صحيفة المثقف

هل يعيد انتخاب بايدن تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية

عبد الله العباديمن السابق لأوانه الحديث عن التغييرات التي يمكن أن يحدثها انتخاب جون بايدن في ظل ظروف وبائية خطيرة يشهدها العالم بأسره، وفي ظل انقسام أمريكي قد يعصف بالأمن الداخلي خصوصا وأن ترامب توجه للمحاكم وجند أكثر من ستمائة محام لمواجه غريمه وطاعنا في نتائج الانتخابات.

الشارع العربي تابع الانتخابات الأمريكية وكأن شخص الرئيس سيغير شيئا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه القضايا العربية وعلى رأسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومشروع الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فكل الإدارات الأمريكية كانت حليفا بدون شروط للكيان الصهيوني على حساب حق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة.

في تعليقه على فوز بايدن يرى منصف المرزوقي اليساري وأول رئيس لتونس بعد الحراك الشعبي، إنه فوز الديمقراطية على الشعبوية، فوز الانسانية على العنصرية، فوز المبادئ على المصالح، انتصار الذكاء على الخبث، لطمة موجعة من النظافة على وجه الفساد. من الصعب فهم تفاؤل المرزوقي، فالبيت الأبيض لا يختزل في شخص، فالرئيس موظف تنفيذي لأجندة سياسية وأمنية ومصالح قومية.

مستشار الأمن القومي الأمريكي الديمقراطي زمن حكم باراك أوباما بن رودس يقول في مذكراته "العالم كما هو" يقول إن الرئيس الديمقراطي السابق أوباما  يكره العرب بشكل غريب وكان يردد أمام مستشاريه أن العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة وأنهم متخلفون وبدو. وبايدن ليس إلا الرفيق الحميم لأوباما ويحملان نفس الأجندة الحزبية ووجهات النظر حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية.

من حق المواطنين الأمريكيين أن يفتخروا بديمقراطية الاقتراع والعملية الانتخابية، فكل الرؤساء كانوا وبالا على بعض المناطق العربية، لكن مهما اختلفت الألوان الحزبية للمترشحين تبقى مصلحة الوطن وحماية المصالح الخارجية من الأولويات، رغم اعتزازهم بأصولهم فقد قال بايدن ل BBC أنا إيرلندي أما نائبته فقد أكدت أكثر من مرة فخرها بأصولها الهندية والجامايكية، هذا الفخر لم يفهم على أنه ضعف في الوطنية بل اعتزاز بالأصول وولاء تام  وانتماء للوطن الأم ورغبة في خدمته.

رؤية بايدن تختلف عن ترامب حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية والعلاقة مع الدول والمؤسسات العالمية، فترامب كان يرى وطنية أمريكا أولا وتخلى عن العديد من الاتفاقيات الخارجية والمعاهدات الدولية في قراري أحادي. لكن بايدن سيعيد أمريكا لدورها التقليدي الريادي على المستوى العالمي القائم على أساس القيم الغربية المشتركة، والعودة إلى التحالفات العالمية وعودة الإدارة الأمريكية إلى منظمة الصحة العالمية وستحاول قيادة العالم لمواجهة جائحة كورونا.

من أولويات بايدن أيضا محاربة التغير المناخي والعودة للانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ التي تخلى عنها الرئيس المنتهية ولايته، حيث أكد بايدن نيته في بناء اقتصاد يقوم على الطاقة النظيفة من أجل خلق وظائف جديدة. وأكد بايدن أنه مستعد للعودة لاتفاقية العقوبات المفروضة على إيران مقابل التقليص من برامجها النووية التي انسحبت منها الإدارة الأمريكية قبل ستنين وعارضها بعض الحلفاء.

وبمنطقة الخليج، وعد بايدن بالعمل على إنهاء الحرب باليمن بسبب تفاقم الوضع الكارثي وارتفاع الضحايا من المدنيين، وقد تتراجع الإدارة الأمريكية الحالية عن مساندة السعودية وقد تشوب العلاقات الأمريكية السعودية بعض التوتر بسبب نقاط خلاف عديدة، لكن رغم ذلك تبقى السعودية الحليف الاستراتيجي الأول في الخليج العربي.

يحاول بايدن أيضا العمل مع روسيا كقوة عالمية والعودة إلى معاهدتين كانت إدارة ترامب قد انسحبت منهما، سيعود بايدن لمغازلة الدب الروسي والتفاوض من أجل تمديد الاتفاقية الثالثة التي أوشكت على نهايتها للحد من الترسانة النووية للبلدين. أما بخصوص الصين فالسياسة الأمريكية واحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، الصراع الاقتصادي ومحاولة فرض إجراءات تجارية قاسية، الفرق بين الحزبين يكمن فقط في طرق تنفيذ الإجراءات المفروضة.

أما بخصوص القضية الفلسطينية، فبايدن لن يكون استثناء داخل الحزب فكلمة احتلال لم تسمع خلال برنامجه ولا برنامج السياسة الخارجية للحزب، ربما يكون هناك ضغط من الجناح اليساري داخل الحزب الذي سيعمل على الضغط على مرشحه من أجل حماية حق الفلسطينيين وربما ضغط أكبر من أجل إنهاء الاحتلال والاتجاه نحو حل الدولتين، الشيء نفسه يطالب به الجناح اليساري داخل الحزب لإنهاء الحرب في أفغانستان والعراق.

أما بخصوص ملف الصحراء المغربية، فق أعلنت إدارة ترامب موقفها الواضح ومساندتها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لمجلس الأمن الدولي كحل عادل للقضية. الإدارة الحالية وبحسب العديد من المحللين، في انتظار تعيين طاقمة وخصوصا ممثل السياسة الخارجية، ستكون طبق الأصل لإدارة أوباما وربما يستعين ببعض مستشاري هذا الأخير. ويستفيد المغرب من العلاقات الطيبة الذي تربطه بهيلاري كلينتون، كما أن بايدن سيسعى لإيجاد حلول كبرى وأزمات خلقها ترامب مما سيتيح للمغرب التعامل بشكل مريح مع الإدارة الجديدة. ومهما تعددت القراءات فالحل السلمي ومبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ مدة تعتبر الحل الأنجع لنهاية الصراع، كما أن المشروع التنموي الذي يواصله المغرب بأقاليمه الجنوبية يؤكد حرص المغرب على تنمية كل مناطقه من طنجة إلى الكويرة.

المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها.

 

عبدالله العبادي

الكاتب الصحافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم