صحيفة المثقف

جيل الركود الثقافى

عبد السلام فاروقربما آن الأوان أن نعترف بواقع الأمر .. واقع الثقافة اليوم.

ما نمر به ليس أزمة عابرة، ولا هو حالة أو ظاهرة وقتية عرَضية قد تذهب بذهاب أسبابها، إننا أمام وضع سيئ متفاقم منذ عقود، وقد تحول الآن إلى شكل متكلس متيبس جامد لا حياة فيه، كأن الثقافة تحولت إلى مومياء محنطة لا تصلح حتى لمجرد العرض المتحفى.

بماذا أبدأ؟ بأروقة المؤسسات الثقافية التى باتت كالدواوين الحكومية ذات الأداء الروتينى الفاتر البطئ إلى حد مثير للنوم؟ أم بأداء وظيفى ثقافى خالى من أى حماس أو رغبة أو طموح لأى شئ لأنه بالفعل لا ينتظر سوى راتب شهرى ثابت يتم إعطاؤه مقابل اللاشئ الكبير الذى يقوم به موظفون لا يفعلون إلا بضع حركات روتينية يومية كأنهم آلات علاها الصدأ وتسرب منها زيت الحركة.

الأمر جد خطير. والمدهش أن الثقافة لا بواكىَ لها ولا يرى أحد فيها شيئاً يستحق الإنقاذ! رغم أن الثقافة هى كل شئ جميل فينا: التراث والفنون والآداب بل هى حياتنا اليومية ذاتها بكل ما فيها من مأكول وملبوس ومحسوس. الثقافة هويتنا التى نتهرب من الاعتراف بها أو فهم حقيقتها وجوهرها.

إننا حقاً أمام جيل كامل لا يمكن أن يذكره تاريخ الثقافة بخير إذا ظل على ركوده وإصراره على هذا الركود والكساد والفتور. أدخل أى مركز شباب أو قصر ثقافة فى أى مكان فى أى وقت يعجبك وصف الوضع الذى تراه ولن يسرك. لقد أدهشنى ما سمعته سابقاً من أحد مسئولى قصور الثقافة متفاخراً بأنه متواضع إلى حد التجول فى أنحاء الصعيد ومجالسة شعراء ومدّاحى المقاهى، فقال لرواد المقهى من مثقفى شعب الصعيد: لو أنكم جلستم نفس الجلسة فى قصر الثقافة ألم يكن أنفع وأجدى؟ فسألوه فى استنكار: أتقصد ذلك المبنى البعيد المظلم؟ المقهى بالتأكيد أفضل.

ماذا يُنتظَر من مثقفين ومسئولين لا يستطيعوا مجرد الترويج لبضاعتهم الكاسدة؟! ربما تندهش أو تنزعج إذا حانت منك نظرة سريعة لمخازن الكتب فى مؤسساتنا الثقافية، وتتساءل عن تلك السياسة التحريرية التى تدفع بالمطابع لنشر كتب لا تُقرأ رغم أنها تباع بأسعار رمزية، أى بالخسارة . ورغم هذا تظل تعود للمخازن فى كل نوبة عرض. إنه إصرار على الخسارة وإهدار المال العام. لا أدرى ما يُفعل بآلاف الأطنان من أوراق تحبرها المطابع وتكدسها فى المخازن ثم لا يغدو لها نفع سوى أن تُشوَى فى مدافئ المسئولين عن تلك الكوارث الاقتصادية والمعرفية.

هل حقاً عدمنا الإبداع والمبدعين؟ قطعاً لا . لكننا عدمنا الضمير والطموح. إنها أزمة مسئولية لا يريد أحد أن يتقدم لإنقاذها أو أخذها على محمل الجد.

دعك من الفعاليات السنوية المعتادة كالمهرجانات والمؤتمرات والندوات والمسابقات، كلها أنشطة تأتى وتذهب دون أن تقدم ولا تؤخر. إنها ميزانيات مقررة يتم وضعها فى إطارها المرسوم سلفاً للإيحاء بنشاط ثقافى زائف لا يسمن ولا يغنى من جوع . الشعب جائع للكلمة الحقيقية التى تواسيه وتمسح أوجاعه. للفن الراقى الجميل الذى يزيل آثار القبح والحزن والألم. جائع للتعبير عن همومه بفنون تراثية اندثرت أو كادت تندثر بموت مبدعيها من فنانى الشعب البسطاء كمداً وقهراً.

إننى أشفق على هذا الجيل سيئ الحظ . وربما كان الأمل معقود على الجيل القادم؟ فهل سيكون القادم أفضل مما سبق؟ أتمنى هذا.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم