صحيفة المثقف

اشكالية الدين والهوية.. بحث في المسكوت عنه

في البدء ارى صواب عنونة الكتاب بمسيها "اشكالية الدين والهوية –بحث في المسكوت عنه" للكاتب: "صادق إطيمش" كانت مدخل قبول لموضوع الكتاب، حيث تواجدت العنونة بدلالاتها وتوسعت في تواجدها هذا وبوضوح داخل متن الكتاب، ومن تحليلها المسند بالمعلومة والتاريخ واسباب وجودها وتناولها المنطقي في تحقيق قبولها العقلي .

ولابد ان ننوه هنا حَرَصْ الكاتب لذكر موقفه المبدئي وبواضح قوله (...لا اريد بهذا الطرح الدفاع عن اي دين او الانحياز الى اي عقيدة دينية، حيث اني اومن تماماً بان الانحياز الأول والأخير يجب ان يكون للانسان والوطن، وما تجاوز ذلك لايشكل من وجهة نظري عاملاً من عوامل التقييم للعلاقات بين الناس، إلا ان المغالطات التي ترافق المعتقدات، خاصة الدينية منها، لايمكن السكوت عنها خاصة اذا ماتعلق الامر باستغفال الناس وتعميق الجهالة بين صفوفهم لأغراض اقل مايقال عنها إنها لاتخدم السلم الاجتماعي ولاتصب في مجرى الانتماء الوطني..)ص38.

وفي تناول لثيمة موضوع كتابه (اشكالية الدين والهوية-بحث في المسكوت عنه) الصادر عن دار القناديل، عمل وحقق الكاتب على عبور المسكوت عنه، ومن تحليل بعض مواضيع الديانات الثلاث ومتعلقاتها مع الاديان الارضية واساطير الاقوام القديمة في التاريخ البشري وماقبله، من العراق ومصر والصين وغيرها وهو يبحث في المكسوت عنه من الناس لخشيتهم من قمع سلطة ولي الامر الماسك بشدة سوطه وهو ملتصق بفساد كرسي الحكم الدنيوي بعد لبوسه كاذباً بلبوس الرحمة وهو ذاهب لشر الاعمال في قتل الانسان وسرقة قوته.

وهذا المغالطات للعقائد الدينية، عطلت البناء الصائب للمواطن وعثرت بناء موطنه المناسب الموفر له الرفاه وباقي حقوقه الانسانية. ومن نشر الجهل حرص الفقية وبطلب سياسيه الحكام، على تغليف خطاب سياستهم بخطاب ديني يهدد الاخرين بعقاب النار ويطمعهم بالجنة، وهذا ما يذكرنا في قول ابن رشد بهذا الموضوع -اذا اردت ان تتحكم في جاهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف ديني-

وقد محور الكاتب في تناولات كتابه اختلاف نصوص الديانات الثلاث بينها من جهة وبين نصوص الديانات الاخرى، وهي اختلاف داخل النص واخر خارجه حيث المفسرين والفقهين، من الكنسين ومراجع الدين والمذهب، وهذا ماذكر مثلاً، حول منح الله لابراهيم واولاده ارض الميعاد في سفر التكوين الاصحاح 15الفقرة 18ا للعهد القديم.(في ذلك اليوم قطع الرب مع ارام –ابراهيم- ميثاقاً قائلاً، لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات) هذه النصوص التوراتية كما ذكر الكاتب (استند ايضاً لها "موشي ديان" وزير الدفاع الاسرئيلي السابق قائلاً :اذا كنا نملك كتاب التوراة واذ كنا نعتبر انفسنا شعب التوراة، يجب علينا ان نملك كل الارض التوراتية - يوروزاليم بوست 1967)ص19.

في حين هناك قراءة لهذا النص التوراتي بان الارض لكل ذرية ابراهيم وليس فقط لابنه اسحاق وابناءه متناسين ابنه الاكبر اسماعيل من زوجته الثانية "هاجر" كما ذكر الكاتب.

وهذا من اختلاف الحفظ للنصوص الدينية والقراءة لها وفهمها وتحويرها على هواهم، وقد كان هناك من اليهود الملتزمين بتدينهم ينكرون حقهم بوراثة هذه الارض وهي ارض كنعان الفلسطينية الاصل.كما في مشاهدتنا لهم في بعض المسيرات المنددة لممارسات سلطة اسرائيل في سياسة التوطين وترحيل الفلسطينين بالقوة عن ديارهم.

و اختلف المسيحون ايضاً حول الكثير من المواضيع المنصوص فيها في الانجيل، منها التثليث والتوحيد لأقانيم الآب والابن والروح القدس، ليذهبوا في تفسيرهم لعدة مفاهيم لهم من قبل اتباع المسيح لتظهر بعدها الكاثوليكية والارثوذكسية والبروستانتية، وقد حصل الكثير من التصادم بينهم ولكن باقل ما ظهر بين طوائف وفرق المسلمين.لتنتهي بكثرها عندهم وتبقى عند المسلمين وللان.

كذلك اختلف المسلمون في قراءة كتابهم القرآن، ليعملوا في صناعة فرق اختلفت وتضادت وتخاصمت حتى تقاتلت، علما قول القرآن ان اياته بائنه اي واضحة وبليغة بقوله (تلك ايات المبين). وكما اكد الكاتب "صادق اطيمش" انها ذكرت واكدت -بيانها- ثلاث مرات فى القرآن الكريم فى سور (يونس ويوسف والحجر)، لكن اختلف مراجعهم كثيرا وفق كل حسب فهمه للقران والتي تذكرنا بالمقولةُ التي وردتْ عن عليٍّ - قالها لعبد الله بن عبَّاس، لمَّا بعثه للاحتِجاج على الخوارج، قال له: "لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاجِجْهم بالسنَّة؛ فإنَّهم لن يَجدوا عنْها مَحيصًا".

وهنا تأكيد القرآن بحصر فهم آياته بالتأويل الذي لا يبلغه غير الله وذو العلمية العالية كما في الأية (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)ايه7 العمران. وهذا يقودنا للغرابة في كيف لايات بينات لايفهمها إلا الله والراسخون في العلم؟!!! لتضع عامة المسلمون، وهم قوم منغلقين انذاك تحيطهم الصحراء، فلم يورثوا سقراط وافلاطون وارسطو ولم يتداولا المعرفة والحكمة والحوار فيهما، وكانوا يعيشون على الغزو والغنائم ويقتلون ابنائهم خشية املاق..ليكونوا في حيرة فهمهم ويذهبون الى الفقهاء ليفهموا، علما ان الفقيه يسمعها لهم حسب معرفته وانتماءه الخاص ومصلحته في الامر.

وقد تناول الكاتب اهم مظاهر مثولات الاديان التي اشكلت على الانسان في فهمها، مثل الصعود للسماء والمتواجدة من قبل لدى اقوام الحضارات من سومرين واكدين وفراعنه وزردشتين.وكذلك موضوعة المهدي المنتظر لدى المسلمين، الذي سبقهم فيها اليهود والمسيح، مثلما سبقتهم هذه الاساطير في موضوع الطوفان قبل طوفان نوح، وتنقل هذهِ المفاهيم من حضارة لحضارة ومن دين الى دين وفق صيغ متنوعه، كما لدى اليهود ومنه للمسيحة والاسلام، وما ادخل عليه رجال الدين من كنسيين وقساوسه وفقهين وتوظيفهم لما يخدم مصلحتهم الحياتية البعيدة عن الايمان الديني.

و في موضوعة اطاعة اولي الأمر واختلافهم فقهيا فيه باختلاف وضعهم للاقتراب لمسك امور الحياة والسيطرة عليها كما في الاية (يا اُّيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ –سورة النساء 59) وفيهم من ايد الحاكم الظالم والاخر المؤيد للثورة عليه وكما في واقعة الامام الحسين ضد تسلط يزيد وفهم الاموين لها بمثل الردة والخروج عن طاعة خليفة المسلمين، وعدت موقعة كربلاء ثورة ضد الظلم حظيت بالتأيد من مختلف الجهات الفكرية المختلفة.

ومن المسكتات عن الحاكم الظالم وظلمه ايضاً عند الطائفة الشيعية بمقولتهم – لاترمي نفسك بالتهلكة- تاركين امرهم لله كما في فهمهم للاية (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة 51.ومنه جاء مفهوم التقية.رغم عدم ايمانهم بالحاكم كولي امر المسلمين بمثل ايمان اهل السنة له. وكل هذا يحدده طائفية الحاكم ليكون ولي امر الله ام لا.

وتناول الكاتب موضع مسخ الايات وتنوع مسخها داخل النص او عزلها عن العمل بها كما في قتال اهل الذمة من يهود ونصارى وغيرهم او اخذ الجزية منهم، هذه الاية التي مسخت الان في دساتير وقوانين البلدان ذات السمة الاسلامية، الاية التي تقول...(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُ بدِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)س التوبة. لكن يعيش اهل الذمة الان من مسيح ويهود عيشة طبيعية اسوة بالمسلمين بدون دفع جزية وغيرها، ويعني هنا مسخ المسلمين للاية رغم وجودها في القرآن.

ومن تأكيد الكاتب بعدم سكوته عن المغالطات الدينية التي سادت في المجتمعات العربية والاسلامية والتي مزقت المجتمع وفرقت وحدة الصف الوطني، واحالته للضعف الذي اشتغلت عليه الدول الطامعة، لتعمل تمزقات اكبر واكثر وبما يناسبها في التدخل في امور الدولة لتنهب ما تستطيع من ثروات لها.وهذا من النتائج السيئة الحاصلة من الاختلاف الديني الاسلامي المنتج من قراءة النص او من خارجه، حيث الفقه الذي فرق الجمع الوطني الضروري لبناء البلد، لياخذ بهم الى التناحر الطائفي حتى وصل لولادات فرق داخل الفرقة الواحدة، وهذا ماحصل بعد التغير 2003 في العراق نموذجاً، حين لبست الاحزاب لباس الدين لكنها رمته خلف ظهرها والتصقت بالكراسي التي يحقق لها اكثر الغنائم في غزوهم لنيل المناصب.

ومن مردئات الوضع في العراق، ذكر الكاتب تلك الولادات التي ظهرت مابعد2003، وهي الاحلال الاول لقانون العشائر بدل القانون العدلي للدولة، خاصة ونحن في زمن الحقبة الثانية من الالفية الثالثة، وفي بلد حموابي الذي سبق بلدان العالم في سن القوانين المعالجة لاي ظاهرة وواقعة وموضوع، وقد وضعها في بلاد النهرين عام 1750 ق.م، حيث يتم الان في بلد حمورابي استغفال القوانين العدلية واالمتاجرة بالمال تحت مفاهيم بالية باسم الفصل والدية وبما يخلص منها الغني المجرم بماله ليقوم بتاسيس عصابة له من القرية او العشيرة، خاصة ونحن في زمن حكومات فتحت اموالها للسرقة والنهب. وقد تحول الاستعمار بدل استعمال الجيش لاستعمال الاقتصاد والمال، لتورث سلفيات دين التخلف واغلاق العقل الذين يصبان في مصلحة الاستعمار واسلوبه الجديد لتمرير مأربه اللانسانيه، ومن تعطيل العقل وتياه الوعي لتضع عاملي السلفيات... الدين والاستعمار وجهي عملة لتدهور الشعوب والأمم.

وتبقى قولة الكاتب "صادق إطيمش" - انتمائي للانسان اولا وللوطن ثانيا دون اي اعتبار لأي انتماء اخر احترمه وحتى ادافع عنه، تبنيته ام لم اتبنّه ..ص47- معلم ينير القاريء لوجوده الانساني ازاء اعلى القيم حيث الانسان والوطن. ولازمها الكاتب بعدم سكوت الانسان عن التوجات الفكرية والسياسية للجهالة الدينية التي تطمر وخفي الحقيقة الجدلية للنفع البشري ومن خلالها الفصل بين الضار والنافع لبناء اسس الحياة الانسانية –وكما في قولة الكاتب والروائي الامريكي –"وليم فوكنر" - لا تخف أبداً أن ترفع صوتك من أجل الصدق والحقيقة ومن أجل التعاطف ضد الظلم والكذب والطمع . لو فعل كل الناس ذلك .. سيتغير العالم-

 

خليل مزهر الغالبي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم