صحيفة المثقف

مع ناظم حكمت في سجنه

كاظم الموسويالشاعر التقدمي، ناظم حكمت، معروف عالميا، بلا نقاش، وعلي فائق البرجاوي، المناضل الذي اعتقل مع حكمت في اسطنبول، وضع كتاباً عنه، باللغة الفرنسية،  وترجمه زهير السعداوي الى العربية، وطُبع في بيروت في دار ابن خلدون عام 1980، فعرف به. ولمن لا يعرفه بات يتابعه ويعرف تعدد مواهبه، ومنها إصداره كتابه هذا الذي وضع له عنوان: مع ناظم حكمت في سجنه، مذكرات لبناني زامل الشاعر في سجن بورصة.

كتب سامر ابو هواش عن علي البرجاوي أن قلة من اللبنانيين تعرفه أو سمعوا باسمه، فهو شاعر وفنان، توفي في منزله في 27 حزيران/ يونيو سنة 2000  في بولارين بضواحي باريس، وهو أحد أولئك الذين فضلوا الإنكفاء والإبتعاد عن الأضواء، وإن ظلّ ناشطاً كتابة وشعراً ورسماً. من مواليد برجا الشوف في 18 شباط/ فبراير 1916 من أب لبناني هو القاضي توفيق البرجاوي وأم تركية الأصل، هي السيدة فخرية ابنة الشيخ عمر لطفي، مفتي القدس زمن العثمانيين. وكان "كاتباً بالإنكليزية والفرنسية والتركية،  أقام في فرنسا بعد هجرته من بيروت بصورة دائمة محترفاً الرسم والتصوير" . لكن البرجاوي لم يغادر اسطنبول إلا بعد أن عاد منها بذكرى سوف ترافقه طوال حياته, وهي الصداقة التي جمعته بالشاعر التركي ناظم حكمت، صداقة كان لها الأثر الحاسم في حياة البرجاوي شاباً، خصوصاً وأنه خاض والشاعر حكمت تجربة السجن في سجن بورصة لفترة قبل أن يطلق سراحه نظراً لصغر سنه.

واضاف "تابع الرسام علي دراسته الثانوية والجامعية في بيروت واسطنبول، بعد فوزه في ”مباريات مُنح على أثرها عدداً من المنح الدراسية، وكذلك فاز بمنحة الدراسات العليا في اسطنبول والولايات المتحدة الأميركية. وكان موضوع الرسالة عام 1937 ” الإشتراكية في الإسلام ”. وأعد دراسة أخرى كان موضوعها ” تاريخ الصراعات الإجتماعية في الإسلام ”. نقل إلى اللغة التركية مؤلفات روسو وتشيخوف وفوييه وغيرها من الكتب عن الإنكليزية والفرنسية. في عام 1940 انخرط في الخلايا السرية لمحاربة النازية والفاشية في بلغاريا، وأُدخل السجن في تركيا حيث تعرّف على الشاعر التركي الثائر ناظم حكمت. في عام 1947 زار بيروت لأول مرة في لباس قبطان البحر ، كما أقام فترات من حياته في كل من إيطاليا وإلمانيا وفرنسا والإتحاد السوفياتي وأميركا.

وختم ابو هواش تعريفه: بفضل جدارته وموهبته، حظي الرسام علي البرجاوي بميداليات الإستحقاق الذهبية من الأكاديمية الفرنسية للثقافة، تلك التي تمنح لأولئك الذين يؤدون خدمات إلى المجموعة الإنسانية. وهو أول رسام أقام في فرنسا، معرضاً عن المأساة الفلسطينية ومجازر صبرا وشاتيلا، وكان آخر معرض أقامه، في شباط/ فبراير 1989 في صالات مبنى الجامعة العربية في باريس. وكان يشده الحنين إلى بلدته برجا الشوف ويغمر قلبه الشوق إليها ، وكان يتمنى الحصول على صور لمناظر طبيعية لها ليحيي ذكراها في لوحاته الفنية.

في تقديمه لكتابه، كتب علي فائق البرجاوي عن حياة الشاعر ناظم حكمت، ذاكرا أنه ولد في سالونيك، وهي من ارض اليونان، في عام 1902  وفور ولادته عادت أسرته إلى اسطنبول، وكان جده محمد ناظم باشا واسع الاطلاع والمعرفة، وكان شاعرا مثقفا ومطلعا بعمق للثقافتين العربية والفارسية، وهو الذي صرف حفيده الى الشعر، وحببه إليه. وكانت أمه جليلة خانم رسامة تلقت فنون الرسم في باريس، وشجعت موهبته بالرسم وبراعته فيه. وذكر في التوطئة عن معرفة ومكانة ناظم حكمت في المشهد الثقافي، حيث كتب الكثيرون بالتركية عنه اولا ثم بسائر اللغات، وسوف يكتب عنه الكثيرون، ومازالت الدراسات عنه تجتذب العديد من الباحثين، والدارسين، ذلك لأن العمق، والانسانية، والغنى في شاعريته السمحة تتعادل وتتساوى، فهو يرى أن ناظم دون ريب اعظم الشعراء في القرن العشرين، ومن اعظمهم في كل عصر وزمان. (ص 8) وتوفي الشاعر في موسكو ودفن فيها في الثالث من شهر حزيران/ يونيو  1962  وكان قد قضى خمسة عشر عاما من عمره أو تزيد في سجون بلاده، تركيا، هي زهرة شبابه ورونق عمره. ورغم معاناته وقسوة ما آلمه من عذاب في وطنه، كتب: "انا الذي تجسدت فيه مدينة اسطنبول..فاشهد يا شعب تركيا، وآن لك أن تشهد ما اعاني من آلام..". واضاف البرجاوي في وصف الحال الذي عاناه هو مع الشاعر حكمت، عن الحياة في السجون التي كانت تفتقر إلى جميع شروط المحافظة على الصحة، والتي كانت تتميز باجواء الرطوبة، والعفن، وكانت سببا في هد بنيان هذا العملاق، ذي العينين الزرقاوين، زرقة بحر "مرمرة" وذي الشعر الأشقر، الذي يشبه في ملامحه يسوع المسيح. وما أن خرج من السجن قضى عقده الاخير في زيارات بلدان كثيرة، إضافة إلى موسكو التي جعلها مقرا له، حتى وفاته ودفنه فيها. موثقا صداقات إنسانية عالمية، بروح وطنية تركية بالغة الوفاء والصدق والإخلاص.

جمعت علي البرجاوي بناظم حكمت، علاقة أدب وفن وفكر، عمقتها مودة واعتزاز شاب واقترنت بظروف وضع سياسي دولي واندفاع  أيديولوجي. " كنت حينذاك طالبا في السابعة عشرة من العمر، مفعما بالحماسة الى العدالة الاجتماعية وإلى السلام بين البشر. وكنت مستعدا في سبيل تحقيق هذا الحلم للاشتراك، وسائر الحالمين في النضال ضد النازية، والفاشية، وضد المظالم الاجتماعية.(ص 10-9 )

اعتقل البرجاوي في زنزانة ضيقة تحت الارض، وهو في ذلك العمر،  ونقل منها بعد ثلاثة أشهر إلى الطابق الثالث في سجن بورصة، حيث  إلتقى فيه بالشاعر حكمت ورفاقه  الذين كانوا محتجزين معه في هذا الطابق من السجن. هذا اللقاء وما بعده هو ما احتواه الكتاب.. وبعد إطلاق سراحه ومرور سنوات من العلاقات والزيارات والتواصل مع الشاعر ومعرفة ظروفه ومعاناته وصعوبات نضاله وملاحقات السلطات له ، جلس البرجاوي كاتبا عن تلك الأيام، التي أمضاها في ذلك السجن، واصفا العلاقات التي أسسها مع السجناء الآخرين في اخاء ومساواة تامين. وهدفه من الكتاب أن يقدم للأجيال العربية، الفتية والناشئة "أن مبدأ بناء وطن سعيد، تسوده الأخوة، ليس حلما، ولا اسطورة."!.

رغم أن البرجاوي كتب الكتاب باللغة الفرنسية، الا أنه كما أراد وسجل أن يوثق تلك الصداقة والمحبة لشاعر تقدمي انساني خلدته أعماله وابقته إبداعاته شعلة مضيئة في المشهد الثقافي عموما والشعري خصوصا في بلاده والعالم. وان يلقي الضوء على تلك السنوات القاسية من حياته وحياة الشاعر  الذي لم تثنه عن حبه لشعبه ووطنه. فكانت صفحات تاريخ وشهادة لايام صعبة وقاسية في حب الوطن والانسان.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم