صحيفة المثقف

الرئيس جو بايدن والشرق الأوسط

محمد عبد الكريم يوسفتنقسم الآراء في منطقة الشرق الأوسط في كل عام تجري فيه الانتخابات الأمريكية حول شخصية الرئيس المنتخب وسياسته في منطقة الشرق الأوسط فمنهم من يؤيد الرئيس المنتخب، ومنهم ينتحب على الرئيس المغادر، ويتناسون أن السياسة الأمريكية واحدة تجاه الشرق الأوسط يأتي في طليعتها رعاية إسرائيل ومصالحها وحمايتها من أي خطر محتمل قد يهددها . ومن يراجع سياسة الانجازات التي يحققها كل رئيس منتخب بغض النظر عن انتمائه لأي من الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري يدرك جليا أن إحدى الاهتمامات الرئيسية لممثل الحزبين الحاكمين هو خدمة اسرائيل ورعاية مصالحها .

لقد قدم الرئيس ترامب أفضل الخدمات لإسرائيل خلال أربع سنوات من الحكم يمكن تلخيصها بما يلي:

- في 22 أيار 2017، زار الرئيس ترامب حائط البراق مرتديا قلنسوة يهودية سوداء.

- في 6 كانون الأول 2017 اعترف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في سابقة لم يتجرأ رئيس أمريكي آخر على القيام بها ونقل سفارة بلاده إليها .

- في آب 2018 أوقف الرئيس ترامب تمويل منظمة أونروا التي كانت تقدم خدماتها لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني .

- في 25 آذار 2019  وقع الرئيس ترامب وثيقة تعترف فيها الولايات المتحدة بضم الجولان السوري لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

- وفي 28 كانون الثاني 2020 أعلن الرئيس ترامب عن صفقة التي تلتهم حقوق الفلسطينيين في وطنهم .

- وفي 15 أيلول 2020 رعى الرئيس ترامب تطبيع العلاقات بين الامارات والبحرين مع الكيان الاسرائيلي.

- وفي 23 تشرين الأول 2020 أعلن الرئيس ترامب تطبيع السودان علاقاته مع الكيان الإسرائيلي.

- وفي 26 تشرين الأول 2020  أعلن الرئيس ترامب أن مبادرة السلام العربية غير مقبولة وأن البديل عنها صفقة القرن .

لقد قدم الرئيس ترامب لكيان الاحتلال مالم يقدمه أي رئيس أمريكي آخر.

 ومرة أخرى تنقسم شعوب منطقتنا حول الانتخابات الأميركية التي جرت مؤخراً. فالمناصرون للرئيس ترامب يعتقدون أن بقاءه يقلص النفوذ الإيراني في المنطقة وربما إسقاط النظام نفسه. ويرى المؤيدون لبايدن أن إزاحة ترامب يفيد القضية الفلسطينية ويقوّي "محور" المقاومة المتمثل في إيران وسورية وحزب الله من خلال رفع العقوبات المفروضة على إيران والعودة للاتفاق النووي الذي خرج منه ترامب لأسباب غير مبررة . والخبر السيء لكِلا الفريقين أنهما سيحبطان كليهما من سياسة بايدن في المنطقة لأنه لن يقوم بتغييرات كبيرة في موقف الإدارة الامريكية المقبلة من ملف مكافحة الإرهاب وتواجد القوات الامريكية في المنطقة.

لقد نشر الرئيس المنتخب جو بايدن دراسة في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية أوائل العام شرح فيها سياسته الخارجية والداخلية في حال انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية حيث تساءل قائلا: " لماذا يجب أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم ثانية؟ يجب أن ننقذ السياسة الخارجية الأمريكية بعد انتهاء ولاية ترامب. "

ومن خلال الدراسة التي أعدها الرئيس بايدن، يمكن للمتابع أن يستكشف عددا من المبادئ التي يمكن أن يعتمدها الرئيس المنتخب خلال ولايته الدستورية القادمة، مع الاعتقاد الراسخ بوجود هامش انحراف معياري في تنفيذ السياسات لدى كل الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين . الرئيس نفسه يذكر في دراسته جملة مفادها " على الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يتعامل مع الواقع كما هو عليه في عام 2021 ويحاول لملمة الشظايا التي خلفتها إدارة الرئيس السابق"

سياسة بايدن الخارجية

يسعى الرئيس بايدن الى إعلاء قيم الديمقراطية والليبرالية كمحور أساسي للعلاقات مع الدول الأخرى، حيث يقول: "كرئيس للولايات المتحدة، سأقوم بخطوات فورية لتجديد الديمقراطية الأميركية وتطوير العلاقات مع الحلفاء، فقد أدى انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد إلى خلق عالم حر". ومن الواضح أن إدارة الرئيس الجديدة ستجعل معيار تطبيق الديمقراطية أساسا حاكماً في علاقاتها مع الدول الأخرى . ويمكن توقّع سياسات التدخل في الدول التي تصنف أنها دول معادية للديمقراطية. إن الدول التي تشهد الاحتجاجات والمظاهرات كالعراق ولبنان وإيران يمكن أن تتوقع ضغوطا أمريكية أكبر في المستقبل، وتطبيق "مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد سيكون مفتاح علاقاتها مع الولايات المتحدة " كما يقول الرئيس المنتخب . لقد كان بايدن واضحاً في ذلك حين قال: "من هونغ كونغ إلى السودان، ومن تشيلي إلى لبنان، يذكّرنا المواطنون مرّة أخرى، بالتوق المشترك إلى الحكم الرشيد، والبغض العالمي للفساد بأنه "وباء خبيث، يؤجّج القمع، ويقوّض كرامة الإنسان، ويزود القادة الاستبداديين بأداة قوية لتقسيم الديمقراطيات وإضعافها في جميع أنحاء العالم، ويبدو أن ترامب ينتمي إلى الفريق الآخر، ويأخذ كلام المستبدّين بينما يظهر ازدراء الديمقراطيين، من خلال رئاسته أكثر الإدارات فسادًا في التاريخ الأميركي الحديث، فقد منح الامتيازات للفاسدين في كل مكان".

سيركز الرئيس المنتخب على السياسة أكثر من الاقتصاد في تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة . وستكون سياسته عكس سياسة الرئيس ترامب الذي قدم الاقتصاد والعائدات على السياسة ومنافعها في تقرير السياسة . يعتقد الرئيس بايدن أن السياسة أو القوة الناعمة تقود للنمو والازدهار الاقتصادي حين يقول "الديمقراطية ليست أساس أمريكا بل أساس قوة أمريكا لأنها تعزز قيادتنا للعالم وابقائه مكانا آمنا يمكن العيش فيه، إنها المحرك الذي يقود الاقتصاد المزدهر."

لا يرغب الرئيس بايدن في إهمال الاقتصاد أبدا لكنه يعتقد أن أي ازدهار اقتصادي يأتي من خلال مقاربة مختلفة أساسها العولمة من جانب والسياسة من جانب آخر ويعتقد أن الطبقة الوسطى هي من يحمل لواع الإبداع في التطوير الاقتصادي . وخلاصة تفكير بايدن فيما يخص الاقتصاد هي أنه يطير بجناحين: العولمة والسياسة، وفي هذا الصدد يقول في دراسته: " إن إدارتي ستهيئ أمريكا للتقدم في مجال الاقتصاد الدولي مع تركيز السياسة الخارجية على تعزيز دور الطبقة الوسطى. وللفوز بالمنافسة الاقتصادية مع الصين، لذلك، يجب على الولايات المتحدة شحذ قدرتها الابتكارية وتوحيد القوة الاقتصادية للديمقراطيات حول العالم لمواجهة الممارسات الاقتصادية التعسفية وتقليل عدم المساواة". ومن الجلي أن المنافسة مع الصين ستكون لها أولويه أيضا في عهد بايدن لكن من خلال مقاربة مختلفة تقوم على مبادئ الليبرالية والقيادة بالإبداع، وليس مبادئ سياسات الحماية والحرب الاقتصادية.

تميل إدارة الرئيس بايدن إلى سلوك منهج أقل عدائية مع الآخرين وستميل إلى تشجيع العولمة أكثر من الأمركة . لقد نهج الجمهوريون على اتخاذ شعار "أمريكا أولا"، ولا ننسى في هذا السياق كلام الرئيس بوش حين قالها صراحة " الأمريكي يأتي أولا وقبل أي شيء"، وقد ترجم الرئيس ترامب هذا الفلسفة بإغلاق حدود الولايات المتحدة والانغلاق، ويبدو أن الرئيس ترامب من حيث لا يدري وجه صفعة قاسية لمؤيدي العولمة ومبادئها . يبشر الرئيس بايدن بعودة الولايات المتحدة إلى العولمة والانطلاق مجددا لقيادة السياسات الدولية بدل الانسحاب من المنظمات الدولية وايقاف تمويلها . يقول الرئيس بايدن: " يركز برنامجنا الخارجي على عودة أمريكا إلى المقدمة من جديد لتعمل مع الشركاء والحلفاء لتعزيز العمل المشترك ضد التهديدات الدولية... وسنعمل على إعادة تحالفاتنا القديمة وتعزيز دور الولايات المتحدة في حلف الناتو. إن دور أمريكا في الناتو مقدس ويكمن في قلب وصميم الأمن القومي الأمريكي". وفي هذا السياق يتوقع من الرئيس الجديد وإدارته التركيز على الحلول السياسية كأولوية والاهتمام بالعمل الدبلوماسي وقد انتقد بايدن سياسة الافراط في استخدام القوة العسكرية الخشنة، وافترض أنها أحد دعائم السياسة الخارجية الأمريكية. لكن يجب التركيز على الشأن الدبلوماسي قبل كل شيء، يقول الرئيس بايدن: " لقد اعتمدت سياسة ترامب الخارجية على التفوق العسكرية وبشكل وحيد وإهمال عناصر القوة الامريكية الأخرى وأهمها إهمال دور الدبلوماسية." وعلى الرغم من تركيز الرئيس بايدن على أهمية التواصل والدبلوماسية العالمية، إلا أن حديثه عن عودة أجواء الحرب الباردة كان لافتاً في أكثر من موقع في دراسته عن روسيا باعتبارها مناهضة لكل القيم التي يؤمن بها. وربما يكون بدعم بايدن لأوكرانيا ركنا أساسيا يساعد في فهم هذا التشدد في موقفه تجاه روسيا والذي يعيد الذاكرة الى أجواء الحرب الباردة وتداعياتها.

يؤكد الرئيس جو بايدن على أهمية حلف الأطلسي، وعلى دور الولايات المتحدة في قيادته بما يناقض تماما سياسة الرئيس ترامب . يقول بايدن: " يجب فرض اجراءات مكلفة وتبعات حقيقية على روسيا لانتهاكها المعايير الدولية ونقف مع المجتمع المدني الروسي...إن بوتن يحاول إقناع نفسه والأخرين أن فكرة الليبرالية قد انتهت صلاحيتها، لكنه يفعل ذلك لأنه يعلم أنها أكبر تهديد لسلطته". وينظر بايدن بقدسية نحو حلف الأطلسي منذ نشأته ويثمن دوره في مواجهة التهديد السوفيتي في القرن العشرين، وهذا يشير إلى احتمال عودة الحرب البارد بين الاتحاد الروسي وحلف الناتو، ونشوء ما يمكن أن نسميه سباق التسلح من جديد والصراع الناعم على مناطق النفوذ في أكثر من مكان في العالم بدءا من أمريكا الوسطى إلى أمريكا الجنوبية إلى الشرق الأوسط والأدنى والأقصى وبعض دول أوروبا الشرقية . وربما يشعر الروس والصينيين بالوجه الجديد لبايدن وخطره المحتمل القادم في الأفق وقد يفسر ذلك عدم الإقدام السريع على تقديم التهنئة بفوزه.

يركز الرئيس بايدن سياسته على الثالوث المقدس الذي يرفعه كل الرؤساء في العالم وهو: مكافحة الفساد وتعزيز قيم الشفافية ومناهضة الشمولية في الحكم وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني، وهي قيم نتحدث عنها كثيرا لكن، وعلى حد قول الشاعر أودن، نادرا ما نلتزم بها .

بايدن والشرق الأوسط:

يعتقد البعض أن الثالوث المقدس المتمثل في مكافحة الفساد وتعزيز قيم الشفافية ومناهضة الشمولية في الحكم وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني ستحكم سياسة الولايات المتحدة بدول الشرق الأوسط . لقد شهدت إدارة الرئيس أوباما انتشار الحراك المدني والاضطرابات السياسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط واستطاعت بسرعة أن تركب الموجة وتوجهها بسرعة كما تريد وحولتها إلى حروب بالوكالة وأفرغت المطالب الشعبية من محتواها خلال فترة لم تتجاوز الخمسة عشر يوما، وحيث أن الرئيس بايدن ينتمي إلى المدرسة التي تربى فيها الرئيس أوباما، فإننا قد نشهد ما يماثل ما حدث من اضطرابات في عهد أوباما مع التركيز على أن الشرق الأوسط ليس ضمن أولويات الرئيس الكبرى، لكن إدارة بايدن ستشجع عودة الاضطرابات إلى دول مثل لبنان والعراق وإيران كالتي حدثت في خريف عام 2019 وشتاء 2020، وقد تلجأ الإدارة الجديدة إلى تأجيج الحراك الطلابي في هونغ كونغ وكوريا وروسيا في محاولة ضغط سياسي ناعم تحت شعار " ضمان حرية التعبير ومكافحة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان " .

يركز بايدن في دراسته على ملفات شرق أوسطية هامة وأساسية هي: مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل، إيران، والعلاقة مع السعودية. ويؤكد بأن القضاء على التطرف أولوية هامة من أولويات السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة لكن بأسلوب جديد ولن يقل اهتمام إدارته عن أسلافه في محاربة الإرهاب والتطرف مع اعتماد مقاربة أكثر ذكاء من قبل حيث يقول: " يجب إعادة معظم قواتنا من أفغانستان والشرق الأوسط وإعادة تعريف مهمتنا هناك لتكون دحر القاعدة وداعش... وبإمكاننا أن نكون أقوياء وأذكياء في ذات الوقت. هناك فرق كبير بين إرسال قوات عسكرية وحشد ها بكثافة ولمدى مفتوح غير محدد بزمن معين، وبين استخدام بضع مئات من القوات الخاصة والاستخبارات لدعم شركاءنا المحليين ضد عدونا المشترك". وهذا يعني أن الرئيس بايدن لا ينوي زيادة عدد القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة لكنه سيقلصها إلى الحد الأدنى الممكن، وهو هنا يتفق مع ترامب في الإبقاء على قوات خاصة من النخبة، وشبكة مخابرات قوية تؤازر الشركاء المحليين للولايات المتحدة في محاربة التطرف.

وبشأن ملف الكيان الإسرائيلي فإن بايدن لا يختلف عن غيره من الرؤساء الأمريكيين الأخرين بغض النظر عن انتمائهم وسياساتهم وأهدافهم بل هو أكثرهم تشددا في الدفاع عن إسرائيل وحمايتها وتقويتها وتحقيق أمن إسرائيل حين يقولها صراحة: "يجب التشديد على حماية أمن إسرائيل". ويبدو أن إدارة بايدن الجديدة لن تتراجع خطوة للوراء في كل الملفات التي أنجزها سلفه ترامب فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي للأرض وتأكيد سياسات الضم والقضم والتهويد . يرفع بايدن شعار "إسرائيل أولا وقبل كل شيء" في منطقة الشرق الأوسط .

قد يعود الرئيس بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران في محاولة منه لوقف سعي إيران تقنية انتاج السلاح النووي وقد صرح سرا بأن هذا الملف ضمن أهم أولويات إدارته، وفي هذا السياق يقول الرئيس في دراسته: " وكرئيس للولايات المتحدة، سأجدد التزامنا بالحد من التسلح في عهد جديد. كان الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما-بايدن مهما لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. ومع ذلك، وبتهور شديد انسحب ترامب من الاتفاق، مما دفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي وأصبحت أكثر استفزازاً، مما زاد من خطر اندلاع حرب كارثية أخرى في المنطقة. يجب أن تعود طهران إلى الامتثال الصارم للاتفاق ". سيحاول الرئيس بايدن استئناف مفاوضات صعبة للغاية مع إيران في العام القادم حيث ستطالب الإدارة الإيرانية باعتذار واضح من الحكومة الأمريكية عن تصرفات إدارة ترامب، ورفع كامل للعقوبات الأمريكية عن إيران بما فيها العقوبات التي لها علاقة بالملف النووي، واتهام إيران بالإرهاب والفساد وحقوق الإنسان ومسائل أخرى مثل نشاطات تصدير الثورة . ستكون المهمات الملقاة على المتفاوضين كبيرة وعسيرة وطويلة بعد ما حدث من خلخلة للثقة بين الفرقاء. وستحاول الإدارة الأمريكية الجديدة التدخل في البرنامج الصاروخي الإيراني باعتباره، وفق الرؤية الأمريكية، مصدر زعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومبعث تهديد لربيبتها إسرائيل . هناك أيضا المعضلة الكأداء التي تقف في وجه أي تقدم للحوار أو التفاوض بين الجانبين الإيراني والأمريكي وهو أجواء الثقة المفقودة والضمانات التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لعدم التراجع مستقبلا عن الاتفاق النووي مع إيران حتى لو تغيرت الإدارات المتعاقبة وتناوبت في تعاملها مع إيران . إن مسألة الضمانات من المسائل المستحيلة الحل بالنسبة لمجلس شيوخ يسيطر عليه الجمهوريون حاليا . 

وفيما يخص المملكة العربية السعودية، وقد تحدث عنها بالاسم في دراسته، فإن بايدن لديه مواقف سلبية مسبقة من السعودية وخاصة في ملفين أساسيين هما: حقول الإنسان، والحرب المجنونة في اليمن، وقد انتقد بايدن بشدة ملف الاغتيال السياسي في السعودية وملف حرب اليمن، ورأى أنه آن الأوان أن توقف الولايات المتحدة دعمها للسعودية في حرب اليمن . لا يتوقع الخبراء أن تضحي الولايات المتحدة التي تدوس على كل المقدسات مقابل تحقيق مصالحها القومية بعلاقاتها التاريخية المديدة مع السعودية رغم أنها قد توجه بين الحين والآخر نقدا لاذعا في هذا الملف أو ذاك . عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والسعودية توضع المبادئ جانبا لتتكلم المصالح المادية فقط . ويبدو في الأفق القريب رعاية أمريكية لتطبيع للعلاقات بين السعودية وإسرائيل يلغي كل النوايا الأمريكية تجاه السعودية ويعمي عينيها عن ملف حقوق الإنسان وغيره من الملفات.

سياسة الرئيس جو بايدن تجاه سورية:

لقد شهدت العلاقات السورية الأمريكية الكثير من المد والجزر منذ استقلال سورية وحتى كتابة هذه السطور، فقد عمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على نسج المؤامرات على سورية منذ الأربعينات من القرن العشرين، واستخدمت مع دمشق القوة الناعمة والقوة الخشنة بأشكالها المختلفة . هناك دائما أجواء من عدم الثقة بالحكومات الأمريكية المتعاقبة وخاصة في الشأنين الفلسطيني والدولي المتعلق بسورية وعلاقاتها مع أصدقائها. وقد حاولت الإدارة الأمريكية أكثر من مرة تقويض النظام السياسي السوري أو احتوائه بدءا من حلف بغداد إلى دعم المعارضين بألوانهم المختلفة وصولا إلى الحرب بالوكالة على سورية . ولم تكلل كل محاولات التقارب بين دمشق وواشنطن بالنجاح حتى الساعة . والرئيس جو بايدن لن يخرج عن القاعدة الأمريكية تجاه سورية والسياسة المستمرة قرابة ثمانين عاما. ومن النادر أن يعلق بايدن على الأوضاع في سورية، باستثناء بعض التصريحات التي أكد فيها عزمه على إبقاء عدد قليل من عناصر الجيش الأمريكي داخل هذا البلد في حال تمكن من الفوز على منافسه دونالد ترامب وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. الآن فاز الرئيس جو بايدن في الانتخابات، وصار في مواجهة الاستحقاق السوري مرغما رغم تعقيدات هذا المشهد، وتداخلاته الدولية وكثرة اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين . لا يتوقع أن يحدث الرئيس بايدن خرقا ملفتا في المشهد السوري، ولكنه قد يطرح مبادرة التواصل مع دمشق في حال اعلان سورية اصلاحات سياسية واقتصادية مهمة، أو في حال تعاون دمشق في ملف المفقودين الأمريكيين في المنطقة، وفي كلتا الحالتين، التفاوض مع دمشق لن يكون بالأمر السهل بسبب انخراط الولايات المتحدة في حرب مباشرة ضد دمشق في أكثر من مكان وفرض عقوبات جائرة على الشعب السوري من طرف واحد، خصوصا وأن دمشق تعتبر الولايات المتحدة قوة احتلال للأرض السورية يجب مقاومتها . يحتاج الملف السوري مع واشنطن الكثير من العمل والجهد والتوافق الدولي لإحداث خرق كبير. هناك تباين واضح في الرؤى بين دمشق وواشنطن فيما يخص الملف السوري، والحرب على سورية، فالجانب الأمريكي قد يصبح أكثر فعالية مع المجتمع الدولي وقد يسعى إلى الرأي الجماعي وليس القرارات الفردية، مع الحفاظ على بعض القوات العسكرية على أرض الميدان في شمال شرقي البلاد. وستقوم إدارة بايدن في حال تشكلها "بتوضيح موقفها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنه لا يمكن أن يكون هناك دعم أميركي أو أوروبي لإعادة إعمار سورية في ظل غياب إصلاح سياسي، ولا بد أن يكون ذلك الإصلاح واضحا وموثوقا بشأن القضايا الإنسانية والمسائل الرئيسية" ستستخدم إدارة بايدن التواصل الدبلوماسي لإعادة تأكيد القيادة الأميركية، لدعم إجراءات خفض التصعيد العسكري واطلاق العملية السياسية. المشهد السوري من أكثر المشاهد السياسية والعسكرية تعقيدا في العالم، ويحتاج الكثير من العناية الفائقة لإحداث أي نوع من التقدم خاصة وأن دمشق عانت الكثير من المواقف الأمريكية المتعاقبة ولا تمتلك الحد الأدنى من الثقة بالإدارة الأمريكية .

من المبكر الحكم على بايدن وسياسته في المنطقة والعالم، خاصة وأن الانحراف المعياري متكرر في السياسة الأمريكية وخاضع للتغيرات المفاجئة هنا وهناك . الثابت الوحيد فيها هو أمن الكيان الإسرائيلي وزعزعة استقرار الدول المناهضة له تحت مسميات الواقعية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان .

 

بقلم محمد عبد الكريم يوسف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم