراته وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ثم أُعلنت النتائج الأولية يوم السبت 7 نوفمبر ليتجاوز بايدن حد 270 صوتا المطلوبين في المجمع الانتخابي للفوز بالرئاسة، ويتأكد أنه هو الفائز بالسباق الانتخابي.

وظننت عندها أن الجزء الثاني من فيلم "مرسي وشفيق" -والذي يصلح له عنوان "ترامب وبايدن"- قد انتهى عند مشهد إعلان ترامب فوز نفسه قبل اكتمال فرز ملايين الأصوات مثلما فعل مرسي قبل سنوات، ولكن ولأن المخرج واحد في كلا جزئي الفيلم فيبدو أنه يحاول جاهدًا إحداث مزيد من الاستنساخ من حوادث الفيلم المصري، أو هكذا يظن في نفسه القدرة.

ومرة أخرى، فلأن المخرج واحد، فهذا في نظري يبرئ إدارة أوباما -التي تنتمي للحزب الديمقراطي- تمامًا من الاتهام بأنها هي من خططت ودبَّرت لتزوير النتائج لصالح مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية 2012.

اليد النجسة ذاتها التي لعبت في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وحولتها وبدلتها بين ليلة وضحاها لصالح مرسي بعد أن ظهرت النتائج الأولية لصالح شفيق، حتى استقبل شفيق الحرس الرئاسي لتأمينه في بيته قبل إعلان النتيجة، هذه اليد تحاول اللعب مرة ثانية هذه المرة لصالح ترامب وضد بايدن، لكن أثق إن شاء الله أن نهاية الجزء الثاني من الفيلم ستكون مختلفة.

أصبح من الواضح حدوث تأخير متعمد في إعلان النتائج الرسمية في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وبعد أن كان ترامب يطالب بوقف عد الأصوات منذ صباح اليوم التالي لإغلاق مراكز الاقتراع، أصبح يدعي الآن أن هناك بطاقات لم تُحتسب بعد، وينشر منشورات يروج فيها أن الأمور تسير على ما يرام وأنه في طريقه للفوز!

في البداية تصورنا أن غرض ترامب من هذه المنشورات هو استكبار منه على الاعتراف بالهزيمة، أو لإحداث انقسام في الشارع الأمريكي بما يشكل دعوى لأنصاره للتظاهر وربما التخريب، ولكن الخطاب تغير من "لقد فزنا" يوم 4 نوفمبر إلى "سوف نفوز" يوم 10 نوفمبر! مع إصراره على إيهام المطموس على بصيرتهم ممن يناصرونه ويصدقون أكاذيبه أن الفرز لا زال مستمرًا بما يمكن أن يؤدي إلى تبدل النتيجة النهائية المعلوم تقاربها بين المرشحين الاثنين سلفًا في أغلب الولايات.

وباختصار فإن ترامب وبعد أن ضغط على الولايات التي لم ينجح فيها بأنه سيلجأ للقضاء، قد اضطر كثيرًا من الولايات إلى إعادة فرز وعد الأصوات، كي لا تظهر نتائجهم خاطئة في حال لجوئه للقضاء ويتم اتهامهم بالتزوير، وهو ما يمكن أن يستفيد منه أيضًا في محاولة للتلاعب من جانبه في النتائج إن أمكنه ذلك في بعض تلك الولايات، بدعوى أن بعض البطاقات البريدية بعدما روجع الفرز لم تستوفِ الشروط اللازمة لاحتسابها، وأيضًا ليستخدم التأخير كحجة لمزيد من التشكيك في النتائج الرسمية النهائية إذا أُعلنت على خلاف هواه، وأعتقد أنها ستُعلن في الختام على خلاف هواه رغمًا عن أنفه!

إن المؤامرة التي يتحدث عنها ترامب، هو من أعد لها طوال شهور، وتخيل أنه سيجد من يساعده في تنفيذها ويمنع وصول بطاقات الاقتراع البريدية إلى مراكز الاقتراع قبل الإغلاق أو أن بإمكانه وقف العد وعدم احتساب تلك الأصوات وأغلبها للديمقراطيين كما نعلم.

وبالأمس أقال وزير الدفاع، وهناك تقارير تتحدث عن اعتزامه إقالة مديري الـFBI والـCIA! فإن كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرتك وقد أُفشلت، وإن كنت تحاول إعداد مؤامرة جديدة فستفشل أيضًا بإذن الله.

وحنانيك على نفسك يا ترامب كي لا تُصاب بأزمة قلبية، ربما تودي بحياتك، فصحتك لم تتعافى بعد من الإصابة بفيرس كورونا المستجد في أكتوبر الماضي. ونأمل ألا تموت قبل أن تُخرَج من البيت الأبيض كي لا يتم ترويج مزيد من القصص عن المؤامرات ضدك، وليس من متآمرٍ غيرك.

 

د. منى زيتون

الأربعاء 11 نوفمبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم