صحيفة المثقف

الحب كرؤية لواقع آخر.. د. نابي بوعلي يحاور علي رسول الربيعي

علي رسول الربيعينمر في زمن تزداد فيه الكراهيات بين الجماعات في مجتمعاتنا لذا يكون لافتًا الحديث عن الحب. ولهذا لفتني مقالكم المنشور في صحيفة القبس بعنوان: الحب عاطفة محيرة، والآخر المكمل عن الحب من وجهة نظر فلسفة الأخلاق في روافد بوست ما دفعني لأجراء هذا النقاش معكم .

 س1: د. نابي بوعلي: يدعي كانط أن الموقف المناسب تجاه مخلوق عقلاني هو اعتباره "غاية في حد ذاته، وعلى هذا النحو هو يستحق الأحترام. إن الحب مثل الاحترام، وعيًا مثيرًا للإعجاب بقيمة الشخص كغاية لكنه يتجاوزه بما يطلق العنان لمجموعة من الاستجابات العاطفية الإيجابية، مثل التعاطف والافتتان والانجذاب، لكنه يجعلنا أيضًا عرضة لمشاعر الأذى والسخط والاستياء.

على الرغم من أن هذه أطروحة مذهلة، إلا أن هناك شيئًا مألوفًا في فكرة الحب هذه كحساسية تُجرح سريعا وكضعف تجاه شخص آخر تم تصوره من خلال وعي مثير للإعجاب بإمكانيات هذا الشخص للخير. ماذا ترى؟

ج1: د. علي رسول الربيعي: حسنًا، لكلمة "حب" معانٍ عديدة ومختلفة. دعني أنا لا أتحدث عن الحب الرومانسي - الشعور "بالحب". ولا أتحدث عن التعلق ايضًا. ثم هناك نوع من المودة الخيرية التي نمتلكها، ليس فقط للناس، ولكن أيضًا للحيوانات الأليفة، وحدائق الزهور، وغيرها، والتي نعرضها عندما نتصرف تجاههم بنوع من الرعاية المحبة. لكن لا أتحدث عن ذلك أيضًا.

أود أن أقول شيئًا آخر، هو أن للحب عنصر إدراكي. نحن نحترم الشخص الآخر بوصفه شخص ولكن لكي نحبه، علينا أن نرى الأنسان الذي في داخله- ننظر إليه حقًا ونستوعبه ونحس به. الفكرة التي اريد أن اصل اليها هي أن الهيئة الخارجية لا تكشف عن حقيقة الكائن البشري بالضرورة. ولذا يجب أن تكون هناك خصائص يمكننا من خلالها رؤية ذات الشخص. أن ما ما يقصده الناس عندما يقولون إنهم يحبون شخصًا ما بسبب مظهره أو تصرفاته أو حديثه أو مشيته: هذه هي التي تمكنهم من رؤية الشخص مما يجعله محبوبًا. إنهم يحبونه من خلال هذه الخصائص، لكن هل هو هذا الشخص الذي يحبونه حقًا؟

س2: د. نابي بوعلي: يبدو أن وجهة نظرك بأن الحب هو استجابة لشيء ندركه بدقة في شخص ما يتعارض مع ما نعتقده عمومًا من أن الحب أعمى !

ج2: د. علي رسول الربيعي: حسنًا، هذه هي مشكلة الوقوع في الحب. ينطوي الوقوع في الحب على تصور خاطئ، وهو ما أسماه فرويد بالتحويل، ولايعتمد تقييم الشخص على خصائص ذلك الشخص الآخر، ولكن بما تتخيًل من خصائص أشخاص من ماضيه، مثل والدته أو والده. بصفتك استاذا، على سبيل المثال، قد تكون هدفأ او موضوعا لحب طالب. قد يكون لدى هذا الطالب بعض الخيال عن الرجل الحكيم، ولكن مهما يكن إنه لا يحبك - إنه معجب بك.

كل هذا ليس هو نوع الحب الذي أتحدث عنه. أعتقد أن إريز مردوخ قد فهمت الأمر حقًا، حينما تقول: أن الحب هو القدرة على رؤية الآخر حقًا. هناك نوع من الحب لا يبالغ في تقديره، وليس خيالًا، يعتمد على وضوح رؤية العين، ورية الآخر حقا وفعليًا. إن الطريقة لمعرفة جاذبية وجهة نظر مردوخ هي التفكير في الأمر من منظور كيف نريد أن نكون محبوبين.

هل نريد المبالغة في تقديرنا؟ هل نريد أن نكون موضوع تخيلات شخص آخر؟ هل نريد من الشخص الآخر أن يسقط علينا صور الآخرين، بما في ذلك والديه، الذين كانوا مثاله في الماضي؟ لا أعتقد ذلك. نريد أن يرانا الآخر على ما نحن عليه. عندما أريدك أن تحبني، أريدك أن تراني. لتشعر بي. لإزالة الأوهام بعيدًا، قم بإزالة المغالاة في التقييم، وانظر إلى ما أنا عليه الآن.

س3: د. نابي بوعلي: هل هذا لأن كونك محبوبًا بسبب خصائص لا تمتلكها حقًا أمر غير مريح، لأنه يعرضك لخطر أن يتخلى عنك حبيبك أوحبيبك إذا كانت ستراك على ما أنت عليه؟

ج3: د. علي رسول الربيعي: هذا النوع من عدم الراحة ليس هو المشكلة الحقيقية. فبعد كل شيءقد يكون من غير المريح للغاية، بالنسبة لبعض الناس، أن يكونوا محبوبين كما هم . لنأخذ مثلا مشهورا قرأه أغلبنا منذ ايام الدراسة اقصد مسرحية الملك لير لشكسبير، واريد اشير هنا الى قراءة لفتتني وهي قراءة ستانلي كافيل حيث لاحظت لديه تفسير للملك لير وهو أن ما يحرك القصة هو تألمه من أن يراه من يحبونه على حقيقته.

س4: د. نابي بوعلي: كيف تريد ان تجعل الحب على مسافة واحدة مع العلم أن الناس مختلفين؟

 إذن، ما هو جاذبية أن تكون محبوبًا بالطريقة التي تصفها؟

ج4: علي رسول الربيعي: حسنًا أعتقد لدينا بوصفنا أشخاص في جوهرنا شيء يمكن أن يكون قوة للخير. وأعتقد أنه مهما كانت الازدواجية التي لدينا تجاه أنفسنا - وحتى إذا كنا نكره أنفسنا - فإننا ندرك أنه، في أعماقنا، يوجد شيء جيد أو خير فينا. أعتقد أيضًا أننا نريد أن يرى الآخرون الخير فينا وأن نفكر في ذلك على أنه أنفسنا الحقيقية. إن ذاتي الحقيقية هي أفضل ما لدي - هذه القوة من أجل الخير هي التي تجعلني شخصًا. ونريد الاعتراف بذلك وتقديره.

والآن، إذا كنت تعتقد أنك لا تستحق الحب لما أنت عليه حقًا فإن أشكال الحب التي تتضمن أن تكون محبوبًا أسباب خاطئة. قد تعتقد مرة هذا جيد. لكن في كثير من الأحيان، عندما يحبك شخص ما لأنك لست أنت في الحقيقة، فأنت تريد أن تحرره من وهمه وتنأى بنفسك عن رأيه، لأنك تعتقد، هناك أسباب أخرى وجيهة تمامًا لمحبتك، لأنه يوجد في داخلك شيء يستحق الحب حقًا، شيء يمكن للمرء رؤيته دون اللجوء إلى الخيال.

س5: د. نابي بوعلي: كيف تحل وجهة نظرك الألغاز التي تنشأ من فكرة أننا محبوبون لكوننا قيمين بشكل فريد للشخص الذي يحبنا؟

ج5: علي رسول الربيعي: أعتقد أن التفرد ليس ما نريده حقًا - أو على الأقل، أنه يمكننا أن نشعر بالرضا عن شيء مختلف: أن تكون محبوب بوصفك شخص، هو ما ينطوي على تقييمك كغاية وأن يولي الآخرأهتمامًا بك حقًا دون النظر في البدائل. إنها إحدى تلك المواقف التي تعتقد فيها أنك تريد شيئًا معينا، وتحصل على شيء آخر، ثم تدرك أن ما حصلت عليه هو ما كنت تريده طوال الوقت.

في البداية، تعتقد أنه لكي يتم تقييمك على أن لك خصوصية أو كانة خاصة، يجب أن تعتبر لك فرادة، ولكن بعد ذلك تدرك أنك تريد أن يتم تقييمك بطريقة غير مقارنة. والنظر في حالة التنافس بين الأشقاء التي ذكرناها في مقالنا المنشور بعنوان: "الحب مو وجهة نظر الأخلاق": ستدرك أنك لا تريد حقًا أن يتم تقديرك على أنك مختلف عن أشقائك أو أفضل منهم، فأنت تريد فقط أن تكون موضع تقدير كما انت، ايً لنفسك، دون مقارنة بالآخرين.

وكما تعلم، أعتقد أن ما يخلق المشكلة هو عدم القابلية للقياس أو المضاهات بالآخرين، أي أن الناس لديهم مفهوم خاطئ للقيمة، مفهوم تسمح فيه كل القيم بإجراء مقارنة. ولأن الناس لديهم هذه الفكرة الخاطئة عن القيمة يتم إفسادهم بطريقة معينة. اقصد طريقة التنافسية. أنهم يحاولون ربطك بهم بطرق لا ترتبط فيها بأشخاص آخرين، لأنهم يعتقدون أن حبك لهم مبني على الخصائص التي تجعلهم مميزين بالنسبة لك، مثل تاريخكم المشترك. لذلك يحاولون الحصول على أشياء مشتركة معك لا تشترك فيها مع أشخاص آخرين، ويصابون بالغيرة عندما يكون لديك أشياء مشتركة مع أشخاص آخرين. يمكن أن نقول أنهم بهذا مرتبكون.

نابي بوعليس6: د. نابي بوعلي: هل هم حقا مرتبكون؟ إذا أحببنا شخصًا لما اشتركنا معه وحده، فلن يتمكن أحد من امتلاك الخصائص التي نقدرها فيه. لذلك يمكن للتاريخ المشترك أن يجعله ذا قيمة فريدة بالنسبة لنا بطريقة من شأنها إثبات الخصائص القائمة على نموذج الحب.أنه يوضح ، على سبيل المثال، لماذا، بصفتنا عشاق، لا نهتم عادةً بـالمفاضلة، حيث لا يمكن لأي شخص آخر أن يكون لديه أكثر منا في ما نقدره في غاية أو موضوع حبنا. خذ، على سبيل المثال، نظرية الحب الموجودة في كتاب الأطفال قصة الأمير الصغير (المشهورة والطريفة والتي أتذكر قرأتها ايام كنت صبي). يحب الأمير الصغير ويهتم بوردة وحيدة تنمو بالقرب من منزله، لأنه يعتقد أنها أجمل زهرة في الكون. ومع ذلك عند مغادرته منزله، وجد حديقة فيها خمسة آلاف وردة، وكلها جميلة مثل تلك الوردة. يأتي إدراكه أن وردته ليست جميلة بشكل فريد بمثابة صدمة كبيرة له، ويواجه الأمير الصغير أزمة، ويتساءل عما إذا كان حبه لها منطقيًا. ينجح الثعلب الودود في حل أزمته بالإشارة إلى أن وردته "فريدة من نوعها في كل العالم" بسبب الوقت الذي أمضاه معها. كما يقول الأمير الصغير لخمسة آلاف وردة عند عودته إلى الحديقتة بعد درس الثعلب:

من المؤكد أن أي عابر سبيل يظن أن وردتي تشبهك تمامًا. لكنها في نفسها وحدها أهم من كل مئات الورود الأخرى منكم: لأنها هي التي سقيتها؛ لأنها هي التي وضعتها تحت الكرة الزجاجية ؛ لأنها هي التي احتميت بها خلف الشاشة لأنني قتلت اليرقات من أجلها؛ لأنها هي التي استمعت بها، عندما تذمرت ، أو تفاخرت، أو حتى في بعض الأحيان عندما لم تقل شيئًا. لأنها وردتي.

ج6: علي رسول الربيعي: حسنًا، لم أركز على أزمة الأمير الصغير- لقد كنت أتناول الأمور من منظور الوردة. أعني، كأنها تقول: "أعلم جيدًا أن هناك حديقة كاملة من الورود مثلي تمامًا. فكيف يمكن أن يحبني بالطريقة التي أريد أن أكون محبوبة فيها وأنا لست أفضل من أي وردة أخرى؟ أعتقد أن إجابة الأمير الصغير على هذا السؤال تستند إلى مفهوم أناني للغاية عن الحب، وهو مفهوم يقول للحبيب: "ما يجعلك تستحق حبي هو ما أنت عليه بالنسبة لي؛ ما كنت عليه بالنسبة لي، الدور الذي لعبته في حياتي. الإجابة الأفضل هي: "بصفتك وردة، فأنت تستحق نوعًا من التقدير وهو الأهتمام بك، ولا يقارنك بالورود الأخرى."

س7: د. نابي بوعلي: إذا لم تكن علاقات الرعاية هي أساس الحب ، فما هي الروابط بين الحب وتلك العلاقات؟

ج7: علي رسول الربيعي: من وجهة نظري، الحب هو عاطفة تتماشى عادة مع الرعاية والتعلق، لكنه يختلف عنهما. وأنه من الصحيح ، أن إحدى الطرق لرؤية الشخص بالطريقة التي أتحدث عنها هي أن تكون في علاقة رعاية معه. في مثل هذه العلاقة ترى شخصيته. غالبًا ما ينشأ الحب الذي أتحدث عنه في أوضاع علاقة الرعاية. هناك أيضًا أوقات يمكن أن تتمزق فيها علاقة راسخة بدون هذا النوع من الحب الذي أتحدث عنه. لذا فإن الحب والتعلق يسيران معًا، وفي بعض الأحيان يحتاج كل منهما إلى الآخر. لكنني لا أعتقد أن الرغبة في الحصول على علاقة رعاية أمر ضروري للحب.

س8: د. نابي بوعلي: إذا كان ما يحبه الإنسان - فقط شخصيته- يظل ثابتًا، فكيف يمكن لرأيك أن يفسر اختفاء الحب؟ لماذا يذبل الحب ويتلاشى؟ اين هم أولئك الاصدقاء الذين كانوا يكنون لنا الحب في الماضي. لماذا تغير كل شيء واصبح باهتا؟

ج8: علي رسول الربيعي: إن هذا له علاقة بصعوبة رؤية الشخص بالطريقة المطلوبة لحبه، أيً حتى نحبه. هناك اشياء أو صفات معينة نقول إننا نحب شخصًا طبقًا لها. ولكن هذه ليست الأشياء التي نقدرها في الشخص؛ ونحبه من خلال تلك الأشياء. على الرغم من أن ما يقدره الناس فيك حقًا لا يتغير، فإن الأشياء التي يرى الناس هذه القيمة يمكن أن تتغير. حتى يتوقف الناس عن حبك. وذلك لأن تقديمك لذاتك لم يعد يُظهر لهم ما يقدرونه فيك.

س9: د. نابي بوعلي: ليست هذه هي الطريقة التي قد يصفها الشخص الذي يقع خارج الحب. كيف تتصور حالة شخص خارج دائرة الحب ويظل منبوذا للابد؟ أو دعنا نقول عن الشخص الذي اعتدت أن تحبه أنه أصبح شخصًا مختلفًا. عليك أن تقول له: "أنت تقول حقًا أن السمات التي رأيت من خلالها الشخص الذي تحبه، والتي من خلالها أصبحت منفتحًا عليه، قد تغيرت. ولكن ما تقدره فيه لم يكن كذلك. لكنني أعتقد أنه يمكن أن يرد: "لا على الإطلاق. أنا أراه، بشكل جيد. أنا فقط لا أحب ما أراه بعد الآن.

ج9: علي رسول الربيعي: حسنًا ، جزء مما تصفه ليس اختفاء الحب الذي أتحدث عنه. قد تكون نهاية الارتباط أو نهاية العلاقة. وقد يتوقف الشخص عن رغبته في أن يكون مع شخص ما أو يهتم به على الرغم من أنه لا يزال يحبه. لكن رؤية شخص ما، والانفتاح عليه، أمر صعب، وما مكن المرء من القيام بذلك يمكن أن يتغير.

س10: د. نابي بوعلي: في الختام، أود أن أنتقل إلى اللغز الثاني حول الحب، فيما يتعلق بعلاقته بالأخلاق. يعتقد الكثيرون أن الأخلاق الكانطية تتطلب منا أن نتبنى وجهة نظر محايدة تمامًا عن الآخرين وأن هذا يقف في طريق حب بعض الناس بكل إخلاص. لماذا تعتقد أن هذا المنظور لفكر كانط خاطئ؟

ج10: علي رسول الربيعي: أعتقد أن كلاً من الحب والاحترام ينطويان على الوعي بنفس القيمة، والاستجابة لها هي معاملة كل شخص على أنه غاية، وتقدير كل شخص على طبيعته، دون مقارنة بالآخرين. لذا على مستوى المواقف، احترامك للجميع لا يهدد حبك لأشخاص معينين، وحب أشخاص معينين لا يهدد الموقف الأخلاقي المتمثل في الاحترام الذي يجب عليك للجميع.

لذا فإن الحب والاحترام الأخلاقي للناس يدعم كل منهما الآخر. تجربة الحب هي تجربة تنمي الإحساس الأخلاقي. وإذا كانت لديك وجهة نظر عن الحب تكون معادية للأخلاق، فسيصبح هذا لغزًا كاملاً: كيف يمكن أن يكون الأشخاص المحرومون من حب عائلاتهم هم الذين ينتهي بهم الأمر الى ضعف أخلاقي، والأشخاص الذين نشأوا في أسر محبة يميلون إلى أن يكونوا هم الذين يتمتعون بنواة أخلاقية قوية؟ الحب هو التربية الأخلاقية. أنت بحاجة إلى وجهة نظر تفسر ذلك، ويجب أن تكون وجهة نظر يكون فيها هذان الموقفان داعمين لبعضهما البعض، وليس تقويضًا لبعضهما البعض.

 

حاوره: ا. د. نابي بوعلي

.................................

* الصورة الأولى للاستاذ الدكتور علي رسول الربيعي

* الصورة الثاني للاستاذ الدكتور نابي بوعلي

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم