صحيفة المثقف

النظام العراقي الرعوي الذي قتل روح المبادرة والمسؤولية

صلاح حزامالرعاية الاقتصادية وتحريم النشاط السياسي اوصل الشعب الى مرحلة اللامسؤولية..

في العهد الملكي لم تكن الدولة تمتلك مشاريع اقتصادية حيث كان القطاع الخاص هو اللاعب الوحيد في مختلف قطاعات الاقتصاد.

وعندما جاء عبد الكريم قاسم الى السلطة عام ١٩٥٨ ، بدأ بتأسيس مشاريع حكومية بالاستفادة من ايرادات النفط رغبة منه في تسريع عملية التنمية ولنزعة اشتراكية غير معلنة دفعته الى التقارب اكثر مع المعسكر الاشتراكي والاستفادة من دعمه لبناء وتصنيع العراق.

بعد الاطاحة بعبد الكريم قاسم ووصول عبد السلام عارف للسلطة بعد عدة اشهر، بادر عارف الى تطبيق مشوّه لتجربة عبد الناصر في مصر ،في "خلق" الاشتراكية والتي كانت بدورها نموذجاً مشوّها للتجربة السوفيتية في " خلق" الاشتراكية بسرعة .

قام عارف بتأميم شركات القطاع الخاص والبنوك وجعلها قطاعاً حكومياً (أشتراكياً) وفق فهم عارف الساذج للأشتراكية كمفهوم وكتطبيق..

لم يعد للقطاع الخاص دورٌ مهم في الحياة الاقتصادية ..

وصارت الدولة هي المشغّل للقوى العاملة وهي مالكة المشاريع وهي المستثمر الاكبر في الاقتصاد الذي تتوجه اليه انظار الناس بحثاً عن اي تحسّن في ظروف حياتهم.

جاء البعثيون الى السلطة عام ١٩٦٨، واصبحوا من أكثر دعاة التطرف الاشتراكي الدعائي الذي لايستند على بناء نظري واضح (البعثيون ولحين سقوط العراق بيد الاحتلال عام ٢٠٠٣، لم يقدموا تعريفاً علمياً مقنعاً للاشتراكية التي يريدون بناءها في العراق).

سيطرت الدولة على كل مظاهر الحياة ولم يعد هناك من مجال او فسحة للمبادرة الفردية وتحمل المخاطرة والتي تعتبر الاساس التربوي للفرد في الدول المتقدمة.

حتى أقامة مشروع جديد في تلك الدول تسمى: مغامرة (venture)، لانها هي كذلك بالفعل.. قد يخسر المستثمر امواله وقد يدخل السجن لكنه لايتردد في السعي لتحقيق افكاره .

في النظم الشمولية المستبدة، يعتبر هذا السلوك خطيراً لانه قد ينتقل الى النشاط السياسي وتحدي سلطة الدولة وانشاء تنظيمات ونشاط فكري الخ ..

لذلك يتكامل كل من الهيمنة السياسية للسلطة مع هيمنتها على الاقتصاد وعلى سبل العيش والعمل والسكن والصحة والتعليم والرفاه بكل اشكاله.

وفرت الدولة العراقية الوظائف للجميع وقدمت الطعام المدعوم ومستلزمات الحياة الاخرى باسعار بخسة لكي تبقى هي فقط مصدر الخير والنماء الذي يتطلع الافراد الى عطاياه.

بل حتى التفكير المستقل اصبح محرماً على الافراد واصبح حِكراً على النظام (أعلن الرئيس من على شاشات التلفزيون ذات مرة: ان التنظير هو من اختصاص القيادة ولايجوز لأحد آخر ممارسته)!!

لقد تحولت الدولة الى دولة رعوية بفضل ايرادات الريع النفطي وقدمت خدمات ومزايا للفرد مقابل تخليه عن اية مبادرة مستقلة في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة والفن .

الآن وبعد الاحتلال والاعلان عن كون العراق بلداً ديمقراطياً يتبنى نموذج السوق الحرة الرأسمالية

، وجد الفرد نفسه غير قادر على لعب هذا الدور لانه غير قادر على تحمّل المسؤولية التي لم يتدرب عليها وكانت محرمة عليه منذ عقود ..

ارجو ملاحظة بعض الظواهر في مجتمعنا والناجمة عن الخوف والتردد وعدم القدرة على المجازفة :

ليس لدينا افراد في مجتمعنا مستعدين للمخاطرة بحياتهم من اجل اكتشاف كهف او تسلق جبل او الغوض لاكتشاف مياه عميقة او التسابق لكسر رقم قياسي مع احتمال الموت نتيجة السباق او الخروج في مظاهرات عارمة من اجل البيئة او من اجل مستقبل بلدنا وحياتنا ..

ننتظر دائماً البطل المخلّص الذي يأتي ويرفع من شأننا ونحن في البيوت نرتاح بأمان ، نشتمه ونسخر منه ونقدم التحليلات السياسية والاقتصادية العظيمة لان الجميع يفهم في كل شيء..

اعتقد انه من الضروري البحث عن صيغة لادارة البلد تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع وهذا الإرث المرضي .

سبعة عشر عاما لم يتمكن خلالها مجتمع الريع واللامسؤولية، من تشكيل حركة او تيار يمثل أملاً في التغيير نحو الافضل !!

كم ينبغي ان يطول الانتظار؟؟

وهل هنالك بصيص أمل او نور في نهاية النفق ؟؟

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم