صحيفة المثقف

عندما تحقق التربية وحدتنا المفقودة!!!

يسري عبد الغنيمما لا شك فيه أن مجتمعاتنا العربية في تغيير مطرد، ومن مصلحتنا جميعاً أن يوجه هذا التغيير الذي يجب أن يتسم بالهدوء والعقلانية بعيداً عن الاندفاع والتهور والشعارات الزائفة، يجب أن يوجه لصالح الأمة العربية كلها، وأن يستهدف الوصول بها إلى أمة عربية متحدة متضامنة تنتظم في مصاف الأمم المتوحدة، وبأسرع وقت ممكن .

وعليه فإنه من المحتم علينا حينما نفكر في التغيير، وفي التقدم، وفي النهوض، أن نفكر في التغيير الحقيقي، والتقدم الجاد الفعلي الذي ينطلق من خصوصياتنا وثوابتنا وقيمنا .

والتربية الحديثة لها دورها ـ إذا فهم بوعي وإدراك ـ في تحقيق الوحدة العربية التي نطمح جميعاً إلى تحقيقها .

إن العالم العربي يمر بتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ولا يمكن لنا أن نعزل التربية عن هدف التغيرات بشكل أو بأخر، بل الواجب المحتم على أهل التخطيط العلمي، و أهل الحل والعقد، وأهل الرأي والفكر والثقافة الموكل إليهم مستقبل الأمة العربية أن يحسبوا للتربية حساباً مهماً في إنجاز عملية التغيير، والتقدم بشكل حقيقي، وفي إطار علمي مدروس يجمع في جلاء بين الأصالة والمعاصرة .

فالتربية عملية سياسية بقدر ما هي عملية بناء، بمعنى أن تعد المواطن الذي يكون عاملاً فاعلاً في تكوين الأمة العربية المعاصرة، كما يكون عاملاً في سبيل استقرارها وتنميتها وتطورها ورقيها .

ولذلك فلابد أن تعمل المؤسسات التربوية العربية جمعاء على غرس الوطنية الحقة في نفوس الشباب والنشء، ويكون ذلك بالعمل الفعلي قبل الكلام النظري الذي لا طائل منه، مع أهمية تأكيد الانتماء والولاء للأمة العربية، والوحدة العربية في نفوس أولادنا .

وإذا كنا نطالب باستخدام التربية كوسيلة لتحقيق التغيير الاجتماعي النابع من قيمنا ومبادئنا، فإننا في الوقت نفسه نحذر من أن تكون مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا أدوات مسلوبة الفكر والقرار، إذ أن سلبية الفكر، وعدم تشجيع التفكير المستقل والإبداع والابتكار والبحث العلمي، كل ذلك سيقتل إمكانيات التميز في الشخصيات الإنسانية، وسيصاب شبابنا من الناحية الفكرية بالجمود والعقم الفكري بدلاً من الحيوية والتجدد .

وعلى التربية أن توضح المفاهيم والمبادئ التي تقوم عليها الوحدة العربية حتى لا تختلف عن التطبيق، وحتى لا نخدع بالألفاظ البراقة والشعارات الغير مجدية، ومعنى هذا أن تصبح الدعوة إلى الوحدة العربية دعوة سليمة، ناتجة عن أن يصبح ما نؤمن به عادات سلوكية واقعية معاشة في كل أفعالنا .

إن التربية في مؤسساتنا التربوية، عليها أن تعمل جاهدة في برامجها النظرية والتطبيقية، أن تقيم فكراً متحرراً، فالعلم والتكنولوجيا هما الطريق إلى الفكر العلمي ومنهجه الذي يجب أن نغرسه في نفوس شبابنا.

فالفكر المتحرر هو الذي يعتمد على المنهج العلمي السليم، وهذا المنهج يؤمن بالتغيير والتطور متخلصاً من قيود الخرافة والجهل والإتكالية والانعزالية، والعادات القديمة البالية التي تعوق مسيرة التقدم والنهوض والتحديث .

وغني عن البيان أن إسلامنا الحنيف دعا إلى العلم والمعرفة، وحارب الجمود العقلي، وبناءاً على ذلك علينا أن نقضي على رواسب التبعية والسلبية، علينا أن نقضي على نعرة الفردية، ونعلم أولادنا كيف يعملون بروح الفريق، وكيف يتعاونون مع الآخرين من أجل واقع أفضل لهم ولأمتهم .

علينا أن نعلم أولادنا أهمية المشاركة والتفاعل مع مجتمعهم، بعيداً عن الرضاء بالواقع المعاش الذي يقول لسان حاله : ليس في الإمكان أبدع مما هو كائن!؟.

وإذا تسلح أولادنا بالوعي الكامل والإدراك السليم، تستطيع التربية أن تحدث أثرها في إحباط مساعي التمزيق التي تجتاح أمتنا، و تتغلب على التشتت الفكري والغزو الثقافي الذي يحدثه أصحاب الأطماع في أمتنا ..

وبالطبع هذا دورنا جميعاً كآباء ومربين ومرشدين ومعلمين، كما أن لجميع المؤسسات الإعلامية والتربوية والاجتماعية والثقافية، دورها الذي يجب أن تقوم به في تعليم الأجيال الصاعدة معنى الانتماء والولاء لأمتهم العربية، بعيداً عن الشعارات الخادعة .

 

بقلم: د .يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم