صحيفة المثقف

يوميات الخيبة (2)

ياسين الخراسانياليوم الأول

ضَوْءُ المدينةِ خافتٌ

يَجْرونَ قربَ النّهرِ

هل يَتَسلَّل النومُ البعيدُ إلى الجُفونِ

إذا أضاعوهُ بِرَكْضِهِم وحَثِّ الخَطْوِ،

كيفَ الخوفُ من ليلِ السُّهادِ يَلوذُ بي

لا يَقْرَبُ العَدَّاءَ قرب بُحيرةِ الضوءِ الضئيل …

أَرْمي لِكلِّ البطِّ قَمْحا أو فُتاتَ الخُبزِ

يَتْبعُني

ويَتبعُني السُّهادُ إلى مَنامٍ

في مدينةِ من يَهابُ البُطْءَ

أو مَشْيَ البَجَع

**

اليوم الثاني

أفقٌ بِلونِ الحُزنِ

لا يَتَفَرَّقُ الغيْمُ الرمادِيُّ الصِّفاتِ

أنا هنا في قَرْيةٍ

لا أعرفُ الوَشْمَ المُشيرَ على ذِراعِ الجارِ،

قدْ جابَ البِحارَ تُحيطُ بالأرضِ العَجيبةِ،

في أَقاصِي الأرْض …

يُبادِلني السلامَ

أرى كَدَمْعَتِهِ على العيْنِ الحَزينةِ

هل هُو السُّمُّ الذي يَطْفو كَمِلْحٍ راشِحٍ بالقلْبِ ؟

هل هو دَاؤُهُ يَجْرِي عميقا في العُروقِ

يَحِنُّ للبَرِّ الغريب ؟

**

اليوم الثالث

أيُّ الكِتابةِ يَرْتضِي الحُزنُ القديمُ

لَيَحْمِل الرِّزْحَ الثقيلَ ويَخْتَفِي وقْتًا لِشَحْنِ النّفْسِ ؟

أيُّ الحرْفِ أَرْميهِ كَقُربانٍ لهذا الوغْدِ

يَنْهَشٌ في حنايا القلْبِ

أيُّ الذكرياتِ تَبَرَّجَتْ كَعَروسِهِ

كيفَ السبيلُ إلى زمانٍ ليس لي فيه دَمٌ

حَرْفي نَقِيُّ سالمٌ

في نَفْسِهِ سَعَةٌ

وفي غَدِهِ اشْتِهاء

**

اليوم الرابع

صوتُ الحياةِ يَدِبُّ في ورقٍ

وتجْري في الفضاء

وُعولُ خَوفي من تَسَلُّقِ هَضْبةٍ

تُلْقِي على جُرْفِ التَذَكُّرِ عَثْرةً لا تَهْتَدِي

في هذهِ اللّحضاتِ أَعْرفُ أنُّ دِرْعي هَيِّنٌ

لا يَدْفعُ الريحَ الخَفيفَةَ

كيفَ يحْمِي من طُعونِ الوغْدِ

تَعْرِفُه كثيرا

سُمُّهُ من مِلْحِ ذاك البحْرِ

قُرْب البلْدَةِ الصَّحراءِ

قُرب مُحيط أَطْلَسِكَ الحَقودِ:

أَضَعْتَني كالثّورِ باللَّونِ البياضِ

أضعتَني إذ حَطَّ رَحْلُك فوق فُلْكِ الأوليسِ،

هل مرَّت سِنينُك عَدُّها عَشْرٌ

تَعودُ إِلَيَّ بالخيْباتِ قُرباني ؟

وهل جَفَّتْ دواةٌ مِن رَذَاذِي ؟

**

اليوم الخامس

لِلَحْظَةٍ

أَوشكتُ على الفَرَح

وفَتَّشَت عَنِّي ألفُ أُغْنِية

وتَعَطَّلَتْ أدواتُ الحَفْرِ في كُل مكان

تَوقَّفَ المطرُ الثقيلُ الذي يُؤْذي حُبَيْباتِ الرمل

وحَلَمَت الصَّبايا بِقمرٍ كامِل

تَهَدَّلتِ المشانقُ من ضَرَباتِ النّسِيم

وتَوَرَّدَتْ لِتُشْبِه الشّراشِفَ على أَسِرَّةِ الحُب

واستْ صناديقُ البريدِ رَسَائِل العُنوانِ القَدِيم

وكَنَّسَتْ عنْها الغُبارَ وغُصَّةَ الكَلام

لِلَحْظَةٍ …

أَوْشَكْتُ أن أَكْتُبَ

عن لَحْظَةِ الفَرَح

***

ياسين الخراساني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم