صحيفة المثقف

غياب اسطورة عالمية

كاظم الموسويفرض دييغو مارادونا أسطورته الحقيقية، في الرياضة، وكرة القدم اساسا، وفي أسلوب حياته وخياراته ومواقفه السياسية. ومثله فرض خبر غيابه ايضا، حيث شعر كثيرون بالخسارة والغياب. عاجلا وزعت صحف بريطانية الخبر على الهواتف، وتابعته وسائل الإعلام بكل اللغات. وانتبهت منها بتوقيته في تاريخ رحيل نموذجه الثوري فيديل كاسترو، رابطة تذكر غياب اسطورة أخرى في هذا الزمن وعبر محنه المتتالية. اما الأغلب فيها فقال بفجيعة بلاده الاولى الارجنتين لغيابه، ومعها فجعت القارة الأمريكية والعالم ايضا. مسجلا حتى في الغياب حضورا اخر، على مستويات مختلفة، وقد رصدتها وسائل الإعلام العالمية وظلت تنقل الأصداء والتداعيات بالصوت والصورة، معيدة لقطات بروز مارودونا، نجما عالميا في كرة القدم، والعلاقات السياسية والاجتماعية. أحد المفجوعين من الشباب الارجنتيني في اللقاء معه من مراسلة البي بي سي الإنجليزية، القناة الاولى، قال: أنا ابكي الان، لان موت مارادونا موت للأرجنتين. وعكست صور الوداع معنى الأسطورة ودلالتها المعنوية لكل محبيه في بلده والعالم.

ولد دييغو أرماندو مارادونا قبل نحو 60 عاما في حي فقير في مدينة بوينس آيريس، لاب عامل مصنع، وبتحوله إلى نجم كرة قدم شهير كما هو اسطورة كرة القدم البرازيلي، بيليه، مكنه من تجاوز حالته، وبروزه رياضيا واجتماعيا وسياسيا.

رصدت وسائل الإعلام انه حقق 259 هدفا في 491 مباراة، وأظهر مارادونا قدرات استثنائية منذ مراهقته عندما لعب مع فرق الناشئين والشباب، ابتدأها باللعب مع نادي أستريلا روجا ثم فريق نادي أرجنتينوس جونيورز، قبل أن يتقدم لاحتراف اللعب عالميا وهو بعمر 16 عاما و 120 يوما، حيث لعب أول مباراة دولية له مع منتخب الإرجنتين ضد منتخب المجر.

واضاف موقع بي بي سي العربية، لا يبدو مارادونا في صورة الرياضي المثالية؛ فهو قصير وبدين نسبيا ولا يتجاوز طوله خمسة أقدام وخمس بوصات، بيد أن مهاراته الفائقة في اللعب وخفة حركته وقدرته على المراوغة والانسلال بين اللاعبين وسيطرته على الكرة وتمريراته الناجحة، كلها مهارات تعوض وتغطي على نقص السرعة والوزن الزائد نسبيا. وكان مارادونا بارعا في مناورة وإشغال حلقات دفاع الخصم، وتمكن من المراوغة وتفادي المشاكل في حياته الحقيقية بمساعدة سخية من القيادة الكوبية.

يعد مارادونا أحد أكثر لاعبي كرة القدم موهبة في تاريخ اللعبة، إذ يتمتع بمزواجة نادرة بين قدرات متعددة. فهو صاحب أسلوب لعب مميز ورؤية متقدة، فضلا عن اتسامه بالحيوية والسرعة في اللعب، الصفات التي تسحر مشجعيه.

اعتبرت صحيفة الغارديان 26) نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)  إن النجم العالمي دييغو مارادونا هو رمز الأرجنتين. "وهو يمثل أيضا المثال الحقيقي لقدرة الإنسان على الظهور في صورة جميلة وأخرى بشعة في وقت واحد". وكتبت إن مارادونا وعبقريته جعلت منه رجلا خارقا للعادة في تعامله مع الكرة فهو يتصرف فيها مثلما يتصرف الرسام مع فرشاته، لأنه يبدع أشياء من لا شيء. وكتبت أن الفكرة التي انطبعت عند الناس عن مارادونا بأن المهارات التي يملكها في رجليه افتقدها في عقله ليست دقيقة، فهي ترى أن مارادونا من أذكى لاعبي كرة القدم. واكدت: "هو مثال حقيقي للإنسان وتناقضاته وقدرته على تقديم الأجمل والأبشع في آن واحد. ولم تكن شهرته منفصلة عن حياته الخاصة، لأنه كان إنسانا في كل الأحوال" كما أنه يجتهد باستمرار في التدريب لا يكل ولا يمل من تطوير المهارات التي تنقصه ولا يتوقف عن العمل إلى أن يجيدها.

كانت استطلاعات الرأي كثيرا ما تضعه الرجل الأكثر شهرة في العالم، كما أنه هدفه الثاني أمام انجلترا في عام 1986 يصنف أيضا أجمل هدف في العالم.

نشرت صحيفة الاندبندنت 26) نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)  مقالا كتبه كبير محرري كرة القدم، ميغال ديلايني، ذكر فيه إن مارادونا جمع بين العبقرية والبهجة في كرة القدم. عندما تراه كأنك تلمس السماء بيديك. وعلق الكاتب على حادثة تصور حقيقة ما كان يمثله مارادونا في ملاعب كرة القدم عندما كان في قمة عطائه. ففي نهائيات كأس العالم 1990 لعب منتخب الكاميرون ضد الأرجنتين، وعندما رأى لاعبا الكاميرون، ألفونس يومبي وروجي فوتومبا، مارادونا في الملعب أجهشا بالبكاء، إذ لم يصدقا أنهما سيلعبان مع مارادونا. هذه هي المكانة التي وصل إليها مارادونا فوق ملاعب كرة القدم. فهو لاعب خارق للعادة بكل ما تعنيه الكلمة، فمهاراته الفنية ولمساته السحرية تجعل كل من يراه منبهرا به كل حسب طريقته. واكمل الكاتب أن الكثيرين يرون أنه أحسن لاعب في تاريخ كرة القدم على الإطلاق، وسيبقى النقاش حول هذه المسألة مفتوحا، وفي النهاية تكون القناعة الشخصية والذاتية هي التي تحدد الإجابة. وكان مارادونا يحرك الكرة ويجري بها بطريقة لا يعرفها غيره، وكأنها ملتصقة في رجله، لا يستطيع أحد أن ينتزعها منه، وكل من شاهد مباريات كأس العالم 1986 ومبارياته مع فريق نابولي في الدوري الإيطالي استمتع بتلك الفنيات المبهرة. ولكن أجمل هدف سجله مارادونا هو عندما باغت خمسة لاعبين انجليز في انطلاقة واحدة، وانفرد بالحارس بيتر شيلتون ثم وضع الكرة في الشباك. والمدهش أن اللاعبين لم يحاولوا إيقافه وهو يجري بالكرة نحو المرمى بل وقفوا متسمرين في أماكنهم.

مع كل ما سبق من إشادة أو وصف حال لم يشر كثير من المقالات الى مواقفه السياسية اليسارية، ونضاله من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية، وصداقته لابيه الثاني، كما قال، كاسترو والرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، والزعيم البوليفي ايفو موراليس، ووشم صورة كاسترو على ساقه وصورة تشي جيفارا على ذراعه، وتصريحاته عن رفضه للحروب والعدوان على العراق وفلسطين، ونضاله من أجل الفقراء، وفي لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال له أنه فلسطيني، قلبه ينبض فلسطينيا، ومشاركاته في التظاهرات التضامنية مع الشعوب التي تحاربها الولايات المتحدة. كما نقل عنه وهو يزور بابا الفاتيكان تعليقه على خطاب البابا الذي يدعو لمساعدة الفقراء وفوق رأسه سقوف المبنى من الذهب، قائلا; بيعوا سقوف الذهب وحلو الأزمة!. وله مقولات تتناقلها صفحات الإنترنت وكذلك فيديوهات فيها مواقف مشرفة تسجل له وتضعه في مكانة أخرى تضاف إلى أسطورة كرة القدم التي استحقها بجدارة.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم