صحيفة المثقف

الاستشراق الإيجابي.. محاولة للفهم الصحيح

يسري عبد الغنيالتعريف والبداية: المستشرقون جماعة من علماء الغرب تخصصوا في دراسة لغات الشرق، وعنوا بالبحث في دياناته وتاريخه وتراثه .

وقد بدأ الأوربيون يهتمون بدراسة اللغة العربية وآدابها وعلومها منذ القرن العاشر الميلادي قبل عصر النهضة الأوربية، وكان اهتمامهم في بداية الأمر منصرفاً لنقل العلوم والفلسفة، ثم زادت حركة الاستشراق لأسباب دينية .

وفي القرن التاسع عشر الميلادي قويت حركة الاستشراق بسبب اهتمام الحكومات الغربية بإنشاء مدارس لتعليم لغات الشرق، وفهم مزاجه، وعقليته، ليسهل عليهم حكم المستعمرات بإرسال العارفين بلغاتها، والمطلعين على تاريخها ودياناتها وأحوالها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

ومع أفول شمس التبشير الديني والاستعمار العسكري تطورت حركة الاستشراق، فاتجهت إلى تدعيم الاتصال الفكري بين الشرق والغرب، وتخلص بعض علمائها من التوجيه الاستعماري، فأخلصوا في بحوثهم لخدمة العلم والتاريخ .

نشاط الاستشراق والمستشرقين:

وقد ظهر نشاط الاستشراق والمستشرقين في صور متعددة، نذكر منها ما يلي:

1 - جمع ذخائر المحفوظات الشرقية، وقد بدأت حركة الجمع هذه تحت إشراف الكنيسة ووزارات الاستعمار، ثم تولتها مراكز الاستشراق، وأكثر هذه الذخائر قد عبر إلى الغرب عن طريق تركيا والأندلس وصقلية، ولا نكاد نحصي ملايين الذخائر التي تمتلئ بها خزائن المخطوطات في المكتبات الغربية .

2- الجمعيات ومعاهد الاستشراق، ومن أشهرها الجمعية الملكية الآسيوية في لندن العاصمة البريطانية، والتي تأسست سنة 1723 م، والجمعية الآسيوية في باريس العاصمة الفرنسية، والتي تأسست سنة 1820 م، نضيف إلى ذلك معاهد الاستشراق ومراكزه المختلفة في : روما، وصقلية (في إيطاليا)، ومدريد الأسبانية، وليدن الهولندية، وموسكو، وليننجراد، وطشقند (بالاتحاد السوفيتي السابق)، وتعنى بنشر بحوث المستشرقين وطبع ما يحققونه من ذخائر التراث الشرقي .

3 ـ وللمستشرقين مؤتمر دولي يلتقي فيه علماؤهم من شتى أنحاء العالم، ليتابعوا الجديد في ميدان الدراسات الشرقية، ويدعى إليه المشتغلون بهذه الدراسات من علماء الشرق، ونذكر هنا أن مؤتمرهم هذا عقد دورته الأولى في باريس سنة 1873 م، ثم تتابعت دوراته حتى بلغت 27 دورة سنة 1967 م (وهو لا يعقد الآن بشكل منتظم)، ونذكر أيضاً أن دورات هذا المؤتمر عقدت كلها في بلاد ومدن أوربية، فيما عدا الدورة الرابعة عشرة التي عقدت في الجزائر العاصمة سنة 1905 م، والدورة الثانية والعشرين التي عقدت في استانبول التركية سنة 1951 م، والدورة السادسة والعشرين التي عقدت في نيودلهي العاصمة الهندية سنة 1964 م، والدورة السابعة والعشرين التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1967 م .

أشهر رجالهم:

ومن أشهر المستشرقين: دي ساسي، وماسينون، وبروفنال، وفياران (من فرنسا) - مرجليوث، وجب، ونيكلسون (من بريطانيا) - إماري، وجويدي، وناللينو، وديلافيد، وريتشانو (من إيطاليا) - بروكلمان، ونولدكه، وليتمان (من ألمانيا) - كراتشكوفسيكي، وبيلييايف، وخالدوف، وغفوروف، وشرياتوف، وبلجاكوف، وشوموفسكي (من الاتحاد السوفيتي السابق) - جولد زيهر (من المجر) - جروهمان (من تشيكوسلوفاكيا السابقة) .. وغيرهم .. وغيرهم ..

دائرة المعارف وتدريسهم في جامعاتنا:

ومن أعمالهم المشهورة تأليف (دائرة المعارف الإسلامية)، وقد بدءوا في نشرها سنة 1908 م، وتعاونوا على إخراجها، وكتب كل واحد في المادة التي تخصص فيها، وأتقن دراستها، وذيلها بأهم المراجع والمصادر التي يمكن للقارئ أو الباحث أن يعود إليها للمزيد من الفائدة أو التوسع .

وقد استعانت بلادنا العربية والإسلامية بالمستشرقين في الجامعات عند إنشائها، ولا يزالون يندبون بين الحين والحين للتدريس أو المحاضرة أو حضور المؤتمرات والمنتديات العلمية والأدبية فيما تخصصوا فيه، فكان لهم الأثر الكبير في توجيه الدراسات الجامعية نحو الاستقرار النسبي، ودقة التناول، وسعة الأفق، كما أننا نذكر أن على أيديهم تتلمذت طائفة كبيرة من أساتذة الجامعات العربية والإسلامية، وغيرهم من المشتغلين بالدراسات العلمية والأدبية المختلفة .

رغم سقطاتهم لا يصح أن نجحد فضلهم:

ومهما يكن من سقطاتهم، وعثراتهم، وتعصب بعضهم، ومحاولة البعض منهم دس السم في العسل، مهما يكن فليس من الإنصاف أن نجحد فضلهم فيما استنقذوا من تراثنا العربي الإسلامي المضيع، وما نشروه من ذخائر تراثنا، أيام كنا في غفلة عن هذا التراث القيم، ولعله هم الذين لفتوا أنظارنا إلى قيمة هذا التراث، فبدأنا مع يقظة الوعي القومي نشعر بحاجتنا الماسة إليه، وواجبنا نحوه، ثم قوية الدعوة إلى الاضطلاع بأمانته والوفاء بحقه، وذلك عن طريق حماية ما بقي لدينا، وتصوير ما في مكتبات العالم من هذا التراث، وتنسيق الجهود لخدمته ونشره وفق منهج علمي سليم .

والله ولي التوفيق،،،

 

بقلم/ د.يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم