صحيفة المثقف

ضرورة حماية المرجعية من بعض أبناء المراجع

سليم الحسنيلولا المرجعية لانهار الوجود الشيعي بأضعف ضربة.. هذه حقيقة أؤمن بها، وقد كتبتها في مقدمة كتابي (المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية) وكررتها أكثر من مرة في عدد من المقالات.

كانت المرجعية وستبقى هي قلعة الشيعة الأولى وسورهم المتقدم، وهذا ما جعل أعداء التشيع والدوائر الاستعمارية والأنظمة القمعية، تبحث عن ثغرة لتضعف هذه القلعة العالية.

لقد أثبت الشيعة إخلاصهم لمراجعهم، التزموا بتوجيهاتهم وعملوا بفتاواهم وحفظوا مكانتهم، وكانوا في الظروف الصعبة يلوذون بهم يطلبون الرأي والتوجيه، الى جانب التزامهم في دفع الحقوق الشرعية التي تمثل المصدر الأهم لشؤون المراجع الشخصية والعامة.

لكن المنطقة الرخوة في الجهاز المرجعي، كانت في فئة الأبناء. فقد كانت هذه الفئة تحاول ـ بشكل عام ـ الاستحواذ على نقاط القوة في المرجعية، وقد نجحت بسهولة باستغلال العاطفة الساذجة عند عموم الشيعة، فأكسب الابن نفسه صفة والده المرجع من خلال العلاقات والهيمنة على شؤون مرجعيته التنفيذية.

لقد تعاظم دور فئة الأبناء في العقود الأخيرة، بحيث صار قسماً منهم هم واجهة المرجع البارزة على الساحة، وهي ظاهرة لم تكن سابقاً بهذه الدرجة من الظهور.

 فمثلاً كان الشيخ محمد كاظم الخراساني (صاحب الكفاية) يتولى شؤون مرجعيته العريضة بنفسه، وكان معروفاً بكثرة طلبته فقد كانوا بالمئات، وتخرج عليه عشرات المجتهدين وكبار فقهاء الشيعة ومراجعهم، مثل الشيخ حسين النائيني والسيد محمد سعيد الحبوبي والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين العاملي والسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي وغيرهم.

وكانت حياته مليئة بالأحداث الكبيرة التي تصدى لها بشخصه مباشرة، وكان أبناؤه يبتعدون عن التدخل بشؤون قيادته العلمية وزعامته الميدانية وحركته السياسية التي صنعت أحداثاً كبيرة منها فرض النظام الدستوري في إيران أوائل القرن العشرين، وفتاوى الجهاد التي أصدرها ضد الاحتلال الروسي لشمال إيران، واجبرته على الانسحاب، وغير ذلك من المواقف التي تصدى فيها لقضايا المسلمين.

وتكثر الشواهد حول ابتعاد أبناء المراجع في الفترات السابقة عن التدخل بشؤون آبائهم العامة، كما كان واضحاً على عهد الشيخ النائيني والميرزا الخليلي والميرزا الشيرازي والشيخ كاشف الغطاء، فقد كانوا يعقدون الاجتماعات مع رجال السياسة ووجهاء البلاد ورؤساء العشائر وفي تلك الاجتماعات تتم صناعة قرارات مهمة.

لكن في العقود المتأخرة استولى الكثير من أبناء المراجع على مقدرات المرجعية وشؤونها، فأبعدوا المرجع عن الأمة، وصاروا هم البديل الميداني، يصنعون القرار ويوجهون الرأي، يبعدون من يريدون ويقربون من يشاؤون. وكثيراً ما تكون حركتهم خاضعة لحسابات شخصية حول مرحلة ما بعد المرجع الوالد.

وقد خرج عن هذا الجو، السيد الخميني مع أنه حظي بقوتين كبيرتين هما المرجعية العريضة على إيران وخارجها، وكذلك زعامته العليا للدولة، وسط مشاعر التقديس التي يندر أن تتكرر لغيره، ورغم ذلك فقد كان نجله المرحوم السيد أحمد الخميني يعرف دوره المحدود فلا يتجاوزه، كما أن الامام الخميني رفض بشدة طلبات الجماهير الإيرانية في تعيين ابنه لمواقع قيادية عليا في الدولة، كما أنه كتب في وصيته ممتلكاته البسيطة جداً وتشمل مجموعة كتب وسجادتين، وكتب أيضا أن لا أحد يمثله ولا يأخذوا كلام أحد لتزكية شخص إلا ما كان بقلمه.

إن الجزء الكبير من المسؤولية يقع على عاتق الشيعة في الحفاظ على مكانة مراجعهم وحماية المرجعية من الضعف، بأن يفصلوا بين الأب والابن، فالمرجعية هي المقام المقدس، أما الأبناء فهم خارج هذه القداسة، وقد يكون وكيلاً من وكلاء المرجع أفضل من أبنائه بكثير.

إن أكبر عملية إضعاف وتشويه لمقام المرجعية الشيعية، عندما يحاول البعض إعطاء ابن المرجع مكانة المرجع نفسه، وهذا ما يحدث مع الأسف حالياً، حيث يحاول هؤلاء إيهام بسطاء الشيعة بأن منزلة ابن المرجع بعيدة عن النقد وإبداء الملاحظات، بل نجد أن الترويج لفكرة التوريث قد بدأت تظهر في الواقع الشيعي.

 

سليم الحسني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم