صحيفة المثقف

أقلام مهجرية: فلسفة الكتابة عند المبدع الأديب كامل محمود بزي

قاسم ماضيوهي جوهر الانتماء إلى حس وثقافة الأمة .

لم يتوقف الكاتب اللبناني الأمريكي "كامل محمود بزي" عن الاندفاع الخلاق صوب تواترات وإلتواءات الأدب المهجري، الذي شكل له الشغل الشاغل في مغتربه، منذ وطأت قدماه على أرض المنفى، التي شكلت له أرضية خصبة برغم مشاغله الحياتية المشتعلة بأنين الوطن وفراقه، ولقمة عيشه، وكتاباته جاءت كاشفة تقوم على فرضية الإنتماء، وهو الكاتب الذي انفتح على سائر المبدعين من الذين سبقوه، وهو الذي يحبس نفسه في الدلالة المكانية أو لنقل الجغرافيا التي انطلق منها ليشكل فضاءه الذي رسمه بعد هذه السنين .

وهنا نتساءل عن ماهية الكتابة ؟ لدى كاتبنا "كامل محمود بزي" هذا الكاتب العربي الذي أراد أن يكون قاموسَ الجالية العربية، ومصدرَ ثقافتها بنثرها وشعرها، وهو بالتالي ينقّب عن كل صغيرة وكبيرة من أجل إرساء قواعد اللعبة الثقافية وتزويدها إلى الآخر، وما هو الفضاء الإشكالي وأقصد الفضاء الأدبي الذي أغرقه الكاتب بحثا وتنقيبا في عالمنا المادي هذا الذي هو يشغل جميع أبناء المعمورة .

وهو في اعتقادي فعل استنفار لإضطرابات وانفعالات في الهم الأنطولوجي أو ما يسمى الإدراك الوجودي لدى أي مبدع . يقول في مقدمة الكتاب د.يحيى الشامي أستاذ الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية " لطالما شكلت الهجرة، وإن بصورة مؤقتة غير دائمة، حافزاً لقدح زناد الفكر، وكشف القناع عن ملكة الإبداع، فكيف إذا كان المهاجر من ذوي الفطنة ويقصد به الكاتب " كامل محمود بزي "والفهم والذكاء، ومن الذين لهم بالفطرة علوق بالأدب أوالشعر، الذي هو ترجمان مختلف المشاعر والأحاسيس الكامنة في النفس كمون الشرر في النار .ص 7

2005 كامل محمود بزيوانطلاقا من مفهوم "بلانشو" أن الكتابة حرفة مهولة، محفوفة بالألم، فهي تنتجه وتتعلق بالموت تعلقاً كبيرا، الذي يتجلى فيها بشكل حاد وطارئ، وعلى الرغم من كساد بضاعة الأدب والشعر اليوم، فالكاتب " بزي " يحلم دوما بالحصول على موطئ قدم وأن لا يتوقف أبداً في حياته من أجل سعيه إلى التهرب من هذا المنفى الاغترابي وقلق الحياة عبر مواصلة ابداعية لا تتوقف، فهو لا يكل ولا يمل في البحث والتنقيب في عالمنا هذا .وفي هذا الكتاب الشامل الذي أطلق عليه أسم " اقلام مهجرية " وهو ثاني مصنف له بعد مصنفه الأول " الشيخ خليل بزي " 75 عاماً في خدمة الدين والمغتربين، والذي كنت ُ قد كتبتُ عنه في السنوات السابقة في الصحف والمجلات، أن الإبداع يحمل سمات الذات المبدعة من خلال اختيار المضمون وطريقة التعبير وأسلوب الكتابة واستثمار الخزين الفكري والمعرفي وكذلك الثقافي وتفاعله مع محيطه، وهنا يتساءل الكاتب العراقي " عواد علي " هل ما زال في وسعنا الحديث عن " أدباء مهجر وأدب مهجري " وهل ما زال في وسعنا أن نطلق المصطلح الأول نفسه على نتاجات حملة الأقلام من المبدعين المهاجرين والمنفيين ؟ كل هذه التساؤلات لخّصَها الكاتب في فلسفة الكتاب الذي أطلقه للقارئ العربي وهو يغوص ويتعمق في كل مفردة وفي كل جملة حتى قال في كونها الأس الذي دعاني، وكشف النقاب عن وجودهم وآثارهم، ونركز على بعض نماذج نتاجهم، باحثا عن تلك الومضات الإبداعية الجميلة، في كتابة تمس الوجدان، وبالتالي إلى فتح نافذة يطل منها القراء والنقاد ليجدوا ضالتهم من خلال الإطلاع على ابداعات هذه الأقلام المهجرية، وهنا لا بد من الإشارة إلى هذا العنوان " اقلام مهجرية " حيث أن هذا المصطلح الذي يقول عنه الناقد المخضرم" حاتم الصكر " أن مصطلح المهجر ومفهومه يبدو أقل ايلاما في تصوير الحالة من مصطلح "المنفى" الذي تلاه، وهو إجباري يجد المرء نفسه مرغما على اتخاذه مقرا، وقد تداوله أدباء شردتهم السياسة في أوطانهم .وهو يؤكد في هذا الكتاب على معرفة عن قرب على كوكبة من أصحاب الأقلام المهجرية الذين حملوا أوطانهم في قلوبهم، وقد أكهلتهم الغربة، وضجت بهم السنون، فأطلوا من علٍ، صياحين على بيادرالوجد، عرفتهم شعراء وكتابا مندفعين في الهم الثقافي، اندفاعهم في هم الإبداع، يتمتعون بواقع يقترب من لغة الحنين، بل يذوب فيها، وفي مجمل بحثه وتنقيبه عن هؤلاء المبدعين الذين عاصروه وأستمع اليهم عبر عدة جلسات ثقافية أراد منهم أن يكونوا مدخلا لهذا الكتاب المهم والحيوي حتى تكون القراءة بحمولاتها الدلالية الهامة .ولاسيما ما يتعلق بكتابتهم العميقة والواعية التي تتولد عنها الكثير من الدلالات والمعاني وعلى كل المستويات الوجودية والإنسانية والسياسية أيضا، وحتى لا يغيب عن ذهننا وكما قال عنه د.الشامي "فآثر أن يركب الصعاب لما أن عزم على أن يكون له في عالم الكتابة والترجمة حضور، وعجيب أمر هذا الصديق المغترب الذي هو أحد عشاق الصناعتين، الشعر والنثر، ولأن فلسفة الكتاب "أقلام مهجرية " هي توثيقية هدفها الأساسي إرساء المعلومات من أجل الاستزادة والحصول على المعلومات لكنها جمعت بعد قراءات مستفيضة واستسلمت للعديد من الرؤى الذاتية التي تخلص في النهاية إلى منهجية عامة واضحة يمكن الاعتماد عليها في كل المحافل الأدبية، باعتبار الأدب وثيقة اضافية في تاريخ الفكر والفلسفة، والتي أثبت أن الأدب يتحقق من خلال الفن الأدبي الرفيع، والمضمون الإنساني العميق، الذي يقارب كل شاردة وواردة في موضوعات هذه الحياة الإنسانية التي يعالجها الفكر بمشرط اللغة . ويبدو من صياغة الكتاب هذا، والذي يضم بين جنباته منجزات أدبية في بلد المهجر المعاصر بالولايات المتحدة الأمريكية، أبدعها ثلاثون أديبا ً وشاعراً ومثقفاً، مشتملاً على فصول يستقل كل فصل بشخصية من هؤلاء المبدعين، نصوصا ونتاجات وقصائد، تؤشر مجتمعة إلى منجز يلقي الضوء على حياة الإغتراب وارتباط الذاكرة بالوطن الأم، بحيث يصعب الفصل بين الحياتين، وهو من القطع الكبير ويقع في 820 صفحة والصادر عن دار المحجة البيضاء. ويعرف الجميع وخاصة من المشتغلين في هذا المجال أن الإبداع منجز فردي لا جماعي، وهذا من بديهيات الإبداع في الأدب برمته، ومن خلال هذه الجولة السياحية المكتنزة بالوعي والمُحركة للعواطف الإنسانية، وهو يستفزك في إختيار قصائد ذات أبعاد فلسفية وفكرية معبرة عن حب الوطن والغربة، انطلاقا من إيمانه الشخصي وتحمسه للكتابة ومواصلته المستمرة من أجل تأثير الأدب في الفكر الإنساني . وكذلك تأثير الأدب في فكر القراء .

 

قاسم ماضي - ديترويت

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم