صحيفة المثقف

إنطباع حول قصائد يقظان الحسيني..

سلام كاظم فرجلعله (مالاراميه) الشاعر والناقد الفرنسي هو الذي وصف القصيدة بأنها (التفسير ألحلمي للوجود).. هكذا فكرت وأنا أقرأ بعضا من قصائد المجموعة الشعرية للشاعر الصديق يقظان الحسيني.. الموسومة بـ(شاهدا أردت أن أكون) والصادرة عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل.. وتذكرت الغلالة الشفيفة التي أقترحها مالارميه للقصيدة المجددة.. ووجدتها حاضرة في قصائد الحسيني فمضيت قدما في قراءة قصائد الشاعر المجدد السائر بلطف خجول وكأنه يهمس على خطى قدامى شعراء الطبقة الأولى من شعراء الغرب بودلير وإيلوار.. لوركا وأراغون.لكني وجدته يسير وربما بقصد بعيدا عن ادونيس والماغوط وأنسي الحاج وبركات..

.. يقظان الحسيني في قصائده الهامسة.. يعتمد الشجن والأسى الشفيف.. الاستذكار وإعادة الحياة لماض غارق في الحزن.. يقظان الحسيني يؤسس لما يمكن أن أسميه ضفاف النص .. ثمة نص يمكن أن نسميه أيضا القصيدة الثانية التي على المتلقي أن يشارك الشاعر في تخيلها.. صور أخرى خفية وراء كل نص تقرأه للشاعر.. ثمة إختزال لمجموعة رؤى تختبئ خلف النص على المتلقي أن يستكشفها ويعيد تشكيلها.. وجدت الشاعر مخلصا إلى أبعد حدود الإخلاص لمالارميه الناقد ..

(لم أكن أريد أن اكون شاعرا..

شاهدا أردت أن أكون..

هادئا..

 أواكب النهر..

 أمشط عشب الضفاف.. ) ص 62 المجموعة..

يقظان هنا يدع المتلقي يرنو إلى الضفة الأخرى من النهر وربما إلى النهر وإلى العشب الذي يمشطه هنا والعشب المتطامن هناك.. آفاق ممتدة يمنحها النص القصير هذا..

وعليه فإن قصائد المجموعة تشتغل على معطيات قصيدة النثر الغربية وتبتعد كثيرا عن معطيات قصيدة النثر العربية..

عند الشاعر الحسيني تجد الإحساس بالفجيعة وعلى أسئلة الزوال كما عند بودلير.

لكنه: يعتمد الاختزال والتكثيف دون مباغتة أو إدهاش كما عند الماغوط..

ولا الغوص في أسئلة الفلسفة كما عند ادونيس.. ولا السير في جمل شعرية راكضة كما عند سليم بركات ..

الصور والجمل الشعرية عند يقظان الحسيني تنساب هادئة هامسة حزينة شجية.. تسترجع الماضي البعيد حينا بأسى الفاقد لرفاق أحبة غيبتهم قسرا أنظمة شمولية مستبدة ..

 شبيبة بعمر الورد وجد فيهم الشاعر امتدادا لنضاله في شهداء انتفاضة آذار وتشرين.. كل هؤلاء تجدهم كما تجد العشب والورد والقداح تهمس بها القصائد في لغة هادئة منسابة .. .

 إن امتياز الشاعر الحسيني والذي جعلني أكرسه شاعرا مهما هو القطع المؤثر لنصوصه.. والاختزال الهائل الذي يمنح المتلقي بل يدفعه الى التأمل وإستكشاف عوالم أخرى متطامنة خلف النص.. سمة قصيدة الحسيني انها لاتقول كل شيء.. ولا تستنفذ شحنها الشعري.. من اجل ذلك وجدته مخلصا لأهم شروط القصيدة المعاصرة.. من أجل ذلك وجدته مخلصا لنصيحة مالارميه.. (إن دور الشاعر هو بلوغ أقاصي تخوم اللغة حتى وإن أفضى ذلك إلى البياض.. )

..................

مختارات من قصائد المجموعة:

1- نقطة ضوء:

هل كنت مرتفعا بما يكفي

كي ترى نقطة الضوء

 عتبات سلمك

تسلسلك المنطقي

 أقواس الأروقة

 وأعمدة المدن؟؟

**

2- نبض..

أنا قريب من الوعد

من شرفات آذار وتشرين

 أتعرف إن المسافة طاحونة

بيني وبينك؟؟

(هنا يخاطب الشاعر شهيد انتفاضة تشرين فاهم الطائي.. (س..)..

**

3- هاهو أسمك

أعطى الظلال كنهها..

فظلت تراوح

طيلة ردح وبقية..

لاتجرؤعلى الاقتراب من الحافات..

**

4- الورد

من مهام الورد

إنه يحرس الشاهدة حتى الذبول

يؤتمن عليها

 يشبعها عطرا

ويخبر الرمل

 عن إسم اختفى

وتأريخ لايعود.............

***

سلام كاظم فرج..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم