صحيفة المثقف

لا تَحزَنِي يا شَجَرَة

عبد الفتاح المطلبيلا تَحْزَنِي يا شَجَرَةْ،

وقد بقيتِ في العَرَاءْ،

وحيدةً تشاهدُ الأحياءَ كيفَ يُدْفَنونْ

في الصباحِ والمساءْ

وكيفَ يرجع المودّعونْ

إلى مضاجعِ الرياحِ في ديارِهم

موتى

ليقرأوا الأخبارَ

في صحيفةٍ مصوّرةْ

عن دينصورٍ عاشَ ألفَ ألفِ عامْ

قد وجدوا عظامَهُ المُنَخّرةْ

كان ينامُ تحتَ سنديانةٍ عظيمةْ

ينوحُ في البرزخِ من عروقها

يقولُ قبل جلسة الحساب:

لا تحزني يا شجرَةْ

لاتحزني فكلنا ترابْ

نعيش كي يأخذنا الغياب

أنا وأنتِ

و(الرابتور)ِ* والغرابْ

وسوفَ يأتي يوماً الأغرابْ

يقرأوننا كحصّةٍ مقررة

وبعدَ ذاكَ يُغلق الكتاب

فكيفَ تحزنين قبل ذلك الأوانْ

وما يزالُ تحتَ ظلّكَ الإنسانْ

يقيمُ بالفؤوس

للذئاب

دولةَ الخراف والخرافةِ المبررةْ

لاتحزني

فكلنا طوع عصى الرعاة

قبل الجزَرَة

يأتي إلينا السيد الأزرقُ

محمولا على سحابةٍ مجنزرةْ

يخطبُ فينا خطبة عصماء

يخضب القطيعَ بالدماء

ويمنح السكين صولجان البررةْ،

 لا تَحْزَنِي يا شَجَرَةْ،

قد كُنتِ بنتَ غابَةٍ

فيها غصونٌ مُثمرَةْ

فاندثرتْ،

طيورُها قد غادَرَتْ مُبَكِّرَةْ،

يلوذُ تحتَ ظلك الوريف ألفُ قاطعٍ

وفأسُهُ المستهترةْ

لامعةٌ مُسنفرَةْ

منكرةٌ، تقطعُ كلَّ مزهرةْ

من أتُرابِكِ الخُضرِ

ذوات الجذعِ والأغصانِ والّلحاءِ والأكنّةِ المُبَعثرَةْ

،شعبُكِ بالصمتِ يلوذُ وهي تنحرُهْ

،وتحت ظلك المديدْ

كانت الفؤوس تستريح بعد كلِّ مجزرةْ،

وحين عادوا نظروا إليك كيف تصنعين؟!،

غنيتِ موّال الحنينْ

كأنما بينك والفؤوس

ما يُريبْ

من طُلْسمٍ عجيب

حتى إذا ما قيل للفؤوسِ خلّي شأنَها

حارسةً وحيدةً في المقبرةْ

ينامُ في داخلها السوسُ

ومن أنساغها يشربُ نخبَ موتِها القريبْ

ويعتليها ثعلبٌ وذيبْ

يشربُ نخب الوطن المباع

والرعاع والرسائلِ المُشفرّةْ

غضضتِ طرفاً

ثم قلتِ المعذرة

لا تحزني  يا شجرةْ

فنحنُ كلّنا سواءْ

في المصيبة المُدمِرَةْ

نحرصُ أن نكون حرّاساً

على مطحنةٍ تطحننا ومعصرَةْ

حتى يجيءَ دورُنا ونلتقي في المقبرةْ

وحين يأتي ذلك الزمانْ

نغيّر الألوانْ

نبدل العنوانْ

ونتقن النسيانْ

ونطلب العفو لنا والمغفرةْ

***

عبد الفتاح المطلبي

..............................

* الرابتور:نوع من الديناصور عاش في العصر الطباشيري

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم