صحيفة المثقف

بحر الذهب المتماوج

سمية العبيديوقفت عند الباب.. احكمت وضع نظارتها على عينيها الجميلتين الواسعتين والتي لم يضيقها العمر الا قليلا وبدت في لهفة واضحة لرؤية بحر الذهب المتماوج، نعم ها هي تزامن زيارتها لعماتها مع قرب موسم الحصاد تريد أن تتمتع ببحر الذهب قبل أن تسعى الأيدي المباركة الى حصاده وجمعه فمن ثم تسويقه . رتبت إجازتها لأنها كانت تسعى للترويح عن نفسها بمناظر الريف الممتعة والتي اشتاقت لرؤيتها كما أرادت الاطمئنان على عماتها وتناول طعامهن بين حقول الذهب والزبرجد فقد كان لهذين اللونين فعل كبير في مشاعرها واحاسيسها، فقد كان من أقوى متعها في الحياة أن تفترش العشب وتأكل ما أعد على الحطب من خبز وطعام، كانت هذه البساطة تتملكها حد الاستعباد . وهي في المدينة عادت هذه الامور أبعد من أن تحققها ولو جزئيا أما في الريف حيث عماتها فكانت تشعر بسعادة وامتلاء لا نظير لهما . وهي هناك تشعر بحرية كبيرة لا تجدها في بيتها . هنا هي ملكة متوجة بالبنفسج والجوري، كانت عماتها يحسن تدليلها وكانت بناتهن يفرحن بوجودها معهن ويتسابقن لمسامرتها ووضع اسرارهن الصغيرة في اذنيها الودودتين . فقد كانت كلما أتت تحصد ما في صدورهن من أسرار ومن أماني وتعرف أكثر من أمهاتهن ما تتطلع اليه كل منهن ومن شريكها الذي تود في حياتها الاسرية المقبلة، كانت هداياها تعتبر نفائس في محيط الاسرة فلم تكن في عجلة لشرائها بل كانت تنتقي كلما مرت في الاسواق شالا لفاطمة أو ثوبا لسعاد أو مرآة جميلة لأحلام وهكذا تلم الهدايا من أركان السوق بل تقطفها كثمار من أشجار الفرح قبل أن تزمع السفر بشهور . وقفت تنظر ومع إنها سرحت بعيدا وعامت أفكارها في واد آخر غير إنها انتبهت باحثة عن البحر فلم تجده لا موسيقى ولا تهاد ولا ذهب أين كل ذلك؟ تساءلت مع نفسها ترى هل أخطأت التاريخ وهل سبقها الحصاد إذ تلكأت عنه؟ هل فاتها المشهد كله عجبت فقد أحصت الزمن جيدا ورتبت إجازتها كما تفعل كل عام . تقهقرت الى مطبخ عماتها وسألت بلهفة جاءها الجواب لا لم تتأخري ولكن ايدي السوء أحرقت الحاصل فهلك البحر الذهبي حريقا وذهب طعامنا لعامنا القابل مسفوحا بسوء فعال الحاقدين وانتهى رزق أولادنا هباء مع اللهب الاحمر . حزنت وتأسفت وامحت نظرة الحب والتفاؤل والفرح التي كانت تملأ عينيها ضياء ونورا. غير إنها لم تظهر شيئا من ذلك لعماتها كي لا تضاعف عليهن بلواهن بل صمتت وأجلت الخروج للنزهة الى زمن آخر .

ظنت إن عماتها في ضيق مادي بلا ريب لذا اتصلت بأكبر أولادها وطلبت اليه شراء مؤونة عام من كل شيء ويرسلها الى مزرعة ذويها بيدي ثقة . كانت هذه مبادرتها الاُولى. كانت تعلم إن زواج ابن عمها الكبير الذي اخترمته المنية مبكرا اثر مرض عضال وهو الصبي الذي ربته العمات في احضانهن منذ بكورة أظفاره نعم كان موعد زواجه قد حان ولكنه لم يحدث بسبب الكارثة التي حلت بالحقل لذا اندست قبيل النوم مع عمتها الكبرى في فراشها و وسوست لها : يا عمة أريد أن أحضر معكن فرحة زواج عادل فهو ابن عمي وتسرني فرحته وتحقيق امنيته وأنا انتظر زواجه مذ زمن كنت أنتظر دعوتكم لي لحضورها . الآن أنا هنا أريد أن أفرح وأؤكد انتمائي لأهلي أسرعي بالتجهيز عمتي قبل انتهاء إجازتي ودست رزمة مالية ضخمة بين يديها، حاولت العمة الاعتراض أو الشكر في الأقل غير انها قفزت الى الأرض ومضت خارج الغرفة بلمح البصر .

***

سمية العبيدي / بغداد

31 /10/ 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم