صحيفة المثقف

جيسكار دي ستان وحرب الجنرالات

علجية عيشصراع الأفكار والإتجاهات

(جيسكار رغم كرهه للجزائر فشهادته في حق بومدين كانت عادلة)

"وداعا" آخرعبارة قالها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكاردستان عام 1981 وهاهو اليوم يودعا الحياة إلى الأبد  عن عمر ناهز 94 سنة بعد تعرضه للإصابة بفيروس كورونا، وقيل أن كلماته التي كان يرددها تحولت وكأنها كلام مقدس وجب أن يقتدي بها الفرنسيون بل أوروبا كلها، لقد دار صراع بين جيسكار وديغول وكذلك ميتران من أجل الحكم، أما عن علاقته بالجزائر فرغم كرهه للجزائر، ققد كانت شهادة جيسكار في حق بومدين عادلة ومشرفة بحيث وصفه بأنه أعظم رؤساء الجزائر وقال أن الجزائر لم ولن تستطيع تعويضه برئيس آخر في نفس وزنه

 عاش هذا الرجل مراحل عديدة من حياته اتسمت بالخلافات بينه وبين جنرالات فرنسا  من بينهم الجنرال شارل ديغول، حيث رفع شعار: "نعم ولكن ضد ديغول" كان ذلك في بداية 1967 عندما  وقف  وقفة المتعصب لرأيه محددا موقفه من الأغلبية الديغولية، بالصيغة: " نعم ولكن.."، وكان رد الجنرال ديغول في اليوم التالي " نحن لا نحكم إلا.."، وطرحت هذه العبارة تساؤلات الرأي العام وماذا أراد ديغول قوله، ووصفها البعض بالتهديدات، لاسيما وديغول كان مؤثرا على الشعب الفرنسي بفضل تضحيته لصالح فرنسا في وقت كانت الساحة الإعلامية في فرنسا تعج بكثير من العناوين (127 جريدة، منها 13 جريدة يومية في باريس، وأكثر من 100 جريدة في بروفانس وبخاصة العناوين الأكثر مقروئية والتي تسيطر على الساحة الإعلامية الفرنسية لاسيما  جريدة فرانس سوار  soir france وجريدة لوباريزيان ليبيري libere parisien وجريدة "الإنسانية " l’humaniteو جريدة الفجر l’aube .

 أما جريدة  العالم le monde ولوفيغارو le figaro  وفرانس أوبسارفاتور France observateur  ولاكسبريس l’express كانت في تلك الفترة  أقل انتشارا، إلا أن ديغول تمكن من أن يكسب ثقة الرأي العام الفرنسي وحتى الصحافيين عن طريق جريدة "لوموند" التي تأسست بإيعاز منه،  خاصة وأن هذه الجريدة اهتمت بحرب الجزائر فزادت مقروئيتها بفضل استقلالية هيئة تحريرها، وتاييدها  سياسة ديغول بعد 1958، وهذا ما يكشف الصراع بين جيسكار وديغول، بأنه صراع أفكار واتجاهات، ما جعل المواقف تختلف وتتطور خاصة مع الثورة الجزائرية، لاسيما وديغول كان من السباقين لزيارة الجزائر والقيام بجولة تفقدية  عكس جيسكار،  أما عن جيسكار الرئيس الذي انتخب وعمره 48 عاما، سعى لتحرير الاقتصاد والتوجهات الاجتماعية، لكن في حملته الإنتخابية التي جرت في 10 ماي  1974 أراد جيسكار دي ستان أن ينظر في عيني فرنسا والوصول إلى قلبها، لكنه وجد نفسه في مواجهة مع منافسه فرنسوا ميتران، في مناظرة  تلفزيونية حاسمة بثها التلفزيون الفرنسي بعد شهر فقط.

و كما هو معلوم أن ميتران كرجل دولة لا يقل أهمية عن الجنرال ديغول، إذ يتفق الإثنان  في وجهات النظر في ما يتعلق باحتلال الجزائر، خاصة بالنسبة لمسألة الأقدام السوداء المناهضة لجبهة التحرير الوطني، فميتران كان له حساب طويل مع ثورة نوفمبر التي فاجأته وهو وزير للداخلية سنة 1954، وكان له السبق في تشغيل "المقصلة" لإرهاب المجاهدين والمناضلين لما عاد إلى الحكم كوزير للعدل في سنة 1956،  ففي حين كان ميتران يستحضر توزيع الثروة  قال لجيسكار: إن المسألة هي مسالة ذكاء ومسألة قلب، لكن هذا الأخير قاطعه  قائلا: "دائمًا ما أجد أنه من الصادم والمؤلم أن تتحمل احتكار القلب، ليس لديك ذلك وأنا لدي قلب مثلك الذي يدق بوتيرته الخاصة والذي هو لي "، لكن جيسكار لم ينجح في الإنتخابات التي جرت في بداية الثمانينيات، وبكل شجاعة  قائدٍ ألقى المنشفة وأعلن انسحابه في رسالة وجهها إلى القادة الفرنسيين والرأي العام، حسب الكتابات، كان انسحاب جيسكار من الساحة  شكليا فقط، ففي 2004 تم قبوله في الأكاديمية الفرنسية عن عمر يناهز 78 سنة وقد فتح له هذا القبول شهية الزعامة،  عندما قال : في عمري أصبح الخلود ملاذا آمنا، ويعتير جيسكار دي ستان أول رئيس فرنسي يضع مشروع الدستور الأوروبي الذي كتب سنة 2005  وبشكل جيد  دافع فيه عن أوروبا، غير أن الفرنسيين رفضوا هذا النص بنسبة 54 بالمائة.

أما عن علاقته بالجزائر، ففي الفترة التي حكم فيها جيكارديستان فرنسا بين 1974 و1981  كانت علاقته بالجزائر يسودها الفتور والتوتر، فكانت اول زيارة يقوم جيسكار إلى الجزائر في منتصف السبعينيات، بعد مضي 13 سنة من استقلال الجزائر واستقباله من طرف الرئيس الراحل هواري بومدين في موكب رئاسي يليق بالجزائر الفتية، هي رسالة اراد من خلالها الرئيس هواري بومدين بأن الجزائر بلد السلم والسلام، ولكنها لا تسمح في حقوقها إن تعرضت للغزو،  حيث  دارت بينهما محادثات، تتعلق بالجانب الدبلوماسي للبلدين ( الجزائر وفرنسا) خاصة ما تعلق بملف "البوليزاريو" كون جيسكار كان منحازا للمغرب في قضية الصحراء الغربية، في محاولة منه إزالة الفتور بين الجزائر وفرنسا وفتح صفحة جدبدة،  وقد تركت هذه الزيارة أثرا جميلا في قلب جيسكارديستان  للمستوى الفكري والدبلوماسي الذي يتميز به هواري بومدين، لدرجة أنه قال في إحدى حواراته عن الرئيس بومدين أنه اكتشف رجلا حميميا في علاقته وحديثه، وأضاف أن الجزائر لم ولن تستطيع تعويضه برئيس آخر في نفس وزنه.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم