صحيفة المثقف

ترامب والأرض المحروقة في طريق بايدن

بكر السباتينما هي الملفات الثلاثة التي يعربد ترامب في تفاصيلها؛ لخلط الأوراق في وجه بايدن؟

تتزايد العراقيل التي يضعها ترامب في طريق الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن بما يخص أهم ثلاثة ملفات أساسية تنتظر جهوده لحلها وفق رؤيته المخالفة للنهج الترامبي، وذلك لإثبات فشله الذريع في التعامل معها أو إشغاله العبثي بتفاصيلها وبالتالي تبدبد طاقات فريقه؛ حتى تُجَيَّرْ لصالح ترامب كمنجز تاريخي له ومن باب تهيئة الأجواء مستقبلاً فيما لو عزم عل خوض تجربة الانتخابات مرة ثانية بعد أربع سنوات.. ويمكن إدراج هذه الملفات على النحو التالي:

أولاً:- ترتيب المشهد الخليجي فيما يتعلق ببتحسين العلاقة القطرية السعودية بفعل جهود صهر الرئيس المنتهية ولايته، جاريد كوشنر، حيث قال مسؤولون أمريكيون وخليجيون (مصادر مختلفة) إن السعودية وقطر بصدد التوصل إلى اتفاق مبدئي لإنهاء نزاع استمر سنوات، مما يمهد الطريق لمحادثات إقليمية أوسع قد تهدئ التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بينهما،

ويلاحظ أن هذه الجهود التي ترعاها الكويت بدعم أمريكي، قد تتعثر نسبياً، لسببين:- أولهما، إسقاطُ دولِ المقاطعةِ الأخرى من معادلة الحل.. وثانيهما الحضور التركي غير المباشر، و"المتوقع" في سياق التفاصبل غير المعلنة للحل الذي يقوده كوشنر، على اعتبار أن الطرف التركي الغير مرضي عنه من قبل بايدن، تحكمه علاقة استراتيجية متينة مع قطر، علماً بأن قطع هذه العلاقة كان مدرجاً ضمن الشروط الثلاثة عشر التي فرضتها دول المقاطعة مسبقاً وفق رؤيتها غير الموضوعية للحل،

ويربط بعضُ المراقبين خطوةَ ترامب هذه بتعزيز التحالف الثلاثي السعودي الإسرائيلي الأمريكي ضِدَّ إيران،

ثانياً:- خلط الأوراق في وجه الرئيس الفائز بالانتخابات الأمريكية، جو بايدن، والذي من المنتظر استلام مهامه الرسمية نهاية يناير العام المقبل، من ذلك ضرب أي بارقة أمل أمام بايدن نحو حلِّ الأزمة مع إيران من خلال العودة إلى الاتفاق النووي.. فجهود ترامب في هذا الاتجاه لا يختلف عليها اثنان، سواء كانت من خلال ما أحدثه من تغييرات في قيادة الجيش والأمن القومي الأمريكي بما يتناسب واستراتيجيته ضد إيران، أو توجه الطائرة العملاقة جي.بي.يو 43.. أم القنابل الأميركية إلى منطقة مجهولة في الشرق الأوسط في سياق استكمال الجهوزية لتوجيه ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية وفق مخرجات اللقاء الثلاثي بين بومبيو ونتنياعو وابن سلمان الذي تم في "نيوم" شرق البحر الأحمر، وأخيراً اغتيال العالم النووي الإيراني، فخري زاده، الذي يمثل استفزازًا خطيراً لطهران، ويهدف إلى إشعال الوضع الإقليمي، وذلك من أجل تقييد الرئيس المنتخب جو بايدن وإحباط عودة أميركية إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى.. وبالتناغم مع تلميحات بايدن التي التقط الإيرانيون إشاراتها التحذيرية، فقد أدركت طهران أبعاد هذا الفخ الذي نصبه ترامب، فانتهجت إزاء ذلك سياسة النفس الطويل في الرد والاكتفاء في هذه المرحلة بزيادة كميات تخصيب اليورانيوم بانتظار ما ستفضي إليه سياسة بايدن الموعودة.. ويخاصة أن جون برينان المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) حث طهران على مقاومة رغبتها في الرد بالقوة في تغريدة له، قائلا "من الحكمة أن ينتظر القادة الإيرانيون عودة القيادة الأميركية المسؤولة على الساحة العالمية، ومقاومة الرغبة في الرد على الجناة المفترضين"، وبرينان لا ينطق عن الهوى لارتباطه بإدارة بايدن المقبلة، ذات الرؤية الموضوعية في التعامل مع هذا الملف الشائك، خلافاً لرؤية ترامب التصعيدية والمتناغمة مع الطموحات الإسرائيلية.

وقد اعتبرت باربرا سلافين، الخبيرة بالشأن الإيراني في المعهد الأطلسي بواشنطن "أن إسرائيل وإدارة ترامب تخشيان من أن تسعى إدارة بايدن إلى العودة السريعة إلى الاتفاق النووي، الذي قد ينعش الاقتصاد الإيراني المتعثر، ويجعل من الصعب احتواء نفوذها في الشرق الأوسط.. فقتل السيد فخري زاده يجعل ذلك أكثر صعوبة".

ثالثاً:- إقرار ميزانية الدفاع وتوعد ترامب برفض المصادقة عليها إلا بشروط. حيث من المنتظر أن يصوّت مجلس النواب الأميركي، اليوم الثلاثاء، على مشروع قانون شامل للإنفاق الدفاعي، وهو واحد من ثلاثة تشريعات كبيرة ستطرح أمام الكونغرس هذا الشهر، لكن الميزانية الدفاعية تواجه "فيتو" محتملا من الرئيس دونالد ترامب.. خلافاً لتوافقها مع حزبه الجمهوري.

ويتجاهل مشروع قانون ميزانية الدفاع خطةَ ترامب التي أعلن عنها في يوليو وتقضي بخفض عديد القوات الأميركية في ألمانيا.

والقانون في حال اقراره سيجبر البنتاغون على إرجاء خفض عدد الجنود هناك البالغ 34.500 مدة 120 يوما، إلى حين تقديم وزير دفاع لمراجعة حول هذا الأمر إلى الكونغرس.

وأورد مشروع القانون أن خفض عدد القوات الأميركية في ألمانيا "في فترة تتزايد فيها التهديدات في أوروبا سيشكل خطأ استراتيجياً خطيرا يؤدي إلى تقويض مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة ويضعف حلف شمال الأطلسي".

إلا أن الوقت ينفد إمام النواب لتجنب "إغلاق حكومي". فمهلة إقرار تمويل فدرالي تنتهي في 11 ديسمبر، ويمكن للكونغرس تمديدها أسبوعاً واحداً فقط للتوصل إلى اتفاق حول ميزانية 2021 قبل عطلة عيد الميلاد إذا تعثر توقيعها اليوم.

ويذكر أنه في يوليو تمت المصادقة على نسختين منفصلتين للقانون في مجلسي النواب والشيوخ بغالبية أكثر من ثلثي الأصوات اللازمة لتفادي "فيتو" رئاسي؛ ولكن ترامب قال بإنه سيسحب تهديده باستخدام "الفيتو" في حال أزال النواب البند المتعلق بتغيير أسماء قواعد عسكرية تكرّم رموز قادة الكونفدرالية الأميركية، إلى جانب بند يلغي العمل بالقانون الذي يعرف باسم "المادة 230" التي تحمي وسائل التواصل الاجتماعي من المسؤولية عما ينشره المستخدمون على منصاتها. ويبدو أن هذا المطلب يأتي من باب تصفية حسابات ترامب مع إدارتي فيسبوك وتويتر لمحاصرة تغريداته أثناء حملته الانتخابية الخاسرة.

وفي سياق متصل، قال ماك ثورنبيري، كبير الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة والداعم الرئيسي للميزانية الجديدة التي تبلغ قيمتها 740.5 مليار دولار، إن تمريرها يسهل إقرار الميزانية الفدرالية وحزمة تحفيز ثانية للاقتصاد الذي يعاني من تداعيات أزمة كورونا.

وأضاف بأنه لا يجب إرجاء مشروع قانون الإنفاق الدفاعي بسبب خلافات سياسية غير مرتبطة به. ملمحاً في ذلك إلى مناورات ترامب الأخيرة..

ولفت إلى أنه "يجب معالجة قضية المادة 230، لكن في مكان آخر وبطريقة مختلفة"، مضيفا أن "إسقاطها في اللحظة الأخيرة ليس بالأمر الصحيح".

لكن رئيس اللجنة الديمقراطي آدم سميث، كان أكثر وضوحا حين قال، إنه في حال استخدم الرئيس الفيتو ضد "قانون الترخيص للدفاع الوطني" فإن النواب سيعودون للتصويت "لإبطاله".. وهكذا دوايك.

وأخيراً، فأمام فريق بايدن طريق صعب بسبب العراقيل الجديدة التي يضعها ترامب لإشغال الرئيس المقبل بمخرجات سياساته الأخيرة، وبالتالي استنفاذ طاقته أو لسحب البساط من تحت قدميه وإظهار عجزه إزاء الملفات الداخلية والخارجية التي ستتصدى لها إدارته في كافة الشؤون.. ويبدو أن بايدن مستعد لمواجهة هذا الموقف العصيب والرهانات على خبراته السياسية وتوازن مواقفه قائمة..

 

بقلم بكر السباتين.. 

8 ديسمبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم