صحيفة المثقف

الفنانة التشكيلية يمينة الذهبي العيوني وتجربة فنية

"سيدي بوسعيد بنظرتين":

"نفس الشيء" وجماليات المكان بين انطباعية حالمة وروح فنية معاصرة..

سيدي بوسعيد  المكان الجميل المطل على المتوسط ...المرتفع المسكون بلونين..المقيم بين أبيض وأزرق.. الضارب في أعماق التواريخ من الفينيقيين مؤسسي قرطاج للمراقبة والتحصين .. واستمد الاسم في زمن آخر من اسم الولي الصالح بو سعيد بن خلف بن يحيى التميمي الباجي (1156-1230) الذي أقام بها متفرغا للتعبد والتبتل مع الزاهدين من أتباعه مثل سيدي الظريف وسيدي بو فارس وسيدي الشبعان.

2043 فن تونس

جمال الأمكنة سحر الفنانين والرسامين الذين رسموا السحر والفتنة فيها ولعل سيدي بوسعيد من هذه الأمكنة التي حازت هذا الاهتمام الجمالي لتتنوع اللوحات الفنية بحسب كل فنان وابداعه التشكيلي وابتكاره ورؤيته للمكان ولتفاصيله الضاجة بالحسن والبهاء والجمال الفائق..و هنا نذكر مثلا  زيارة الفنان  العالمي  بول كلي لسيدي بوسعيد ضمن زيارة لتونس خلدها التاريخ وكان ذلك سنة 1914 حيث الافتتان بالنور المخصوص لاكتشاف الشمس التونسية الأخاذة وارفة الظلال...الفنانة التشكيلية يمينة الذهبي العيوني خاضت التجربة في سياق عملها الفني المتواصل حيث أنجزت مؤخرا لوحتين فنيتين عن سيدي بوسعيد ضمن اشتغال تجريبي في شكلين وتصورين مختلفين  من ذلك الزرقة الطاغية في اللوحة الأولى وبياض القبة والنخلة وحركة المراكب في البحركل ذلك في تناسق جمالي عرفت به الصورة المعهودة لسيدي بوسعيد بينما في اللوحة الثانية تبرز الأشكال الهندسية في المعمار بين القبة وما جاورها من المشهد ليتغير لون النخلة ويطغى اللون الوردي وتبرز الحلازنعلى الرمال الصفراء في حالة من سوريالية تنحو منحى التعاطي الفني مع الفن المعاصر..هي نظرة مختلفة وبارزة بغرائبيتها ولكنها تشكل ملامح المكان البوسعيدي في جمال متخيل بايهاب معاصر.. ولتقول عن هذه التجربة "...أسعى في فني الى انجاز لوحات وأعمال فنية تشبه ذاتي وأن بنسبة 80 بالمائة ..و في لوحتي سيدي بوسعيد عبرت عن " نفس الشيء " وهو العنوان الذي اخترته لهما وأعني سيدي بوسعيد المكان الجميل نفسه ولكن بفكرتين مختلفتين ..أي عبرت بالرسم والتلوين عن تصورين جماليين مختلفين لنفس الشيء..نفس المكان وهي لعبة ومغامرة  تجريبية في النظر المختلف لذات الشيء حيث الفن يمنحنا هذه الامكانيات وغيرها من البحث والنظر المختلف حتى لأنفسنا..رسمت سيدي بوسعيد بروح جمالية وهي التي انطبعت بذاتي ولدى الكثيرين الذين يرونه في بهاء الزرقة والبياض.. بين زرقة بحر وسماء وأبواب ونوافذ  ووبياض الجدران والقباب و حيث النخلة في ألفة جمالية مع شموخ وجمال القبة  في اطار من الهيبة والسكينة ..و اللوحة الثانية التي تعبر عن تفاعل الحاضر بتجديده ضمن روح  تبرز الأشكال والألوان بايقاع هندسي وتناغم مع الفن المعاصر..انها بالنهاية فكرة الفن الشاملة المتنوعة في أشكالها وتصوراتها وايقاعاتها وألوانها..نعم انه السؤال ..كيف ننظر للشيء في زمنين وفي تصورين...". سيدي بو سعيد هذا الفيض الوجداني وهذا ما عملت عليه الرسامة العيوني حيث سعت لعلاقة تشكيلية خاصة مختلفة عن غيرها تجاه المكان وأثره على القماشة في خلال نظرتين لنفس الشيء..المكان..ما يمكن الناظر والمتقبل للوحتين من متعة  جمة وهو يتوغل في العملين الفنييين المنجزين ضمن عنوان واحد هو سيدي بوسعيد الذي اشتغل عليه العديد من الفنانين التونسيين والعرب والأجانب ولكن الفنانة يمينة العيوني سعت بطريقتها للتعاطي فنيا مع المكان المذكور وفق اجتهاد مغايرحالم رومنسي ومعاصر...الفنانة يمينة تعرض العملين بعنوان " نفس الشيء " خلال انتظام المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين بمتحف قصر خير الدين ..و ذلك قبل معرضها الشخصي بفضاء المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون خلال الربيع المقبل ويضم عددا من لوحاتها الفنية بين 10 و15 لوحة تشكيلية (90 بالمائة منها لوحات جديدة )..

هكذا تواصل الفنانة العيوني تجربتها التي تسعى من خلالها للتعبير عن احاسيسها الداخلية وما يخالجها من هواجس ونظرات ومشاعر تجاه المشاهد والأمكنة وغيرها من مواضيع لوحاتها...نعم للأمكنة في حياة الفنانين مجال شاسع لكونها الفضاء الذي يمنح الذات الحالمة والساعية للابتكار والابداع مناسبات جمالية فنية تحوي الذاكرة والبراءة الأولى والحنين فضلا عن حيويتها وما يحتشد داخلها من عناصر وتفاصيل وأشياء باعثة على الحركة والتغيير قتلا للسكون ولاجل الابداع والتجدد.

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم