صحيفة المثقف

رواية البؤساء والعدل الاجتماعي

يسري عبد الغنيان رواية البؤساء لفيكتور هوجو رواية من أعظم روايات القرن التاسع عشر. انهاتصف وتنتقد الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832 . انه يكتب في مقدمته للكتاب :” تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفا اجتماعيا هو نوع من جحيم بشري . فطالما توجد لامبالاة وفقر على الأرض ”

تعبير “البؤساء” تعبير فرنسي لا يمكن ترجمته بالضبط إلى الانجليزية. فبالفرنسية له معنيان. انه يعني:” ناس يعيشون في بؤس”; وهو يعني أيضا:” ناس يعيشون خارج المجتمع وفي فقر مدقع”. ان اهتمام هوجو بالعدالة الاجتماعية واهتمامه بهؤلاء البؤساء واضح. لكن لم تكن رغبة هوجو في تحسين الظروف للمواطنين العاديين في فرنسا التي جعلت هذه الرواية رواية عظيمة. ان البؤساء رواية عظيمة لأن هوجو كان رومانسيا في قلبه, والكتاب مليء بلحظات من الشعر العظيم والجمال. ان فيه عمق الرؤية وحقيقة داخلية جعلت منه عملا كلاسيكيا لا يحدده وقت, أحد الأعمال العظمية في الأدب الغربي حتى اليوم بعد 150 سنة من كتابته, يظل كتاب البؤساء قصة قوية.

إن اﻟترجمة هي عملية تفسير معاني نص مكتوب (اللغة المصدر) بما يعدلها من اللغة المترجم إليها (اللغة الهدف). فهي نقل لحضارة وثقافة وعلم وفكر وأسلوب ولغة. والترجمة بشكل بحت ليست مجرد نقل كل كلمة بما يقابلها في اللغة الأخرى ولكن نقل لقواعد اللغة التي توصل المعلومة ونقل للمعلومة ذاتها ونقل لفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه أيضا.واعتمادا على ذلك لابد من وجود عناصر أساسية يجب اتباعها للقيام بعملية ترجمة صحيحة...

يقول مصطفى صادق الرافعي معلقا على ترجمة الشاعر الكبير حافظ ابراهيم للرواية الشهيرة : البؤساء : '...غير أنك في البؤساء ترى مع الترجمة صنعة غير الترجمة، وكأنما ألف هيجو هذا الكتاب مرة وألفه حافظ مرتين، إذن ينقل عن الفرنسية ثم يفتن في التعبير عما ينقل، ثم يحكم الصنعة فيما يفتن، ثم يبالغ فيما يحكم؛ فأنت من كتابه في لغة الترجمة، ثم في بيان اللغة؛ وبهذا خرج الكتاب وإن مترجمه لأحق به في العربية، وجاء وما يستطيع أحد أن ينسى أنه لحافظ دون سواه.'

هذا رأي الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي في ترجمة الشاعر حافظ ابراهيم لكتاب البؤساء ولا مزيد يمكن أن يضاف لبيان جودة ترجمة الكتاب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربيةو هو أمر لا يشعر به إلا من قرأ الكتاب باللغتين. فإن هيجو من أعظم كتاب فرنسا على الإطلاق وروايته البؤساء تعتلي عرش الأدب الفرنسي بامتياز.

كتاب البؤساء يمكن أن يصنف ضمن كتب الإجتماع والتاريخ بالإضافة إلى الروعة الأدبية البالغة فيه، وهو كتاب موعظة بليغة أيضا.

الشخصيات في الكتاب متعددة وتتقاسم البطولة بشكل متسلسل أو مفاجئ حسب الأحداث. بدءا من شخصية جون فالجان السجين الذي حاول الفرار من السجن مرات عديدة دون جدوى ثم التغيرات المفاجئة التي حصلت له ولقاءه المؤثر باشهر شخصية في الأدب الفرنسي الفتاة المسكينة كوزيت والدور الذي لعبه في حياتها …

أما تصوير الكاتب للصراعات النفسية العميقة في شخصية جون فلجان فهي أمتع ما في الكتاب.

يسوق الكاتب بعض الأحداث التاريخية التي عاصرت مدة القصة بشكل مفصل كأنها هي موضوع الكتاب، حتى أنه يصف أحداث وقعة واترلو الشهيرة بكثير من التفاصيل المدهشة.

يتحدث الكاتب أيضا وبشكل تحليلي شيق عن الأمراض الإجتماعية مثل الفقر والجهل والتهميش التي كانت منتشرة بشكل كبير في المجتمع الفرنسي وفي مثل هذه الفقرات لا تكاد تشعر أنك تقرأ رواية أدبية بل بحثا فلسفيا عميقا وجريئا في أكثر الأحيان.تجد في الكتاب أيضا كثيرا من الحلول المدهشة لبعض أخطر المشاكل المعاصرة والمقدمة بشيء من الجرأة والتجرد، وهي حلول تصلح لجميع المجتمعات التي ترغب في النهضة.

إن رواية البؤساء من أفضل الأدلة على أن الترجمة هي أداة التواصل والسلام في العالم. اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم