صحيفة المثقف

قراءة في أقاصيص (قاب قوسين مني) لهدية حسين

حيدر عبدالرضاملاعبات المخيلة في خطاب غواية القص

من المآخذ المعيبة دائما حول أدب وسيرة وثقافة المرأة تكمن في كونها تواليك دوما بأدب (سير ذاتي؟) أي أنها تقدم مجرد مهيمنات خطابية تقترب من حدود تمفصلات سيرة الأنوثة وأخبار الحياة النسائية بكل مسمياتها وتفاصيلها الجغرافية الصرفة من جانب آخر نلاحظ بأن الكتابة النسوية لا تستهوي في العملية ألأدبية سوى تقديم تواصيف الجسد ولغة الأغراء والمداعبات المجانية التي هي بالأساس الأول ناتجة عن وعي ذاتي غير منظم تحكمه أحيانا حاسة وانحراف اللا وعي والغريزة والطفيليات الوجدانية المبتذلة الى حد الإسراف .هذا ما وجدناه وبشكل مباشر في أقاصيص مجموعة (قاب قوسين مني) للقاصة هدية حسين، وعند قراءة أولى لقصص المجموعة والتي تتمثل بدءا بقصة (رجل في فنجان) نجد بأن هناك خطاب مرأة تلوح بكل ما تمتلك من تفاصيل وخواطر ومشاعر وثقافة من أجل إكساب لعبتها الحكائية مراهنة شبه خاسرة ، ولأجل تضمين هدية حسين لوحدة الحكي تناوبا مزدوجا أخذت تطيل مجرى الاشتغال الصرفي تتابعا حدثيا شبه مموه ، غير أن القارىء لهذه القصة يشعر بأن بطلة النص تشتغل داخل حدود ذاكرة هشة ، لاسيما و قولها هذا اللامبرر برهانيا (امرأة لا تتذكر من شاركها احتساء القهوة و. . .) من جهة ما هل هذا شيء مقنع ؟ بالنسبة لامرأة تسكن وحدها داخل شقة معزولة ؟ أظن من جهة أخرى بأن القاصة كانت توحي إلى تعدد علاقات هذه المرأة العاطفية ولدرجة عدم التمييز مابين الآخرين؟ وإلا ما معنى هذا (كان جسدي يرتعش حين انتصبت أمامي قامة رجل أسمر ألقى تحية المساء بطريقة آلية دون أن ينظر إلي وقبل ان يدخل غرفة نومي . ص7) ان مثل هذه الصيغة من التبدلات الحدثية لربما تشتغل بدورها وفق طريقة سردية تعرف بأسم (خطاب المعروض الضمني) أي أن القارىء بموجب هذه الطريقة يبقى طي احتمالات ومفاجأت عديدة و على مستوى كيفي مسرود . وفي قصة (شوارع حديثة جدا) نقف عند حدود غريبة لوظيفة (سلطة المروي) بيد أننا نجد أنفسنا أسيرين تقاطب ملفوظي شبه نافر مابين حدود ناظم خارجي وفاعل ذاتي ، حيث أن الناظم الخارجي يقع في أفق مستوى تداخلات غير مبررة مع طرف أفعال الخطاطة الإجرائية الأولى ، وعند تأمل توجهات مسافة تلك النواظم ، نلاحظ بأن الحكاية القصصية لربما قد جرت بموجب تحولات ليس لها من وازع مباشر داخل مباشرية منظومة الفعل التكميلي الجاد . فأنا لا أدري ما ترمي إليه هدية حسين ؟ من وراء هكذا مناظرة تقابلية بين أفعال مفقودة الصلة والوصل أساسا ، لربما هذا الفعل من جهة ما، يبرر فراغ وغياب صنع الموضوعة لدى القاصة ، أو غياب قدرات التركيز لديها في خلق موضوعة قصصية مشوقة ، وهذا بدوره ما يقودنا إلى أجواء قصة (وليس على سلوى حرج) هذا النص الذي يحمل ويكشف عن جانب كبير من شخصية نسائية تعاني شدة أزمات اقتصادية وحياتية وعاطفية مما جعلها أسيرة وصايا شقيقتها الكبرى والتي كانت سباقة في سلك دروب العهر والانحلال السلوكي ،فهذه الأخت الصغرى كانت ميالة بدورها إلى نهج نفس الطريق تلبية لنداء أبعاد الرغبة والجوع

والحرمان . (تصرخ سلوى بلوعة ؟ ماذا تنتظرين ؟ ثلاثون عاما من الفقر والجحيم ؟ أم أتعبها ضغط الدم هبوطا وصعودا

حتى غادرت الحياة ثلاثة أخوة أكبرهم دخل الأصلاحية وأثنان تركا المدرسة للبيع في الطرقات / آه لو لم يقعدني /

لو كنت امتلك ؟ وتسقط في حرقة البكاء . ص23) غير أن القارىء لهذه القصة يشعر أحيانا بمدى أخفاق القاصة في ربط وصنع بين وظيفة العلاقة السردية وبين مستوى الأنموذج العام ، وذلك بإدخال عملية التبئير وفق محاور استحالية التوظيف لمعاينات الطرح النموذجي ،أي أن هدية حسين تحاول من خلال كتابة هذه القصة ، خلق أطار عيني بحدود هواجس ذاتية مقصورة الترهينات السردية،أما قصة (رمل الذاكرة) فنلاحظ من خلالها عرض القاصة لمرابع طفولتها ، يوم وقوع حادث اختطافها ذلك وهي تعاني الآن من مرض فقدان الذاكرة (حين عدت الى الدار وبعد أيام من الاستشفاء حكيت لأمي وأنا اتذوق شايها المهيل كيف أنني تذكرت حادث الاختطاف وبكل وضوح قصصت عليها كل التفاصيل المتعلقة بذلك اليوم المشهود .ص17) لعل وبعد كل هذه النصوص يلاحظ قارئنا العزيز بأن عوالم أقاصيص (قاب قوسين مني) ما هي إلا خلاصات امرأة تمارس فعل (السير ذاتي؟) تتبعها في ذلك مهام تمفصلات أخبارية وعرضية مباشرة في نقل الأحداث والذاكرة على لسان  (الكاتب الراوي ؟) أما الجانب الموضوعي السردي في تلك النصوص ،فيواجهنا من خلال مرحلة هشة من وظيفية (التبئير الجانبي؟) فهناك في بعض أقاصيص المجموعة شخوص و أحداث وأنطلاقات يقدم من خلالها الحكي على أساس من محورية تبئير داخلي ، غير أن القارىء لها ، يجدها مجرد تصورات واسترجاعات لا قيمة لها أحيانا ، كما الحال عليه في قصة (أنه يرحل وقت يشاء) وقصة (خارج الزمن) وقصة (نبوءة) وقصة (عاصفة الثلج) وقصة  (الساحر) وقصة (للموتى فقط) وقصة (زوجة رجل مهم) والتي تذكرنا بأحداث وعنونة فلم من بطولة وتمثيل الفنان الراحل أحمد زكي والجميلة مرفت أمين، كما وهناك قصص أخرى ليس من الضرورة ذكرهن هنا ، وذلك لعدم توفر فعل القص والمغايرة بشكل متماسك ومحكم من خلالهن. وفي الختام وبعد رحلة القراءة السريعة في أقاصيص هدية حسين

(قاب قوسين مني) نقول للقارىء الكريم بأن خرائطية نصوص (هدية حسين) قد حلت في هذه المختارات لتشكل نقطة انطلاقة غير متكاملة نسقيا ولا فنيا ، فضلا عن هذا أضحت هذه الأقاصيص ضحية العاب شخصية وهلوسات متصابية تبحث لها عن دليل ما أو مرفأ  ما أو هواية ما ، بجانب هذا بقيت هذه النصوص نهبا لأفتراسات وجهة نظر نسائية قاصرة عن بلوغ حدود كمال الخطاب القصصي الجاد والسؤال المعرفي المتين .

 

حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم