صحيفة المثقف

بين التراث الشعبي والشخصية الأدبية

يسري عبد الغنييدخل التراث الشعبي برمته في مضمون الإبداع الأدبي بشكل غير مباشر، وبدرجات متفاوتة من أديب لأخر، ولأنه يدخل كمكون مباشر من مكونات الشخصية الأدبية، فلا يمكن لأديب أن يغفله، أو يتغاضى عن أثره المباشر في نتاجه الفني أو الإبداعي .

والاختلاف بين الأدباء من هذه الزاوية لا يبدو إلا من خلال اكتشاف نوعية توجهاتهم نحو التراث الشعبي يستلهمونه، وهنا فقط يبدو الأثر المباشر للتراث الشعبي كمضمون كلي يقترب منه الأديب أو يبتعد، حيث يعتمد عليه بصور متفاوتة الدرجة، وبوسائل مختلفة .

وموقف الشعر من التراث الأدبي يبدو كذلك متناسبًا مع موقف الأدب بصفة عامة منه، فالاقتراب من التراث الشعبي بدأ في الازدياد مع اقتراب الأدباء أنفسهم من الإنسان العادي أو فلنقل : نزولهم والتحامهم بالواقع المعاش بكل جزئياته، و يمكن لنا القول أيضًا : إن مدارس الشعر في مصر قد أخذت تبتعد عن صنع التراث الموروث منذ مدرسة الإحياء والبعث (الكلاسيكية الجديدة)، في مطلع القرن العشرين .

وعليه فقد كان من البديهي أن نجد توجه هذه المدرسة نحو التراث العربي الفصيح (في عصوره الزاهرة)، الذي كان هدفًا في المقام الأول، فمحمود سامي البارودي لم يكون قريحته الشعرية بالطريقة التقليدية التي كانت متبعة في عصره، والتي تردد فيها قواعد النحو والعروض وصور سقيمة من الشعر المسف المبتذل الملئ بأعشاب البديع والمخمسات والتضمينات الركيكة، وإنما كون الرجل قريحته بالتزود من رواية النماذج الرائعة لشعراء العربية القدماء في عصورها الزاهرة .

لقد مضى رب السيف والقلم يستظهر كل قديم راق وأصيل، مرددًا نظره فيه حتى فقه أسرار تراكيبه، وأحكم طبيعته، وأرهف ذوقه، فاستقامة له شاعريته،إذن فالتراث الفصيح كان منهل مدرسة الإحياء والبعث التي أحيت الشعر العربي من مواته، أو أيقظته من رقدته الطويلة، وظل كذلك في المدارس الأدبية الشعرية التي تأثرت بالرومانسية الإنجليزية في العصر الحديث، وكان ثلاثتهم أكثر الأدباء حرصًا على تحقيق التوازن بين القديم الوافد من التراث العربي الفصيح والجديد القادم من الغرب .

وبينما كانت مدرسة الإحياء والبعث تميل إلى الأخذ من الغرب بحذر شديد باستثناء أمير الشعراء / أحمد شوقي في مسرحه الشعري أو شعره المسرحي، ولا نصل إلى مدرسة الرومانسية المصرية المنبثقة عن مدارس سبقتها تبدأ من الإحياء والبعث، وتمر بجماعة الديوان (العقاد / وشكري / والمازني سنة 1921 )، وأبوللو (أحمد زكي أبو شادي وصحبته 1931)، حتى نجد ميزان توجهها يميل نحو الرومانسية الفرنسية، لكنها جميعًا لم تمل نحو التراث الشعبي في أية صورة، حتى مدرسة الشعر الجديد.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم