صحيفة المثقف

الامام علي واضع علم القضاء

يقصد بالعلم النظام الذي يقوم فقط على المشاهدة وتقرير الواقع، أي التجربة. أما الفن فإنه يترجم ما استوحاه الإنسان من المثالية أو التطلع نحو المثالية. فالملاحظة العلمية المجردة ليست التقرير البسيط لواقعة، فهي تعمل بالضرورة بمقارنتها بغيرها من الوقائع التي يجب اختيارها، وينتهي الأمر إلى كشف قوانين يجب تحديدها. والقضاء يتمثل بتكييف الوقائع المعروضة في الدعوى والطلبات الواردة فيها وصيغ الشكاوى التي تضمنتها والانتهاء منها بتكييف او توصيف لموضوع الدعوى بغية الوصول الى الفصل السليم لموضوع النزاع بحكم قضائي. ومن الثابت انه كلما كان القاضي دقيق الملاحظة، سريع البديهة، عميق التفكير، واسع العلم، دقيق الملاحظة، حسن الاصغاء، سريع البديهة، قوي الذاكرة، قليل التردد، قوي الشخصية، كان فنانا" في طريقة الوصول الى الحكم العادل، لذلك قيل القضاء فن . ولكن كيف نصل الى من يتمتع بمثل هذه الشخصية، وكيف يجب عليه ان يتصرف وكيف يكون مجلس القضاء وكيفية دراسة الوقائع هنا يأتي دور (علم القضاء). فعلم القضاء هو الآلية لفهم الوقائع في الدعوى والتكييف القانوني للدعاوى المختلفة بما فيها الدعاوى العمومية وآلية ومفردات هذا التكييف والمحاكم التي تمارس فيها هذا العلم وصورها ودرجاتها والجهة والأشخاص الذين يمارسون هذا القضاء وكيفية تولي ذلك وواجباتهم عند ممارسة القضاء وحقوقهم وماهية السلطة القضائية ومفرداتها وطريقة ممارستها وأداتها والقوانين المنظمة للعمل القضائي .

لو رجعنا الى التاريخ لوجدنا ان القوة كانت محور العلاقات بين أفراد الجماعات البدائية، وسادت عندئذ قاعدة: القوة تنشئ الحق وتحميه، فكل اعتداء على ما يعتبره الشخص حقاً له، يعتبر إهانة لا يغسلها سوى القوة، فإذا ادعى شخص حقاً قبل الغير استوفاه بنفسه. ومع ارتقاء البشرية، بدأت الوظيفة القضائية تظهر في صلب المجتمع الإنساني، حيث أصبحت من اختصاص شيخ القبيلة، قبل ظهور نظام الدولة، ومن اختصاص الملك بعد ظهور نظام الدولة في العصور القديمة، فيلاحظ أن شعوب الرافدين القديمة، قد نظرت إلى العدالة أصلاً، على أنها إحدى الوظائف الإلهية، فالإله كان في نظرهم القاضي الأعظم، وهو يفوض إلى الملوك القيام بهذه المهمة على الأرض، كما يلاحظ أن أول تميُّز في التاريخ للوظيفة القضائية، من باقي وظائف الحكم والإدارة، إنما كان في عهد الامبراطورية السفلى .

ونظراً لأهمية هذا الأمر، فقد جاءت جميع التشريعات السماوية بالأحكام التي تبين حقوق الناس وواجباتهم، وتبين الحدود التي ينبغي على كل أحد ان يلتزمها عند قيامه باستخدام حقه، فلا يعتدي على حقوق غيره بذلك، كما جاءت لتبين الزواجر والروادع التي تعمل على منع الاعتداء على حقوق الآخرين، وذلك ببيان العقوبات المفروضة على هذه الاعتداءات.

وقد قام الأنبياء أنفسهم بالفصل بين الناس، وتولي مَهمة القضاء بين أقوامهم، وفي هذا يقول الله تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[([7])، ثم خاطب نبينا محمداً r بقوله: ]وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ).

كل تلك الجهود كانت تنصب على وضع القواعد التي يحكم القاضي على اساسها بين اطراف الدعوى سواء كانت الدعوى مدنية او جنائية فالتشريعات كانت تنصب على وضع الحقوق والواجبات وتحدد الجرائم والعقوبات المناسبة لها وفقا لمعايير الزمان الذي تصدر فيه تلك التشريعات . وكان القضاء يعتمد على فطنة وذكاء القاضي اثناء النظر في الدعوى حتى جاء الامام علي ابن ابي طالب صلى الله عليه وسلم فحول القضاء من فن يعتمدعلى فطنة القاضي الى علم له قواعد اساسية تصلح لكل زمان ولكل مكان . فقد وضع اساسيات عملية اختيار القاضي والمواصفات التي يجب ان يتحلى بها من يتم اختياره لمهمة القضاء وكذلك وضع الاسس التي يجب ان يعمل عليها القضاء من حيث ادارة الجلسة والاستماع الى الشهود ودراسة البينات ووضع اساس ما يسمى استقلال الفضاء وعدم جواز تدخل السلطة التنفيذية او التشريعية في اعمال القضاء، كما وضع اساس ما يسمى بلغة اليوم سلطة الاشراف القضائي . والملاحظ ان تلك القواعد والاسس تصلح لكل زمان ولكل مجتمع بغض النظر عن اختلاف العادات والتقاليد .

اهتم الإمام علي بن ابي طالب صلى الله عليه وسلم بوضع نظام دقيـق للقضاء وشرح المبـادئ والاصول التي يقوم عليها ذلك النظام . فقد جعل الامام القضاء سلطة منفصلة ويعد أول مــن أنشـأ ولايـة المظـالم ليتم عرض عليه الشكاوى من القضاة وتصحيح اخطاء القضاة . وفي الكتاب الذي أرسله الإمام علي الى عامله مالـك بن الحارث الأشتر النخعي قال له "انظـر في القضاء بين الناس نظر عارف بمنزلة الحكم عنـد لله فان الحكـم ميـزان قسط الله الـذي وضع في الأرض لأنصاف المظلـوم من الظالم، والأخذ للضعيـف من القوي، واقامة حدود على سـنتها ومنهاجهـا التي لا يصلح العباد والبلاد الأعليهــا ". وقد جعل الامام مسؤولية القاضي الشرعية أمام الله تبارك وتعالى، كما يتبين من قوله "يا شريح قد جلست مجلسا لايجلسه الا نبى او وصى او شقى " كذلك روي عن الأمام أنّه قال "القضاة أربعة: ثلاثة منهم في النار وواحدٌ في الجنّة " فسُئِلَ  عليه السلام عن صفاتهم لتقع المعرفة بهم والتمييز بينهم، فقال " قاضٍ قضى بالباطل وهو يعلم أنّه باطل فهو في النار، وقاضٍ قضى بالباطل وهو لا يعلم أنّه باطل فهو أيضاً في النار وقاضٍ قضى بالحقّ وهو لا يعلم أنّه حقّ فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحقّ وهو يعلم أنّه حقّ فهو في الجنة". كما كان الامام عليه الصلاة والسلام يستغل مجلس المظالم لتوحيد الاحكام بين القضاة وقد كان الإمام يجمع القضاة والفقهاء بين حين وآخر ليوحد الأسس التي يقوم عليها الأحكام في كافة أرجاء دولته، ويجعل كلا من القضاة على علم واسع بما إليه الأجتهاد وكان(عليه السلام) يقول "ترد على احدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي أستقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً" .

وفي عملية اختيار الاشخاص المؤهلين لتولي القضاء وضع الامام علي صلى الله عليه وسلم الشروط التي يجب ان تتوفر في الشخص الذي يتم اختياره لهذه المهمة في كتابه الى مالك الاشتر عامله على مصر والذي ورد فيه " ثم اختر للحُكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك. ممن لا تضيق به الأمور. ولا تُمحكَه الخصوم. ولا يتمادى في الزلة. ولا يحصَرُ من الفيء إلى الحق إذا عَرَفَهُ. ولا تُشرِفُ نفسه على طمع. ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه. وأوقفهم في الشبهات وآخذهُم بالحجج.وأقلهُم تبرُّماً بمراجعة الخصم. وأصبرهم على تكشُّف الأمور. وأصرمهم عند اتضاح الحُكم".

في هذا النص أحد عشر شرطاً يجب ان تتوفر في الشخص ليتم اختياره لتولي القضاء فهو لايخشى الخصوم ولا يتمسك برايه ان تبين له الحق، ولا يصر على رأيه نتيجة المخاصمة، كما وانه لا يصر على الخطأ إذا اكتشفه. بل هو على استعداد تام للاعتراف بالخطأ عند وقوعه والعدول عنه. كما وانه لا يضعف أمام إغراءات المال أو المنصب.وحرصه على عمله وإخلاصه له يدفعهُ دائماً إلى تقصي أبعاد القضايا وجزيئاتها وفي الشبهات عندما لا يكون هناك لا نص ولا قانون ولاشيء من هذا القبيل، تراه متأنياً مدققاً. ولا ينسى الامام صلى الله عليه وسلم ان يؤكد على عامله الاشتر ان يكون دقيقا في الاختيار فيوصيه "فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يُعمل فيه بالهوى ويُطلب به الدُنيا" .

اما بالنسبة للقاضي نفسه فقد وجه الامام علي صلى الله عليه وسلم وصاياه للقاضي في كيفية التعامل مع الدعاوى فكانت اول وصاياه ان على القاضي العمل على زيادة كفائته العلميه بقوله "فلا تقولوا بما لا تعرفون" اي ان على القاضي عدم اطلاق احكام بدون علم، وقد جاء فى وصيه الامام على صلى الله عليه وسلم الى ابنه الحسن " ان ابدا بالاستعانه بالهك وترك كل شائبه اولجتك فى شبهه". كما اكد الامام على انه "ليس من العدل القضاء على الثقه بالظن" . وقد اشار الامام في كتابه الى الاشتر الى وجوب ان يكون القاضى " اصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء" . والامام يعلم القاضي بان المرء "مخبوء تحت لسانه" . نذكر ما جاء من وصيه الامام  لشريح القاضي علمه فيها آداب القضاء، اذ جاء فيها (انظر الى اهل المعك والمطل ودفع حقوق الناس من اهل المقدره واليسار، فمن يدلى باموال الناس الى الحكام فخذ للناس بحقوقهم منهم وبع فيها العقار والديار، فانى سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول: مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم، ومن لم يكن له عقار ولا دار ولا مال فلا سبيل عليه.واعلم انه لا يحمل الناس على الحق الا من ورعهم عن الباطل " . ومن مستلزمات القاضى فى المرافعه ان يكون قوى الشخصيه يعرف كيف يدير الدعوى ويضبط المرافعه من دون ازعاج اوانزعاج، فالقضاء لا يلائمه الغضب، وجاء فى وصيه الامام لشريح: "لا تشاور احدا فى مجلسك وان غضبت فقم ولا تقض وانت غضبان" . وقد خطب الامام على ذات يوم فقال " ان اللّه حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تكلفوها رحمه من اللّه بكم فاقبلوها". ثم اضاف "حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له.. والمعاصى حمى اللّه فمن يرتع حولهن يوشك ان يدخلها" كما امر الامام قضاته "جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم" .

اما من الناحية الاخلاقية فالقاضي يجب ان يلتزم بقول الامام صلى الله عليه وسلم في وصيته الى ابنه الحسن عليه السلام " يا بنى اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك.. ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم" . وقد ورد في كتاب الامام على صلى الله عليه وسلم الى عثمان بن حنيف عامله على البصره، مايلي "ياابن حنيف، بلغنى ان رجلا من فتيه اهل البصره دعاك الى مادبه فاسرعت اليها... وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو فانظر الى ما تقضمه من هذا المقضم" . وقد اكد الامام على، فى معرض كتابه الى مالك الاشتر، على ان الحاكم يجب " ان يبذل له من العطاء ما تقل معه حاجته الى الناس" . كذلك يعلم الامام القضاة بانه "بكثره الصمت تكون الهيبه.. وبالتواضع تعم النعم.. وبالسيره العادله يقهر المناوى ء، وبالحلم عن السفيه تكثر الانصار عليه" كى لا "تبكى منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحل بقضائه الفرج الحرام". وفي نصيحة الامام علي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب يوم كان خليفة على المسلمين قائلاً له "ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهنَ ’ وإن تركتهن لم ينفعك شيء: إقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود" .

بعد حسن الاختيار للقاضي ياتي دور توفير الرعاية المناسبة لمقام القاضي لتحصينه ضد الفساد المالي والاداري عن طريق الرعاية المادية والمعنوية للقاضي بتأمين جميع متطلباته حتى لا يخضع للإغراءات، فيوصي الامام علي صلى الله عليه وسلم عامله بمنح القاضي الرعاية الكاملة، " وأفسح له في البذل ما يُزل علته وتقل معهُ حاجته إلى الناس" . كذلك يوصي الامام باعطاء القاضي مكانة تجعله محصنا من الوقوع تحت تاثير غيره من رجال الدولة واجهزتها بقوله "وأعطِه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال عندك".

ومن ناحية ادارة الجلسات للتقاضي كان الامام صلى الله عليه وسلم اول من طبق مبدأ علانية الجلسات، حيث اتخذ ولاول مره فى تاريخ القضاء العربى الاسلامى، دكه لمجلس قضائه عرفت باسم (دكه القضاء) فى مسجد الكوفه تحقيقا لتلك العلنيه عبر ذلك المكان المرتفع، بحيث يمكن مشاهدته من قبل من كان حاضرا فى المسجد . كما انه كتب الى قاضيه شريح عندما علم بانه يقضي بين الناس في بيته " ياشريح، أجلس في المسجد فانه أعدل بـيـن الناس، وانه وهن بالقاضي ان يجلس في بيته" .ولكن تلك العلانية لم تكن مطلقة ففي بعض القضايا التي تتطلب السرية كان الامام يلجاء الى الاختلاء بالشهود لسؤالهم بعيدا عن اطراف الدعوى بحسب طبيعة المعلومات ومدى حساسياتها وتأثيرها على سير العدالة وهو ما تاخذ به المحاكم في كل انحاء العالم اليوم .

كما اكد الامام صلى الله عليه وسلم على اهمية المساواة بين الخصوم في مجلس القضاء لذلك كانت وصية الامام لقضاته المساواة بين الخصمين حتى لو كان أحدهما شريفاً والآخر وضيعاً. كتب إلى قاضيه شريح " ثم آس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لايطمع قريبك فى حيفك ولا يياس عدوك من عدلك.ورد اليمين على المدعى مع بينته فان ذلك اجلى للعمق واثبت فى القضاء واعلم ان المسلمين عدول بعضهم على بعض الا مجلود فى حد لم يتب منه او معروف بشهاده زور او ظنى.واياك والضجر والتاذى فى مجلس القضاء الذى اوجب اللّه فيه الاجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضى بحق، واعلم ان الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا او احل حراما، واجعل لمن ادعى شهودا غيبا امدا بينهما، فان احضرهم فى قصاص او حد من حدود اللّه او حق من حقوق اللّه حتى تعرض ذلك على ان شاء اللّه".وفي خبر آخر يقول الإمام " من ابتُلي بالقضاء فليواسِ بينهم في الإشارة والنظرة في المجلس" .

بعد اختيار القاضي ووضع الاسس التي يعمل عليها فقد وضع الامام علي صلى الله عليه وسلم مبداء مهم في العمل القضائي وهو الاشراف القضائي . فالقاضي بحاجه إلى من يُراقبه ويسدده لأنه إنسان لا يختلف عن باقي البشر، يراقبه في سلوكه ومدى أمانته في الحفاظ على أموال الناس: ومراقبته أثناء تعامله مع الخصم. حيث كتب الامام للقاضي شريح سؤالا عن شرائه دارا "بلغني أنك ابتعت داراً بثمانين دينارا وكتبت كتاباً وأشهدت شهوداً))، فقال شُريح: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، فنظر إليه نظر مغضب، ثم قال له"يا شُريح، أما أنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصاً، ويسلمك إلى قبرك خالصاً، فانظر يا شُريح لا تكونُ ابتعت هذه الدار من غير مالِك، أو نَقَدتَ الثمن من غير حلالك، فإذا أنت قد خسرت دار الدٌنيا ودار الآخرة و أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت، لكتبتُ لك كتاباً على هذه النسخة، فلم ترغب في شِراء هذه الدارِ بدرهم فما فوقُ " . كما أن الامام صلى الله عليه وسلم، ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء، ثم عزله فقال له: لم عزلتني وما خنت ما جنيت ؟ فقال  عليه السلام "إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك" وفي وصيته لمالك الأشتر: (ثم أكثر تعاهُد قضائه): أي تتبعه بالاستكشاف والتعرف.

مما تقدم نرى ان رسائل وخطب الامام عليه الصلاة والسلام كانت تهدف إلى تنظيم حسن سير القضاء وإجراءاته وضمان حقوق الخصوم وعدم الأضرار بهم، بالاضافة الى إيجاد قواعد خاصة لضمان نزاهة القضاة وحيادهم وحماية أستقلالهم تجاه الخصوم. والغرض من هذه الضمانات، هي حماية القاضي من نفسه، التي قد تدفعه إلى التعسف في أستعمال السلطة القضائية أو إلى نوع من التعدي على حقوق المتقاضين، وقد وضع الإمام علي(عليه السلام) أسساً لضمان وظيفة التقاضي .

 

زهير جمعة المالكي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم