صحيفة المثقف

لغتنا العربية ومنتجنا الثقافي

يسري عبد الغنياللغة هي وعاء الفكر ووسيلة الاتصال والتفاهم، وهي أداة نقل المعارف والعلوم من جيل إلى جيل، وهي محور أساسي في بناء الإنسان بكل جوانبه، فهي ليست بشرية بما تشتمل عليه من حركات وسكنات تظهر الأصوات التي تنبس بها الشفاه وتدوي بها القلوب والحناجر، واللغة العربية لغتنا الجميلة تمر بعصور قوة وضعف .

ومن أسباب ضعفها في العصر الذي نحياه، عدم وجود منتج ثقافي أو علمي قوي باللغة العربية، فينبغي الالتزام بجعلها لغة العلم والتعليم في جميع المراحل الدراسية، وفي شتى مجالات المعرفة والفكر كي تصبح الجميلة لغة المعرفة العلمية والبحث العلمي والتقنية الحديثة في جميع مجالات العلوم و الفنون والآداب .

وكذلك الاستعمار الذي كان وراء تخلينا عن التعليم بلغتنا العربية، إلى لغات أخرى، لأنه أدرك مبكرًا أن اللغة العربية هي روح الأمة الإسلامية وسلاحها للحفاظ على هويتها ورمز وحدتها وبقائها، فسعى إلى طمسها بناءً على خطة محكمة نجح فيها إلى حد كبير، وكانت ترمي إلى : تقديم اللغات الأجنبية على اللغة العربية في بلادنا، وتقديم اللهجات واللغات المحلية على العربية، والدعوة إلى كتابة العربية بحروف لاتينية كما حدث في تركيا، وابتعاث أبناء المسلمين إلى الغرب لدراسة لغاته وعودتهم وهم في حالة إنكار عظيم للغتهم وتراثهم .

نضيف إلى ذلك إثارة الشبهات حول اللغة العربية للقضاء عليها عن طريق : تطوير الفصحى من وجهة نظرهم حتى تقترب من العامية عن طريق سيطرة وعمومية اللغة العامية أي ثنائية اللغة، مما يعني التحلل من الأصول والقواعد التي صانت لغتنا الجميلة خلال خمسة عشر قرنًا من الزمان .

أيضًا الدعوة إلى ما يسمى بشعر أو أدب الحداثة، والدعوة إلى كتابة العربية بأحرف لاتينية، وتطبيق مناهج اللغة الأوربية في التدريس، ودراسة اللهجات العامية لصرف النظر عن علاقة اللغة بالدين لهدم الهوية العربية .

وننبه إلى ضعف مستوى الطلاب في اللغة العربية، ومن أسباب ذلك : إن معلم اللغة العربية ضعف مستواه نتيجة لضعف إعداده المهني، وازدواج العربية الفصحى في حصص اللغة العربية واللغة العامية كلغة تخاطب في الشارع والمنزل ووسائل الإعلام، وافتقار كتب القراءة إلى التدرج اللغوي، والتخطيط السليم لها حتى ينتقل فيها التعليم من الخطوة الأولى إلى التي تليها، ناهيك عن وسائل الإعلام وما تقدمه صباح مساء من مواد يسيطر عليها السوقية والابتذال، بل السخرية والاستهزاء من لغتنا الجميلة التي هي تعني هويتنا ووجودنا .

ونشير إلى عدم توافر معجم لغوي حديث لأي مرحلة من مراحل التعليم، وقلة أو ندرة توافر مواد القراءة الحرة للطالب في مختلف المراحل التعليمية، وازدحام مناهج النحو بكثير من القواعد مع صعوبتها، واضطراب المستوى اللغوي بما فيها كتب اللغة العربية في المراحل الدراسية المختلفة، وقلة اهتمام مدرسي اللغة العربية والمواد الأخرى باستخدام الفصحى أو على أقل تقدير الفصعامية في التدريس، وقلة استخدام الوسائل والمعينات التعليمية الحديثة في تعليم اللغة العربية، مع قلة اهتمامنا بدراسة التراث العربي دراسة أصيلة في فروع اللغة والأدب والنقد والبلاغة .

إننا إذ نطالب بضرورة الاهتمام بلغتنا العربية الجميلة فإننا في نفس الوقت نطالب بالحفاظ على الهوية والانتماء وحب الأوطان، وبدون هذا لن يكون لدينا ترجمة جادة لنقل العلوم الحديثة، ولن يكون لدينا أي نوع من أنواع التواصل الثقافي والاجتماعي، في نفس الوقت الذي سنعجز فيه عن قراءة التراث و الأدب القديم حتى نجعله نبراسًا لكل ما هو جديد، ولن نتمكن من تقديم كتابات أدبية حقيقية تمزج بين الأصالة والمعاصرة، استشرافًا لحاضر أفضل وأحسن يبعدنا عن التغريب، ويقينا شر طوفان العولمة الذي يبغي تفككنا وتشرذمنا وإزالتنا من على خريطة العالم عن طريق تطاحننا وتعاركنا .

اللغة العربية الجميلة في حاجة منا إلى تضافر جميع الجهود المجتمعية، فمن العار كل العار ونحن في القرن الواحد والعشرين، ويكون لدينا هذا الكم الكبير من الأمية بأنواعها المختلفة، واعتقد أن أميتنا بلغتنا العربية عار عظيم علينا يجب أن نتخلص منه .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم