صحيفة المثقف

انقذوا تراثنا يا ساده!

يسري عبد الغنيمن خلال إحياء التراث العربي والإسلامي، قامت حركة تجديد على صعيد النهضة السياسية والأدبية والفكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية، لذلك تتابع الرواد ليزاحموا خطوات على مبارك في ذلك، ومن ثم كثر المحققون والمترجمون بعد التحقيق من العربية إلى اللغات الأخرى، واشتعل التنافس بين المحققين العرب والمستشرقين في الغرب في العصر الحديث.

بعد أن ذهب الرواد انصرف المعاصرون عن التحقيق في التراث، فالجامعات المختلفة انصرفت في دراساتها العليا عن تحقيق التراث بحجة أنه لا أهمية له وهذا خطأ فادح وقع فيه معظم الباحثين ممن انبهروا بالحداثة الغربية

كما أسهم ضعف مستوى الباحثين وميلهم الدائم إلى الاستسهال في إضعاف حركة تحقيق التراث لتوهمهم أن تحقيق التراث لا يجيدونه وهو وهم باطل، لأنهم لو قرأوا مبادئه وأسسه على يد شيوخهم لوضعوا لبنة جديدة على اللبنات التي شيدها الرواد في التحقيق

وقد طالبنا مرات ومرات بضرورة أن تهتم كل الدول العربية والإسلامية بشحذ الهمم بالتشجيع أو الجوائز التقديرية وغيرها لمن يعملون في تحقيق التراث، خاصة ونحن نحارب بالغزو الفكري بشتى ألوانه لقطع الاتصال بين ثقافتنا المعاصرة وبين أصالتنا في التراث العربي الإسلامي.

وفي رؤية استاذنا د. حسين نصار أن للتراث وظيفة أساسية في تجلية الهوية الحضارية للأمة، وتأكيد ذاتها، وحماية هذه الذات من الذوبان والانكسار، باعتبار أن التراث يستوعب مجموعة الرؤى والأفكار والخبرات والابتكارات، مما أنتجته الأمة في طول تجاربها الحياتية الشاقة، في حالات الانتصار والهزيمة، وفي حالات الازدهار والركود، وفي حالات التقدم والانحطاط، ولذا فهو يجسد الذاكرة التاريخية للأمة، ويمثل الزمن المتحرك المحيط بكل فعاليات الأمة ومكتسباتها.

إن تحقيق التراث تأثر برحيل عدد من المحققين الذين وهبوا حياتهم كلها للتحقيق، ومنهم محمد أبو الفضل إبراهيم الذي حقق وأخرج نحو مائة كتاب، وعبد السلام هارون الذي أخرج عددا ليس أقل من هذا، وكذلك السيد صقر الذي ربما كان أقل في العدد لكنه مماثل في الجودة،

أما الأجيال الجديدة فإنها لم تتجه إلى التحقيق، لأنها عملية متعبة وثمرتها لا تظهر بسهولة، ولولا إنشاء مركز تحقيق التراث في دار الكتب المصرية لما كان ممكناً إيجاد سوى قلة من الباحثين يعطون بعض وقتهم وليس كل الوقت لهذه العملية، ولذلك نجد أن ما يصدر من كتب التحقيق أقل مما كان يصدر في الجيل السابق.

وكم من مرة أوصينا بضرورة إزالة العوامل التي تؤدي إلى الانصراف عن التحقيق، وهنا نستنكر ما تقوم به بعض الجامعات من عدم قبولها أن تؤدي الرسائل الجامعية سواء كانت ماجستير أو دكتوراه في مجال التحقيق، وهذا قاتل لعملية التحقيق.

حماية التراث تعني حماية ذاكرة الأمة من طغيان عوامل النسيان عليها، مما يترتب عليه قطع الصلة تماماً بين حاضرها وماضيها، ذلك الماضي الذي حفل بنتاج عقول مفكري العرب والمسلمين في مجالات العلوم والفنون والآداب، والذي كان ركيزة لما أصبح عليه الآخرون في الغرب والشرق من مظاهر الحضارة والتقدم،

ونشير إلى أن المحقق الجيد يصعب وجوده الآن نتيجة ضعف المنتج العام وانتفاء وجود الطبقة الثرية، التي تنفق عليه وانقطاع الصلة الاقتصادية والعائد المرجو منه، وحتى نستطيع إحياءه لابد من الاتجاه إلى الرأسماليين للصرف على المخطوطات وأجهزة للاطلاع عليها.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم