صحيفة المثقف

الرواية البوليسية.. بين العنف والغموض

سليمان ـ عميراتأكثر الروايات رواجا وقراءة وأكثرها تحولا إلى سيناريو ثم فيلم سينمائي ناجح، هي تلك الروايات الأكثر عنفا ورعبا، التي بدأت إلى الظهور والتطور منذ عشرينيات القرن الماضي.

1- من الرواية إلى الفيلم

أطلق الأكاديميون على هذا النوع من العمل عند دراسته بأدب الجريمة، فإذا كان قانون العقوبات وإجراءاته وعلم الإجرام ينكب على  المجرم لتسليط العقاب المناسب عليه لتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاولة إصلاحه للحد من الجريمة فإن أدب الجريمة ومع أنه يتناول حكايات سردية حول مرتكب الجريمة (المجرم) والضحية والمحقق أو المفتش والواقعة ومكان الجريمة الذي يكون عادة محور الرواية والحامل للأدلة التي يستعملها الكاتب بذكاء وحيلة كبيرين، حيث يستند إلى علم الإجرام في كواليسه ليصف تصرفات الجاني بدقة وحرفية ورد فعله عند بحث المحقق، فيغطي المشهد بالغموض الذي يحمله هذا الأدب، والذي تدور أحداثه حول المجرم (المجهول في البداية) الذي غالبا ما يكون رجلا شريرا والضحية امرأة من معارفه أو رجل محترم، وقد ظهر نهج جريمة المخدرات ومروجيها لتحيل القارئ إلى عالم مظلم وبائس، يكون فيه المجرم محطما نفسيا ومظلوما اجتماعيا من حيث الشغل والسكن والسيولة المالية، فيتجه إلى ارتكاب جريمة قتل بشعة ووحشية في بعض الحالات، فيصور الكاتب المجرم شريرا وعدوا للمجتمع بارتكابه جرائم مرعبة ضد أبرياء.

2- شخصية المحقق

يحاول الأدب البوليسي التركيز على المحقق كشخصية أساسية ترتكز عليها الرواية، كونه الشخص الوحيد الذي يلج كل الأماكن العادية والممنوعة ويقود القارئ والجمهور إلى الفضول لمعرفة عمل المحقق بتفاصيله ودقته في التفتيش، كونه الشخصية الأكثر إثارة وتشويقا في الرواية، فيتناول حينا مشاهد قسوة وعنف يحرك بها مشاعر القارئ وحينا يتوغل في غموض التحقيق فيشد انتباه الجمهور إلى متابعة قراءة الرواية بشغف أو  مشاهدة العمل السينمائي بإعجاب للوصول إلى تفاصيل القضية واكتشافها مع الكاتب بكثير من المتعة والذهول عند الصدمة لتقاطع الأحداث وتضادها، حيث يتنقل بذهنه مع المحقق في البحث والاستقصاء الذي يجذبه لمعرفة الجاني مع المحقق في نفس الوقت.

3- عبقرية الروائي

يصنع الكاتب مشاهد الجريمة التي ترتكب غالبا بعد غروب الشمس، ويختار بدقة الشخصيات المحورية وأداة الجريمة والأدلة المجرمة والدلائل. يسيطر أدب الجريمة على باقي الآداب المكتوبة والمصورة، إذ يعتمد الكاتب على العالم الواقعي لبناء روايته، فتراه ملاصقا للمحققين الذي يجعل منهم البطل، ولكنهم يعانون من وضعهم الوظيفي السيئ ويجعل المجرمون يعانون أكثر منهم ويخسرون كل شيء في النهاية، لهذا يتناول الأديب حكاية الجريمة بذكاء فائق ومهارة في طريقة السرد، ونرى بين الكاتب والمحقق تشابه كبير في الأدوار، إذ يكون الكاتب أبرع منه وعلى دراية تامة بملابسات الجرائم والأدلة والقرائن، ويصل إلى نفس النتيجة مع المحقق مع أنه خطط لكل شيء قبل البدء في كتابة القصة.

4- اشهر الروايات

وقد اشتهر كتاب الأدب البوليسي كما اشتهر أدباء الرومانسية والقصص الاجتماعية والروايات التاريخية، وأكثرهم من إنجلترا وأمريكا، ومنهم روايات ناجحة صنفت من بين المائة رواية ناجحة فنقرأ، "ابنة الزمن" للروائية جوزفين تي و"الجريمة النائمة" و"مقتل روجر أكرويد" أجاثا كريستي والجاسوس الذي جاء من البرد" و"شارلوك هولمز"، والسبات العميق"ريمون تاندلر و"شفرة دا فينتشي" دان براون، وقد اشتهرت الأفلام البوليسية عن المحققين مثل شارلوك هولمز وكولومبو وأفلام ألفريد هيتشكوك الأكثر غموضا، وصولا إلى الأفلام الكرتونية "المحقق كونان" و"تان تان" و "سكوبي دو"، فجذبوا انتباه الجماهير العريضة التي تقرأ وتشاهد نفس العمل لمرات دون ملل، رغم اتصافها بالعنف.

 

الكاتب سليمان عميرات

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم