صحيفة المثقف

ماهية ديناميات العقلية المصرية (1)

احمد عزت سليمتوالدت وانخلقت وتأسست مكونات وآليات ماهية ديناميات العقلية المصرية عبر تاريخها الطويل وبمقدراتها على الاستيعاب العميق التاريخى والاجتماعى للإنسان / الوطن / المجتمع والذى تم تشكيلها من خلاله وبما يصعب معه تفكيك وفك الارتباط فيما بينها وبما شكلته من سلطة متكاملة دينامية حافظت على ماهيتها ومع التطورات التى لحقتها مع تطور المجتمع .

1ــ سلطة الحضور الميتافيزيقى:

وهو ما يشكل سلطة للمطلقات الدينية التى تشكل وتؤسس وتؤثر وصولا إلى الهيمنة والسيطرة على القرارات الإنسان ورؤيته وتصوراته ومواقفه وعلاقاته وبما يحق التوافق والانسجام والوحدة ووصولا إلى الخضوع والتبعية والانقياد مع تشكيلات البناء الاجتماعى رأسيا وأفقيا أو الاختلاف مع المغاير لهذه المطلقات الدينية واستبعادها، وبما يفسر ويدعم آليات الاستبداد واللاعقلانية وسيطرة سلطة المطلق الدينى الميتافيزيقى على الحياة المادية، ورغم سيادة هذه السلطة فى المجتمع المصرى وتمسك المواطن بها ومنذ إيمانه بالديانات الفرعونية والسماوية وعبر العصور العميقة الممتدة إلا أنها لم تستطع تغيير الكثير من مظاهر الحياة المصرية فمازال الكثير من المصريين يؤدون صلاتهم وفرائض الديانة ويثورن من أجلها بقوة شديدة إذا تم إهانتها، حيث يقومون بالجلوس على المقاهى وشرب الشيشة والجوزا ويعودون للمسجد لأداء الصلاة ودفع الزكاة ويصمون رمضان وبعد الإفطار يعادون للجلوس على المقاهى ثم يعاودون الصلاة مع كل آذان، ولم تفلح فى التسعينات محاولات بعض الجماعات الإسلامية من منع المواطنين من الجلوس على المقاهى ومنعهم من شرب الجوزا وقام رواد المقاهى بضربهم وطردهم (حدث ذلك فى العديد من المدن المصرية وشاهد المؤلف ماحدث فى مدينة المحلة الكبرى فى أوائل التسعينات)، وتعرضت هذه السلطة للاهتزاز مع قيام السلطات الحاكمة ياستخدامها فى تبرير سياستها التعسفية والقهرية ضد المواطن ومع تصاعد القوى الرأسمالية التى ترفع شعارات دينية ومحاولات سيطرتهما على مقدرات المواطن والوطن وتغييب عقله النقدى وإقصاء إعمال العقل والعلم ووصولا إلى حق امتلاك المطلق الدينى من أجل الهيمنة واستهداف تفكيك المجتمع المصرى بالصراع الدينى، وتمسك المواطن المصرى بقوة بسلطة التسامح الدينى الذى تفرضه ديناميات السلطة الدينية بعمقها التاريخى المصرى وقام المصرى أيا كانت ديانته بحماية الكنائس فى أوقات تعرض المجتمع المصرى للمخططات التفكيك فى أعقاب ثورة 25 يناير وإعلن المسيحى أن الكنائس كلها فداء لمصر بعد تعرض العديد من الكنائس للحرق من قبل الجماعات التكفيرية (تصريح قداسة الأنبا تواضراس فى تعرض العديد من الكنائس فى صعيد مصر للحرق) وحافظ المصرى على وحدة الوجود، ورفض تفكيك وتفتيت وهدم الوجود المصرى .

ومن منطلق ديناميات السلطة الدينية بعمقها التاريخى المصرى والذى ميزها بخصوصية ترفض تسييد احتكار فئة معينة للماهية الدينية وتفرض عليه السمع والطاعة العمياء ومحو خصوصيته الإنسانية والفردية وبمضامينها العملية المتعالية عليه وتكريس الهيمنة عليه والتسلط تحت إدعاءات امتلاكها للمرجعية الدينية وللمطلق الدينى والعودة به إلى نموذج ماضوى لتفرضه عليه وتفرض من خلاله العداء لكل من يخالفه وصولا إلى تكفيره الصريح، وكما رفض المصرى تحويل النصوص المقدسة إلى آلية أحادية تقهره وتقمعه وتتعالى عليه حيث اعتبرها المصرى طوال تاريخه دافعا للمقاومة وأن سلطة دينامياتها الموروثه لم تمنعه أبدا من ممارسته الحياتية اليومية وعبر تطوره التاريخى الممتد آلاف السنين ...

ومن هذه الخاصية لم تكن هناك ــ كما يدعى البعض ــ صدمة حضارية مدمرة نتيجة للتطورات الحداثية وما بعد الحداثية التى شهداها العالم فالعقل المصرى الذى رفض الأدلجة والتماهى مع التغييب الذى تستخدمه السلطة بكل تنوعاتها، استطاع أن يتعايش مع كل التطورات التقنية ونتائجها وفاعلياتها وآلياتها ولنرى الآن بائع الفاكهة على العربة الكارو بثقافته المصرية وبائعة الخضروات فى السوق يتعايش معهم الآى باد كما يتعايش معه أصاحب السيارات الفاخرة ، بل واستوعبت لغته المفردات الحداثية وألـ ما بعد الحداثية فأصبحت كلمات أجنبية كلمات عربية باعتبار " قانون اعتبار الحال " فصارت مفردات مثل -على سبيل المثال لا الحصر - الكمبيوتر والتلفزيون والآى باد وكاريزما وأمبول وفون مفردات عربية بـ " قانون اعتبار الحال " .

 

أحمدعزت سليم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم