صحيفة المثقف

أخلاقيات الصالونات الأدبية

يسري عبد الغنيللصالونات الأدبية أو الثقافية آداب خاصة، وتقاليد معينة مرعية، أي يجب أن يرعاها ويلتزم بها كل من يسمح له بحضورها، وقد سجلت هذه الآداب أو تلك القيم الأخلاقيات مفصلة العلامة / الصابي في كتابه: (رسوم دار الخلافة)، وآخر علمي بهذا الكتاب أنه مخطوط محفوظ بالمتحف العراقي في بغداد تحت رقم 15 (وبالطبع نأمل أن يكون موجودًا حتى الآن)، وكذلك العلامة / كشاجم في كتابه: (أدب النديم)، والذي طبع في مدينة الإسكندرية المصرية سنة 1329 هـ، وسنحاول قدر الإمكان أن نذكر لك بعض هذه القيم والآداب والأخلاقيات التي كانت تتبع في الصالونات الأدبية، حتى تعم الفائدة بإذن الله .

فالداخل إلى حضرة الخليفة، أو إلى مجلس سمره، يجب أن يكون نظيفًا في بذته (ملابسه) وهيئته، وقورًا في خطوه ومشيه، متبخرًا بالبخور الذي تفوح روائحه، وأن يتجنب منه ما يعلم أن السلطان يكرهه .

فإذا دخل الداخل إلى حضرة الخليفة قال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .. وربما تقدم الداخل إذا كان وزيرًا أو كبيرًا فأعطاه الخليفة يده مغشاة بكمه إكرامًا له بتقبيلها، وأما ولاة العهود والأهل من بني هاشم (عليهم رضوان الله) والقضاة والفقهاء فلا يقبلون يد الخليفة ويقتصرون على السلام .

ويأخذ الداخل مكانه المناسب لترتيبه من غير أن يتجاوزه إلا استجابة لدعوة الخليفة، وعلى الجالس أن يقلل الالتفات إلى جانبيه وورائه، والتحريك ليده أو شيء من أعضائه، وأن يغض طرفه عن كل مرئي إلا شخص الخليفة وحده .

ولا يصح أن يتكلم أو يهمس مع أحد في مجلس الخليفة، ولا يشير إلى أحد، ولا يقرأ رقعة ولا كتابًا بين يدي الخليفة إلا ما احتاج الخليفة إلى قراءته , أذن له فيه، ولا يخاطب من يخاطبه في تعريف أمر منه أو إقامة حجة عليه إلا بأخف الألفاظ وأشد الاستيفاء .

وعلى الجالس في المجلس أن يمتنع عن الضحك، وإن جرى ما يوجب الضحك فلا مانع من ابتسامة صغيرة سريعة، وليعلم أن أجل ما يكون الإنسان في عين صاحبه إذا كان شخصًا صامتًا (أي لا يتحدث إلا فيما يوجبه الحديث، ويبعد عن الثرثرة التي لا ضرورة لها)، وجسمًا صلبًا، لا يخرج منه شيئًا كالبصاق والمخاط، ولا يدخل إليه شيء كالطعام والشراب، على أن الثانية تجوز مع الإخوان والجلساء وتحرم مع الرؤساء، وأما الأولى فتقبح مع الجميع .

وليس لحاضر مجلس الخليفة أن يذكر شيئًا إلا ما يسأل عنه، أو يورد قولاً اختيارًا أو مطالعة إلا ما استأذن فيه، وسبيله أن يخفض صوته في حديثه ومحاورته، ولا يرفعه إلا بقدر السماع الذي لا يحتاج معه إلى استفهامه واستعادته .

وعلى الجالس أن يتجنب الاستظراف أو الهزو أو الهزر قدر الإمكان، ولا يجب أن يخرج منه لفظًا بعيدًا عن اللياقة والأخلاق الفاضلة، وعلى الجالس أن يستمع جيدًا إلى كل ما يقوله الخليفة أو من يتكلم بإذن من الخليفة، وذلك حتى يفهم جيدًا ما يقال فيتمكن من التعليق عليه تعليقًا سليمًا إذا طلب منه ذلك، وفي نفس الوقت ليس من الآداب اللائقة أن يستعيد كلام الخليفة أو يكرره أو يقاطعه ..

ويوصي كشاجم الجليس أن يتعلم حسن الاستماع، كما يتعلم حسن الكلام، وحسن الاستماع يعني إمهال المتحدث حتى ينقضي حديثه، والإقبال عليه بالوجه والنظر، والوعي لما يقول، ولا ينبغي للسامع أو يصح أن يشغل طرفه عن المتحدث بنظر، ولا إطرافه بعمل، ولا قلبه بفكر، ولا يسابقه إلى حديث يبدأ به، لمعرفة السامع بذلك الحديث بل يريه من الارتياح له، والتعجب منه، ما يهمه أنه لم يخطر بباله، ولا وقر في سمعه .

ويضيف كشاجم: أنه من أدب الحديث ألا يقتضب اقتضابًا، ولا يهجم عليه، وأن يتوصل إلى إجتراره بما يشاكله، ويسبب له ما يحسن أن يجري في غرضه .

 

بقلم/ د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم