صحيفة المثقف

التأمل مفتاح العقل الباطن..

"قد تمل الجمود، وقد تمل شيئا اعتدت عليه، فلا تجعل عبادتك لله جامدة، ولاتجعلها شيئا روتينيا اعتدت على فعله، بل اجعلها طاقة روحية جبارة متحركة، تستمد منها الامل والصبر"

تضعنا الحياة احيانا كثيره في اماكن ليست لنا ولانشعر بالانتماء لها بأي حال من الاحوال ونتمنى ان يعود الزمن ادراجه الى الخلف لنبدا بداية جديدة و لنختار من جديد !لكن الزمن لن يعود بأي حال من الاحوال  وهذا لايعني ان نستسلم للاحباط،  للياس، والفشل، فهذه العوامل كفيلة بأن تقضي علينا وعلى مستقبلنا وتشل تفكيرنا..

الموضوع باختصار شديد هو الكأس الذي نصفه مملوء ونصفه الاخر فارغ، فامامك خيارين لاثالث لهما أما ان تنظر الى النصف الممتلئ وتسعى لاكماله، أو تنظر الى النصف الفارغ وتعود الى نقطة الصفر مبررا ذلك بتبريرات لااساس لها من الصحه سوى انك قد اقتنعت بمصيرك هذا وانتهى الامر..

لو نظرنا الى الشخصيات العظيمة عبر التاريخ  سواء كانوا انبياء او عظماء اوشخصيات كان لها الاثر الواضح وتركت بصمة لايستهان بها، سنرى ان معظم هوءلاء كانوا يمارسون التأمل كنوع من الفكر والتساؤل ليصلوا به الى الصفاء الروحي ..

وتتشابه كل الاديان بغض النظر عن ماهيتها انها تقوم على فكرة التامل والاصل هوتامل خلق السموات والارض ومابينهما  التي دعت الانبياء والرسل للوقوف على حقيقة خلقها وخالقها كالعبد الصالح سيدنا الخضر عليه السلام الذي كان يقضي اكثر وقته بالتامل والتعبد فاعطاه الله من العلم ماجعل نبي الله موسى يطلب منه ان يكون تلميذا له"قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمن مماعلمت رشدا"الكهف 66

وسيدنا ابراهيم عليه السلام الذي كان يقضي وقته بتامل الاجرام السماوية وروعتها"ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب"ال عمران 190

وسيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام الذي كان يتعبد ويتامل قضية الخلق في غار حراء، ويتفكر في خلق الكون العظيم

"تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا"الفرقان61

وكل الانبياء والاولياء والعلماء والصوفيين كان يتخذون التامل سبيلا للوصول الى الصفاء الروحي والسيطرة على حواسهم الداخلية  ممن اتخذوا التامل الاسلوب الامثل للحياة.. بل حتى بوذا الذي ترك حياة الترف ومارس التامل كطريقه للوصول الى الصفاء الروحي،  عن طريق العودة الى الطبيعة، وهو اعتراف ضمني بقصة الخلق على اعتبار ان الايمان بالطبيعة هواعتراف ضمني للايمان بالله.

هذا لايعني ان تقضي وقتك بالتامل ولكن ان تخصص عشرين دقيقه في اليوم تسترخي فيها وتحاول السيطرة على حواسك الداخلية..

ويمكن لاي شخص ان يتامل هذه المشاعر قد تكون نادرة بالنسبة للكثيرين ممن تتسم حياتهم بالسرعة والضغط والتشتت.يمكننا ان نتعلم كيف نسترخي لنستمتع بكل لحظة في حياتنا.

ومع ان افضل جلسات التامل ماتتم في الطبيعة لكن لاباس ان تختار مكانا هادئا ومريحا ربما كرسي في البيت اووسادة على الارض حيث يمكنك الجلوس مربع الساقين، او مسترخيا باي وضع تجده ملائما،  وحدد وقتا معينا للتامل، ينصح الخبراء ان يكون الفجر او عندما تستيقظ حيث يكون ذهنك خاليا غير مشوشا، لنتامل صلاة الفجر-  سبحان الله –"سلام هي حتى مطلع الفجر"القدر5

او قبل النوم لكي تتخلص من ضغوط اليوم كله وتنام براحة تامة.

مفهوم التامل:

التامل هوحاله تكون فيها الثقه بالنفس باعلى مستوياتها،  ويكون جسدك وعقلك في مرحلة استرخاء وتركيز اعلى..

والتامل واحد من اعظم الفنون والنعم بالحياة وعليك ان تدرك ان الانسان المتامل هو انسان قد وصل الى اعلى درجات الانسانيه فادرك معنى الحياة وادرك سر النجاة وايقن فن التعامل مع الاخرين وفن الحديث والطريق الصحيح لتحقيق الهدف وهذا مايهمنا من الموضوع هو الوصول لتحقيق الاهداف، متى شعرت اخر مرة بالصفاء الروحي والسلام الداخلي ربما اذا جلست على الشاطئ تتامل الغروب وحركة الامواج، ربما وانت تسير في القطار تتامل الاماكن والمروج الخضراء التي تمر بها .. ربما وانت في السيارة تفكر بشئ جميل بعيدا عن ضغوطات الحياة..

التامل هو التركيز على فكرة معينة او شئ واحد مهم بالنسبة اليك يجعل العقل يفكر بايجاد السبل للوصول لهذه الفكرة.يجب ان تعلم ان ليس بوسع اي شخص ان يجعلك سعيد غير نفسك، فعليك ان تكتشف سر نفسك والطريقة التي تتعامل بها مع نفسك..لن يخلصك التامل من المتاعب لكن يمكنك من التعامل معها بايجابية وبدون ان تتعرض لازمات نفسية..

لذا نجد ان التامل قديما قد اختص بالانبياء والرهبان لقدسيته ووصوله الى اعلى القيم الانسانية..

التامل له بدايه وليس له نهايه فمنذ ان نعي الحياة ونحن نتامل الاشياء مهما كانت صغيره، نتامل خلق الانسان وبقية الكائنات الاشجار،  المطر،  دورة الماء في الطبيعة،  الحشرات، النحل وكيف يصنع العسل،  النمل وطرق حياته وانتظامه، الانسان شكله، لونه، جسمه، الاجهزة المعقدة التي يتكون منها جسمه، جهاز الهضم، الدوران، الافراغ، التنفس،  الجهاز العصبي وهذا مايهمنا ومانحن بصدد البحث فيه..

والتامل هو اكتشاف ما اذا كان المخ يقوم بنشاطاته كلها وتجاربه ام لا..

فعندما تحمل المخ وتطلب منه القيام بنشاط ما فانه يقوم بتوجيهك لتبحث وتستقصي الحقائق، تدرس، تراقب تتامل لتصل الى نتائج مذهله فالموضوع اذن اخذ وعطاء، انا اعطيه المعلومات المطلوبة لانجاز عمل ما وهو يملي عليه مايجب ان اقوم به من اجل الحصول على النتيجة المرضية..

فيكون بذلك الدينمو الضخم او المولد المسؤول عن توجيهك.

فالتامل هو فن السيطرة الذاتية على الذهن والافكار وعلى تدفق الصور الذهنية او منع تدفقها او تغيير مسارها..

جمال  التامل يكمن في انك تغوص ببحر رغم عدم معرفتك السباحة لكنك ستضطر للاكتشاف من اجل الوصول الى الاعماق، هذا التامل لايمكنك ان تكتسبه من غيرك لانه في داخلك انت مفتاحه،  وانت وحدك من تملك شيفرته..

والمتامل ينظرالى الاشياء ككل بمعنى ان المتامل ينظر الى الحب على انه عاطفه تغمر الجميع دون استثناء وبذلك سيستغني عن كلمة كره..ينظر الى الجمال ككل جمال الوجه، الروح، الطبيعه بما تحوي..المطر، العصافير، الازهار، كل ماهو بديع ومن ابداع الخالق.

الطريقة الصحيحة للتامل

هناك العديد من الطرق للوصول الى عقلك الباطن، لكن التامل اكثرها بساطة ومباشرة، ياخذك التامل الى اعماق وعيك متيحا لك الدخول في حالة اقرب مايكون للحلم، حيث تصبح انماط دماغك ابطا وابطأ وأكثر تنظيما، كما ان الضجيج وثرثرات الحياة تبدا بالابتعاد..

في الحالات الطبيعية يعمل الدماغ ضمن نمط بيتا وبالتامل تتباطأ انماط دماغك وتهدأ وتنتقل اولا من الفا ثم بيتا وبالتامل العميق  ستنتقل الى دلتا وهي مرحلة الاسترخاء التام، وسنتعرف على ادوات التامل:

- التنفس العميق

ان اول خطوة بالتامل هي التنفس العميق، تبدا بالاسترخاء تقوم باطفاء اجهزة التشويش الداخلية والخارجية التي تشوش عليك، ثم تسترخي استرخاءا تاما كل حواسك مسترخية كانما قطعت الكهرباء على جميع اجهزتك فيتهيأ جسمك بذلك لاستقبال الطاقة من الكون..تاخذ نفسا عميقا قد يستغرق اربع ثوان تشعر بان بطنك قد انتفخ وان الاوكسجين قد وصل الى كل نقطة في جسمك ثم تزفره ببطئ مده تستغرق ثمان ثوان تتكر العملية عدة مرات تشعر بعدها بالدوار هذا يعني ان الاوكسجين قد تغلغل بكل خلايا جسمك..بعدها يكون جسمك قد تهيا لاستقبال الطاقه من الكون فتبدا بالتخيل.

تبدأ من أعلى منطقه في الراس تتخيل ان الطاقة تدخل من هذه المنطقه وتبدا بالمرور بدماغك عيناك، انفك، اللوزتين، القصبة الهوائية، القلب والرئتين ثم تنزل المعدة والامعاء تمربكل اجهزتك ثم ساقيك وقدميك ثم تخرج هذه الطاقه بعدما مرت بكل نقاط اومسارات الطاقه  مصطحبة معها الطاقة والشحنات السلبية الموجودة بالجسم لتطرحها خارجا..

كانك بهذه العملية تقوم بشفط الطاقة السلبية من الجسم واخراجها من الجسم كما تفعل المكنسة الكهربائية عندما تشفط الاوساخ، بعد عملية التنظيف هذه والشفط سيحل محل الطاقة السلبية طاقة ايجابية عن طريق التنفس العميق من خلال الشهيق ادخل كمية وافرة من الاوكسجين الى الجسم، استمر بالشهيق لمدة اربع ثوان حتى تشعر ان رئتيك امتلاءت بالهواء  فيقوم الاوكسجين بانعاش  خلايا الجسم لتقوم بادائها بصورة صحيحة وهكذا يكون التنفس العميق قد ادى دوره في شفط الطاقة السلبية وطرحها خارجا، عندها تكون مسارات الطاقة قد فتحت لتقوم بعملها على اتم وجه، وقد تناولت مسارات الطاقة والشاكرات في موضوع "الهايكو فن التامل".

عوامل مساعدة اخرى

من اهم العوامل المساعدة على التامل الهدوء التام والموسيقى الهادئة حتى وان كنت في مكان لايسمح بوجود الموسيقى تخيل انك تسمع مقطوعة موسيقية هادئه حالمة تنتشلك من اجواء التعب والتشويش الى جنينة خضراء لاتسمع فيها غير اصوات العصافير

ستسمع صوتك الداخلي وهو يطرب لتلك الالحان وتبدا بالاسترخاء شيئا فشيئا تشعر ان اثقالا قد ازيحت عن كاهلك بالضبط كما يفعل راكب المنطاد عندما يبدا برمي اكياس الرمل لكي يخف وزن المنطاد ويبدا بالارتفاع هذاتماما ماسيحصل لك عندما تاخذ نفسا عميقا وتزفره ببطئ كرر هذه العملية اي عملية التنفس خمس مرات في كل وضعية تامل ثم استرخي وابدا بالتفكير باشياء جميلة او هدف تنوي تحقيقه، كن واثقا عندما يستلم عقلك الباطن الامر سوف يبدا بتحليله وايجاد الحلول والسبل الناجعة لتحقيقه.

يبدو الامر وكانك تتحدث مع نفسك تسال وتجيب وهذه حقيقه انك تتحدث مع عقلك الباطن تساله ويجيب..

ان ممارسة التامل يعمل على تنظيف العقل وفتح نوافذه ليتجدد الهواء الذي يجدد بدوره الافكار المستحدثة لاعادة برمجتها كما ويتضمن فوائد نفسية اهمها:

- التخلص من القلق والتوترو الضغوط النفسية المتراكمة التي تؤدي الى حدوث خلل وتشويش وعجز في التفكير.

- اكتساب مهارات للتعامل مع الامور المعقدة وايجاد الحلول الناجعة لها بكل هدوء.

- زيادة الادراك والوعي الذاتي للنفس.

- اعادة برمجة العقل الباطن من خلال تزويده ببيانات جديدة.

- زيادة مهارات التخيل العميق تؤدي الى مهارات الابداع والانجاز.

- التخلص من المشاعر السلبية واحلال محلها مشاعر ايجابية قوامها البناء والاعمار.

- خلق مهارات جديدة للتعامل مع المشكلات المعقدة وحلها.

- النظر الى الامور بعمق والاهتمام بالتفاصيل مهما كانت صغيرة.

- اكتساب مهارات الصبر والاناة"طول البال" والتسامح.

- السيطرة الكاملة او شبه الكاملة على الحواس وتسخيرها لمصلحة الانسان، بدلا من العمل ضده! وتلك حقيقة فهناك بعض الناس للاسف الشديد تكون نفسه عدوه الاول لانه يستسلم لهواها فتقوده الى التهلكة!

- ايجاد سبلا وطرقا لعمل المشاريع وتسخير كل الظروف المتاحة لغرض انجاحها.

وبذلك نكون قد حققنا الهدف الذي نسعى اليه من خلال التركيز الموجه لامر ما.

فالموضوع باختصار شديد هو الكأس الذي نصفه ممتلئ ونصفه الاخر فارغ، فامامك خيارين لاثالث لهما أما ان تنظر الى النصف الممتلئ وتسعى لاكماله، أو تنظر الى النصف الفارغ وتعود الى نقطة الصفر مبررا ذلك بتبريرات لااساس لها من الصحه سوى انك قد اقتنعت بمصيرك هذا وانتهى الامر!!

من هنا نعرف ان التامل بحق هو مفتاح العقل الباطن وهو اقصر الطرق للوصول الى عقلنا الباطن هذا المنجم العظيم الذي سيفتح لنا آفاقا وجوانب من الحياة كنا غافلين عنها، وللتامل مدارس كثيرة وتتعدد التسميات والموضوع واحد، هو اكتشاف الذات والوصول الى السلام الداخلي..

بقي ان تعرف ان الاصرار  على تنفيذ امر ما يرسل رسائل الى الكون لغرض تنفيذها وذلك تماما مايتضمنه موضوع الدعاء الذي يلح الانسان بطلبه من الله ليجد استجابة له ولو بعد حين..

يقول ابراهيم الفقي"ان تدرك كيف تفكر هذا بداية التغيير"

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم