صحيفة المثقف

التسامح مفهوم قيمي للعيش السليم

عبد الخالق الفلاحكم نحن بحاجة وضرورية إلى التسامح لكونها زينة الدنيا وميراث الارتقاء وهي كلمة تستخدم للاشارة الى الممارسات الجماعية والفردية التي تقضي بنبذ التطرف او ملاحقة و كم من هناك من يعتمدها بطريقة مخالفة ولا توافق المرء وهو نقيض التعصب والتشدد الديني والسياسي لانه يعمق الديمقراطية ويبرز جميع الآراء، ويعطى للشعب أن يشارك وبقوة، وذلك لأنه يعلم أن هذا المبدأ هو أساسى ومهم، فالحريات الثلاث التى ترتبط بالتفكير والتعبير والتدبير إنما تنطوى على التسامح مع المعارضة السياسية، أو مع الآخر المختلف فى التوجهات والاتجاهات والفكري ويعني آداب الحوار والتخاطب وعدم التعصب للأفكار، ويدفع الى الحوار مع الآخر والتعاون بين النخب السياسية والوطنية فيما بين لبناء البلدان وإثراء المحتوى المعرفي والثقافي للتسامح ومناقشة دور قيمه في تحقيق التلاحم المجتمعي وانقاذ البشرية وتوحد أصحاب الأديان التي لا تدعو إلأ بالخير للبشرية والتماسك الإنساني، وتصحيح المفاهيم، ضد الذين يغالون  و قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً...)، «سورة البقرة: الآية 208»لمواجهة وتفكيك الفكر المتطرف والغلو الديني والسياسية والتشدد ومحاربة الإرهاب مثلما هي الآن في عصر العولمة، والذي يعني تقارب الشعوب واختلاطها، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، عبر الاقتصاد والاجتماع، وتطور أدوات التواصل الاجتماعي، والتسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة وعدم رد الاساءة بالاساءة والترفع عن الصغائر والسمو بالنفس البشرية الى مرتبة اخلاقية عالية وأكّدت دراسات قام بها علماء النفس من أنّ الذي تعوّد على التسامح يكتسب مناعة مع مرور الزمن فلا يحدث له أي توتر نفسي، أو ارتفاع في السكري أو ضغط الدم، واتّضح من خلال الدراسة كذلك أنّ العفو والتسامح يجنِّبا صاحبهما الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يُسبِّبه التفكير المستمر في الرد على مَن أساء إليه أو الإنتقام منه وهو كمفهوم اخلاقي اجتماعي يعتبر أحد المبادئ الإنسانية وما نعنيه هو مبدأ التسامح الإنساني كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل ارادتنا، وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلا من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحد منهم،وكذلك شعور بالرحمة والتعاطف والحنان وكل هذا موجود في قلوبنا ومهم لنا ولهذا العالم من حولنا.  تكون نفوسنا عظيمة كتلك النفوس،صافية شفافة لا تعرف الأحقاد،كالزجاجة تشف عما بداخلها،لأنها لا تحوي سوى الحب والإخلاص،تلك النفوس حقا هي التي تستحق أن تقدر وتحترم،فهي تأسر القلوب بسرعة ولأول وهلة،لأنها صدقت مع الله ثم مع نفسها فصدقت بالتالي مع خلقه،وآية التسامح في قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (فصلت/ 34)، تشمل هذا المبدأ، في عدم استواء السيِّئة والحسنة، وسيكون قادراً على ممارسة سلوك التسامح*،يقول الشاعر:

سامح صديقَكَ إن زلّت به قَدَمٌ **** ليس يسلمُ إنسانٌ من الزّللِ

كما لاحظت دراسات علم النفس الإجتماعي وأنماط الشخصية، أنّ التسامح من ملامح الشخصية السوية التي تملك نظرة إيجابية للحياة، أمّا الشخصيات التي تُعاني من اضطراب كـ(الشخصية السيكوباتيّة)، فهي لا تعرف الحبّ والرحمة والتسامح، ولذلك ترى صاحبها نصّاباً، محتالاً، مخادعاً، لا يحترم القوانين والأعراف والتقاليد، وليس لديه ولاء إلا لملذّاته.

ومن هنا كان اليوم العالمي للتسامح كما اقره  المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين، باريس عام  1995" الاحتفال باليوم السادس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل سنة كيوم دولي للتسامح وذلك عن طريق تنظيم أنشطة وبرامج خاصة لنشر رسالة التسامح بين مواطنيها، بالتعاون مع المؤسسات التربوية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ووسائل الإعلام في كل منطقة" للتعبير عن رغبة أممية وإنسانية في السلم والاستقرار، ومواجهة المشكلات العالمية بالتضامن والتعاون وصناعة الأمل للأجيال القادمة، ويأتي ذلك استنادا إلى الدروس والتجارب المأساوية في القرن العشرين ، ومن الصراعات الكثيرة في الوقت الحاضر.  إنَّ قيم التسامح والتفاهم المتبادل مُتأصِّلة بقوة في ميثاق الأمم المتحدة أننا "نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا في أنفسنا أن ننقد الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره... وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار".وفي القوانين الدولية، إلا أنها تواجه اختبارات عميقة في جميع أنحاء العالم؛ حيث نرى استمرار التطرف واستهداف الأشخاص بسبب معتقداتهم وتقاليدهم، واستمرار الكثير من النزاعات المسلحة ذات الأبعاد الطائفية. لم تعد حل النزاعات الدينية مهمة وطنية أو مهمة دولة وشعب، إنما مهمة العالم كافة، بمعنى أن يحصل التّعاون والأخذ بالتّجارب في هذا الشأن، فلكلّ دولة وشعب تجربتُه، بما تقرّه ديانته وتقاليده.

في امكان التسامح وحده ان يضمن بقاء المجتمعات المختلفة في كل منطقة من مناطق العالم. و في تعزيز التسامح باعتباره مسألة تتعلق بهويتها الأساسية، ويجب علينا التمسك بقيمه ، ونشجع العالم عليها. و أن فكر التسامح والحوار يعد من أبرز قيم ومبادئ السلام الراسخة في المجتمع العماني، فضلا عن كونه أسلوب حياة وممارسة يومية يمارسها الجميع ، لذا تعمل المنظمات العالمية  على تعزيز الحوار بين الأديان لتعزيز التسامح الديني والتفاهم المتبادل والتعايش السلمي على المستوى العالمي ، و تدعو العالم إلى تبني نظام أخلاقي عالمي يعزز التفاهم المشترك والتعايش السلمي وكم هي عظيمة تلك النفوس المتسامحة التي تنسى إساءة من حولها لانه مفهوم قيمي للعيش السليم،وتظل تبتلع حماقاتهم، وأخطائهم، لا لشيء سوى أنها تحبهم حبا صادقا يجعلها تعطف على حماقاتهم تلك،وتضع في اعتبارها أنه لا يوجد إنسان معدوم الخير،ولكن يحتاج إلى مخلص يبحث عن ذلك الخير، فهي تعذرهم ،لأنها تضع في اعتبارها أن من يسيء لغيره قد يعيش ظروفا صعبة أدت به أن يسيء لمن حوله، لكنه لايجد من يعذره ويتسامح عن زلته..

إن المجتمعات التي يسودها التراحم والتسامح والتعايش لا تسمح بانتشار الافكار المتطرفة فيها، وإن العالم في أمس الحاجة الآن إلى التماسك الإنساني، وتصحيح المفاهيم، ضد الذين يصلون إلى درجة الغلو والتطرف في  السياسة والدين، أن الحوارات  يجب أن تكون على المستوى الأخلاقي والمعاملات، وأن يكون قائماً على مبدأ العيش المشترك، القائم على ثقافة التسامح، وهو الذي يدخل البشرية في أصلها الأول في التعاون والتعامل، والتقيد بأدب الحوار والمناظرة، بعيداً عن التعصب، والإلمام بالموضوع محل الحوار، وقابلية الموضوع للجدل فيه أصلاً، فلا يكون من البديهيات والمسلَّمات

 

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم