صحيفة المثقف

أحرق وأغرق لعلي أشاء

حسين فاعور الساعديهوَ الماءُ فيه بدأتُ

ومنهُ خرجتُ

ومني سيخرُجْ

فأغدو بقايا هباء

هوَ الماءُ يُغْرِقُ

يِحْرِقُ

والماءُ ينعشُ

يغسلُ كلَّ صنوف الدماءْ

يغذي اللهيبَ ويطفئ حرَّ الترابِ

فكيف ظمئتُ؟

وحولي الفراتُ

ودجلةُ والنيلُ

عندي أكوبو وعرقا وأم الربيعِ

وعندي إذا شئتُ هذا الفضاءْ

لماذا أضعتُ الينابيعَ

والماءُ يُعطي ويَحْرمْ

وكيف بدَلْتُ زجاجة ماءٍ صديدٍ

بينبوعِ زمزم؟

أنا مَن طويتُ شراعي

وخبّأتُ رأسيَ تحت الرمالِ

تركت المراكب تمضي

ستمضي المراكبُ

ما دمتُ أخشى البحارَ

ولا أمتطيها جواداً

وما دمتُ أغرقُ في شبر ماءْ

وأجهلُ سر البقاء

سيغرقني الماءُ

لا عاصمَ اليومَ

يبلعني إن ضعفتُ

ويحملني إن أبيتُ

فأين الإرادة أين الإباءْ

سأبقى سجين الصحارى

نزيل الرمالِ

رفيق الضياعِ

تمرُّ القوافلُ عني

لأني

أخافُ من البحرِ

أجهلُ،

واخترت نهج التردد والاختباء.

فلو أُخْضِع البحرَ تسقطُ كل القيودِ

وأبدأُ دربَ الصعودِ

تماماً كما الماءُ يهبطُ جلمود صخرٍ

وإن شئتُ يصعدُ سهما

ويزحفُ أفعى

هو الماءُ يعلو النسائمَ قطنا

وينزلُ

يلقى التراب بعطفٍ وحبٍ

فيربو ويهتز أنثى.

هو الماءُ لا لون للماءِ ...

إن شئتُ أحمرَ

أو شئتُ أخضرَ

لا شكلَ للماءِ

لكنهُ يتشكلُ كيف أشاءْ

ولا طعمَ للماء

إن شئتُ حلواً

وإن شئتُ مرّا

جميعُ القوافلِ مرّتْ

تردّدْتُ

تهتُ

وما شئتُ

ما شئتُ

ما شئتُ رغم التردي

ورغم سقوطي المدوي

فيا أيها الماءُ أغرقْ

وأحرقْ...

لعلي أشاءْ.

***

حسين فاعور الساعدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم