صحيفة المثقف

أزمة الانتخابات الأمريكية وسيناريو الانقلاب الناعم

بكر السباتينهل يُعِدُّ ترامب ل"انقلابِ عسكري صامت" يباغت به العالم ويقلب على خصومه طاولة القمار، خالطاً بذلك أوراقهم في سابقة أمريكية غير مشهودة! هل يتصرف ترامب الذي خرج من عباءة اليمين الأمريكي، كأنه يدير إحدى جمهوريات الموز، حيث الانقلابات العسكرية المتعاقبة، فيفعل ذات الشيء في دولة فيدرالية تأنف مثل هذه السلوكيات وتدّعي بأنها النموذج الديمقراطي الأمثل في عالم تتحاذفه الأزمات.

الشواهد على الأرض تقول الكثير، فهل يتحقق سيناريو الانقلاب الناعم!؟

أصحاب نظرية "االانقلاب العسكري الصامت" يقيمون موقفهم على تقييم شخصية الرئيس الأمريكي دوناند ترامب عينه، اعتماداً على تركيبته النفسية، وعقله المبرمج على مبدأ الفوز باستمرار دون اعتبار للنتائج، فهو تاجر العقارات الذي يتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية كصفقة تجارية يعضُّ عليها بنواجذه حتى لا يخسرها، مروراً بكونه مصارعاً سابقاً ومتعهداً لحلبات المصارعة، وصاحب نوادي للعب القمار في لاس فيجاس، حيث لا يقبل الهزيمة شكلاً ومضموناً وبأي ثمن كان، وصولاً إلى كونه رئيساً يحمل في أعماقه نزعة عنصرية للجنس الأبيض، ولديه قناعات راسخة، في أن بلاد العم سام برمتها تتعرض لخطر التلوث العرقي والطائفي على حساب العرق الأوروبي الأبيض والدين المسيحي البروتستانتي. ولو كان ترامب موجوداً في عصر الأمير الإيطالي ميكافللي لاتخذه الأخير حجةً لمقولته في إن "الغاية تبرر الوسيلة"، تلك المقولة التي عززت سياسياً من موقف الرأسمالية المتوحشة، وقد مثلها ترامب خير تمثيل لعدة أسباب:

فهو يمتلك نظرة استعلائية ويرفض الآخر إلا إذا تلاقت المصالح.

أيضاً هو لا يثبت على المواقف ويستخف بالعهود والمواثيق كما فعل حينما ألغى من معادلة صفقة القرن، الطرفَ الفلسطيني.

سيطرة الأنا لدى ترامب في كل المواقف، كدأبه حينما يتخذ قراراته دون الرجوع إلى إدارة البيت الأبيض المساندة له؛ وقيامه بنشر قراراته المفاجئة عبر توتر، كما حدث مؤخراً في إصداره قرار إقالة وزير الدفاع الأمريكي إسبر. وبالتالي إجراءه لبعض التغييرات الجذرية في هرم السلطة، الأمر الذي وضع كل الأسئلة المحرمة في المشهد الأمريكي على طاولات المراقبين.

وبناءً على ما تقدم، فقد توقع الكثيرون، رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنتائج الانتخابات التي فاز على أساسها جو بايدن، بانتظار ما سوف تقرره المحكمة الفيدرالية العليا للانتخابات، بعد تقديمه لما قال أنها إثباتات على تزوير الانتخابات وهو ما ينفيه الديمقراطيون.. لذلك، فإن ترامب يصارعُ الزمنً؛ حتى يحصل على مرامه، وسوف يستغل الوقت المتاح لديه حتى العشرين من يناير العام المقبل، لتنفيذ أجندته الخاصة، فشخصيته العنيدة والصلبة لن تنسجم مع قرار الاعتراف بالهزيمة، ولو أدى الأمر إلى خراب أمريكيا التي يقف فيها كل طرف حزبي ضد الآخر، وقد أُفْرِغَتْ مخازنُ الأسلحةِ في عموم أمريكا، التي تحولت بيوتٌها إلى ثكنات عسكرية.. وصار الهشيم ينتظر من يشعل النيران.

دعونا نتوقف في سياق المقدمة عند شخصية نرامب كما وصفها المقربون إليه.. فماذا قالت ماري ترامب عن عمّها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "كذب علناً أكثر من 20 ألف مرة، وخالف بشكل متهور كل النصائح بشأن التصدي لكورونا وعرّض مواطنين للخطر من خلال مهاجمتهم على تويتر لأنهم انتقدوه، وأثبت أنه غير قادر على تحمل المسؤولية ولا يظهر أي تعاطف ولا يعترف بالخسارة أو الهزيمة". ماري ترامب التي اوردت الكثير من الروايات المثيرة عن عمّها لم تكن الأولى التي تتحدث عن شخصية ترامب المثيرة للجدل، سبقها في ذلك آخرون لعل أهمهم الكاتب الصحفي المخضرم بوب وودورد في كتابين، وأيضا باربرا ريس التي عملت لفترة طويلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجون بولتون مستشاره الثالث للأمن القومي سابقاً.

الآن يضع ترامب المشهد الأمريكي برمته على محك الانقلاب العسكري الصامت، وفق هذا السينارو الافتراضي، والذي يمكن اعتباره الأسوأ في تاريخ أمريكا المعاصر، وبمكن استعراض أهم المؤشرات على النحو التالي:

أولاً : عدم اعتراف دوناند ترامب بنتائج الانتخابات إلى حين صدور قرار من المحكمة الفيدرالية العليا للانتخابات، حتى تؤكد أو تنفي فوز بايدن وفق نتائج وبيانات المجمع الانتخابي.

وفي سياق متصل، قال جون بارسا نائب رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID التابعة للخارجية الأمريكية)، "إن عملية تسليم السلطة لم تبدأ بعد". وهذا لن يتم قبل أن تتخذ إدارة الخدمات العامة الأمريكية (GSA) قرار بالموافقة على نتيجة الانتخابات. وهو ما لم يحدث، فقد أفادت صحيفة "بوليتيكو"، بأن رئيسة إدارة الخدمات العامة الأمريكية إميلي مورفي، رفضت الاعتراف بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات.

ثانياً: إصدار القرارات التي تؤكد على ثبات موقف ترامب إزاء المرحلة المقبلة من منطلق كونه الرئيس الحقيقي للبلاد، لعرقلة نقل السلطة إلى بايدن؛ لذلك أصدر أوامره للحكومة كي تعد ميزانية عام 2022 المقبلة، وإصدار بعض الأوامر الإدارية الداخلية للبيت الأبيض تقضي بمنع تسهيل عملية نقل السلطة إلى فريق بايدن.. منها عدم إطلاعِهِ للأخيرِ على الملفاتِ الحساسةِ المعنيةِ بالقضايا التي هي في صلب اهتمام أي رئيس منتخب.

ثالثاً: محاولة خلق أزمات خارجية مثل التجهيز لضربة محتملة ضد إيران, من باب الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي لتجاوز قانونٍ كان قد صدر َفي فبراير 2020 ، والذي من شأنه توجيه الرئيس الأمريكي إلى إنهاء استخدام الجيش في أي هجمات ضد إيران "ما لم يكن ذلك صريحًا بتصريح حرب أو ترخيص محدد باستخدام القوة العسكرية ضد إيران" وقد صادق مجلس الشيوخ عليه.. واليوم يحاول ترامب تجاوز هذا القانون؛ لخلط الأوراق الدولية في وجه بايدن، في غضون ما تبقى له من أيام وهو على رأس السلطة.

رابعاً: إجراء تغييرات "كاسحة ومريبة" في وزارة الدفاع (بنتاغون)، بعد خسارته انتخابات الرئاسة أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن.

حيث أكدت شبكة "سي إن إن" الإخبارية أن ترامب قرَّرَ إقالةَ عددٍ من الموظفينَ العسكريينَ والمدنيينَ في الوزارةِ أو دفعهم إلى الرحيل، واستبدالهم بموظفين موالين له، وذلك بعدَ ساعاتٍ من إنهاء خدمات وزير الدفاع مارك إسبر وتعيين كرستوفر ميلر خلفاً له، في خطوة أثارت قلق مسؤولي البنتاغون وقادة الحزب الديمقراطي.

وسيكون كاش باتيل رئيساً للأركان وفقما أكدت مصادرٌ عسكريةٌ لـ"سي إن إن"، علماً أنه كان يشغل مؤخراً منصبَ مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي. والأهم وفق مراقبين هو أن باتيل تربطه علاقةَ عملٍ "وثيقة جدا" بميلر، الذي عينه ترامب وزيراً للدفاع.

ولكن ما يثير الريبة في الخطوات الترامبية هذه، هو قيامه بتعيين شخصيات خلافية ذات توجهات متطرفة، ومنهم "شخص مثير للجدل روج لنظريات المؤامرة، ووصف الرئيس السابق باراك أوباما بأنه إرهابي" ما يعزز من احتمالية تنفيذ سيناريو الانقلاب الناعم. إنه العميد المتقاعد أنتوني تاتا، الذي بات نائب وكيل وزارة الدفاع للسياسة، بدلا من جيمس أندرسون.

وكان تاتا مرشحاً للمنصب ذاته في الصيف الماضي، لكن تم سحب ترشيحه بسبب معارضة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بعد أن أدلى بتعليقات معادية للإسلام وروج لنظريات المؤامرة.. أي كونه يمينياً متطرفاً ويحمل أفكاراً لا تنسجم مع مبادئ الاتحاد الفيدرالي.

ووفقا لمسؤول دفاع آخر، فقد غادر الأدميرال المتقاعد جوزيف كرنان وكيل وزارة الدفاع للاستخبارات والأمن منصبه أيضا، وعين بدلاً منه عزرا كوهين واتنيك، مدير المخابرات الأسبق في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمقرب من كوشنر، الذي أقيل ضمن حملة لتطهير البيت الأبيض من معتنقي نظرية "تحالف العلمانيين والإسلاميين" لهزيمة أمريكا.

والعامل المشترك الذي يجمع بين هذه الشخصيات هو ولاؤها الكبير لترامب، وتبنيهم للفكر اليميني العنصري، وإيمانه بضرورة توجيه ضربة لإيران، دعماً لموقف اليمين الأمريكي الذي يمثله ترامب، وللاحتلال الإسرائيلي الي سيقود أي حرب قد تشتعل في الشرق الأوسط ضد إيران والمقاومة.

ليس هذا هو السينارو الوحيد المفترض لمجريات الأحداث ما بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية المختلف عليها، والذي من جانبه يؤمن بأن السلطة ستنتقل إليه في نهاية المطاف رغم بعض العقبات التي ستعترض طريقه؛ في محاولة منه للتخفيف من خطر تحركات ترامب المشبوهة على صعيدين محلي ودولي، وإنه يعتبر نفسه رئيساً لكل الأمريكيين، وقد بدأ بإجراء اتصالاته مع بعض زعماء العالم الذين هنأوه على فوزه في الانتخابات الأمريكية، وحتى يخفف بايدن من وطأت أزمة الانتخابات التي يفتعلها ترامب في كافة الصعد، فقد أعلن عن اكتشاف الشركات الأمريكية لمضاضات الكورونا وسوف يعمم العلاج مجاناً على الشعب الأمريكي.

وفي المحصلة فإن المستقبل الأمريكي برمته مرهون بنتائج هذه الأزمة التي يقودها ترامب إلى المجهول.

 

بقلم بكر السباتين..

11 نوفمبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم