صحيفة المثقف

جريس الهامس وحديث عن الحركة الشيوعية والثورية العربية

علجية عيشوقف بأفكاره ضد التبعية وعبادة الفرد.. من كتبه "مملكة الإستبداد المقنن في سوريا"

تفقد الساحة الفكرية المعارضة اليوم واحد من اليساريين السوريين، الذين ناضلوا بأفكارهم ضد التبعية وعبادة الفرد، إنه جريس الهامس صاحب كتاب "مَنْ يُحَاكِمُ مَنْ في نظام العسكرتاريا؟؟ " الذي توفي بمنفاه بهولندا عن عمر ناهز 90 عاما، تاركا وراءه رصيدا فكريا تمثل في إصدار عدة كتب ومقالات منشورة في الصحف والمجلات، وكما قال أحد المفكرين هي تجربة رجل لا تستطيع أن تتخلى عن المستقبل في غياب صاحبها، لأنها تجربة تاريخ، ليس أيّ تاريخ، بل حرية صنع التاريخ

 وجريس الهامس هو محامي من مواليد 1930 في بلدة صيدنايا التاريخية الواقعة في ريف دمشق بسوريا ناضل ضد الإستعمار الفرنسي مع الحركة الطلابية الوطنية في سورية، ثم في صفوف الحزب الشيوعي السوري، وقف بأفكاره ضد اغتيال الديمقراطية، وكان هذا اليساري السوري محل مضايقات، بعدما تعرض هذا التيار إلى حملات القمع الهمجي والتشويه والتصفية في عهد حافظ الأسد، ساهم في أدبيات الحزب الشيوعي العربي السرية منها: (نضال الكادحين)، صوت الفلاح، في ريف دمشق، والسلماس والشيوعي الصحيفة الماركسية النظرية، ويعد جريس الهامس من أكبر المناضلين ضد اغتصاب العسكر للسلطة منذ الإنقلاب العسكري الأول عام 1949 وضد جميع الأحلاف والمشاريع الاستعمارية مع جميع القوى الوطنية الديمقراطية الكردية والعربية، وكمثقف سعى جريس الهامس لإحتلال مكانة له بين صفوف المعارضة كي لا يقع في تمزن وجداني ولا يخون فكره وثقافته، رافضا شعو الدخيل على وطنه، فكان له أن يختار ثورية الفكر ويسلك طريق المعارضة باعتبارها هي الطليعة يكون لها الدور الأول من حيث التوجيه في نطاق النشاط السياسي حتى لا يطغى نموذج الزعيم السياسي على القائد الثوري وإلا، لا معنى للعقيدة ولمفاصلها الفكرية.

و الحديث عن جريس الهامس يقود إلى الحديث عن الحركة الشيوعية التي تبنت منذ الأساس منطقا مخالفا تماما لطبيعة المرحلة الحضارية التي تمر بها الأمة العربية وتشبثت بفلسفتها، حيث ادّعت ثورية جديدة حاولت الإنتصار لأفكارها أمام الحركات الثورية الأخرى كحركة القوميين السوريين والإخوان المسلمين والجمعيات التبشيرية والطائفية الأخرى، مما جعلها منعزلة عن الجماهير، فرغم ما قامت به من نشاط تاريخي، لم تستطع هذه الحركة أن تتحرر في فترة الإحتلال الأجنبي وهذا ما كشفت عنه تجربة الشيوعية في سوريا ولبنان خلال الإحتلال الفرنسي كما كشفت عنه أيضا الثورة الجزائرية الأخيرة عندما وقف الشيوعيون الجزائريون موقفا اتصف بالتعارض في أغلب الأحيان مع أهداف الثورة الجزائرية، وذلك لإرتباطه مع مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لم يستطع أن يوضح موقفه من الثورة الجزائرية، حتى أنه ناقض نفسه وإيديولوجيته، لقد رفعت الحركة الشيوعية في العالم العربي شعار أن القومية هي مرحلة وأن المرحلة التالية هي الماركسية حتما، وقد تحدثت أقلام كيف عانت الثورة العربية في سوريا على غرار دول أخرى في المشرق العربي وفي المغرب العربي من كثير من الأمراض التنظيمية بين صفوفها بعدما عاثت الإنتهازية فسادا داخل الحركة الثورية وفصلت بين القمة والقاعدة خاصة في مرحلة البعث التي كانت تتحرك من أجل أن تنفض عن ذاتها صفة البروليتاريا القومية وكان الصراع على أساس جدلية الإنبعاث ذاتها، في كل الأحوال كانت هناك ازدواجية في الفكر والطرح وكل طرف كان يتصور أن نموذجه في العمل النضال هو الأفضل، وقف التيار الشيوعي في أقصى المعارضة ضد اليمين الذي اعتصم بشعار المحافظة على الروح العقيدية عكس الأول الذي مجد المغامرة، حسبما اشار إليه الدكتور مطاع صفوي في كتابه "الثورة في التجربة "، ولا ريب في ان النتيجة كانت وقوع حروب أهلية دموية التي أدت إلى سقوط أنظمة والقضاء على الإزدواجية في القيادة والتوجيه .

الحديث عن هذا اليساري يطرح كذلك إشكالية النضال السّْرِّي والعلني من أجل الحفاظ على حركة كل طرف واستمرار عمله، حسب محللون، فقد طرح الفكر النضالي أسئلة كثيرة تتعلق بمستقبل الديمقراطية ومع من يمكنها ان تنسجم في ظل غياب الحلول الإيديولوجية المباشرة، ولعل جريس الهامس واحد من اليساريين السوريين الذين وقفوا ضد نظام بعثي وواجهوا إيديولوجيته وواجهوا كذلك كل الدكتاتوريات العسكرية في القطر السوري والتي تبناها الرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي خلال فترة الجلاء وفترة الإنقلاب العسكري الأول على يد حسني الزعيم عام 1949 وبسبب مواقفه تعرض الكاتب جريس الهامس للإعتقال أكثر من عشر مرات في مختلف العهود الديكتاتورية ومختلف السجون السورية، كان آخرها بين عامي 1974 و1978، عضو في نقابة المحامين بدمشق وعضو موْسس في أول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية رعاية المساجين بدمشق منذ عام 1970، وبعد تعرضه لمحاولة إغتيال مرتين في سجن تدمر عام 1975 أرغم على مغادرة الوطن عام 1980 فكانت هولندا ملجأ له، من أهم ما أصدره جريس الهامس كتاب: الوحدة العربية بين الشعار والتطبيق، السرطان الصهيوني من القبيلة الى دولة الإغتصاب وكتاب "من يحاكم من في نظام العسكرتاريا ؟؟" و"مملكة الإستبداد المقنن في سوريا" وغيرها من الكتب والمقالات المنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم