صحيفة المثقف

مصر على طريق التحول الرقمي

قاسم المحبشيأول مؤتمر دولي عربي للتعليم الالكتروني

أنها أم الدنيا التي مابرحت تعانق السماء وتتطلع الى الفضاء منذ أقدم العصور. فحينما كانت شعوب الدنيا تعبد الأصنام والأوثان الحجرية والتمرية والأشجار والحيوانات الطوطمية كانت أم الدنيا تتطلع الى الاعلى حيث كانت الآلهة التي تؤمن بها تقع فوق فلك القمر ؛ السماء - آلهة الشمس - آلهة الزرع - الآلهة الحيوانية. وحينما كان أهل الأرض قاطبة يحفرون الترب لدفن موتاهم وملوكهم كانت مصر الفرعونية تشيد الاهرامات العالية قبورا للملوك والملكات. وفي القاهرة أكبر العواصم العربية مساحة واكثفها سكانيا على مستوى العالم كله يمكن مشاهدة ثقافة الهمة العالية الراسخة في وجدان المجتمع المصري شاخصة في فنها المعماري الزاخر بالبروج الشاهقة. وفي مصر لا بغيرها شيّد السد العالي. وهكذا دائما يبدأ الإبداع لا من اللحم والدم ولا من العقل والوجدان، بل من المكان، والزمان من الفضاءات الحميمة التي تحتضن الكائن؛ المنزل، الشارع، الحي، البلدة، المدينة، الأرض، السماء، المناخ الليالي الأيام، النجوم الغيوم، المطر، الشمس، القمر، الشجر، البحر، الموج، النهر، الجداول الرمال، الجبال، الوديان، الحيوان، الأنوار، الظلال، الأشكال والألوان، الغناء، الرقص، النحت، الرسم، الأزياء، الألعاب، العصافير، الأعشاش، الافراح، الاتراح، الألآم والآمال والأحلام. الخ وكل تلك الأشياء الصغيرة الحميمة المؤطرة في السياق الحي الفوري المباشر لكينونة الكائن التي يعيشها متدفقة لحظة بلحظة من حياته. تلك الاشياء الصغيرة بتفاصيلها الحميمة التي تظل عصية عن النسيان هي التي يستلهمها الإنسان، المفكر، الفنان، ويعيد صيغتها إبداعيًا (فكرة، أغنية أو قصيدة أو قصة أو رواية أو لوحة تشكيلة فنية جميلة أو سيرة ذاتية أو رؤية فلسفية أو هرم أو برج أو عمارة .الخ) أنها أغنية الأرض المنتزعة من أرضها رمزيًا بما تحمله من رسالة جمالية ذات دلالات ومعاني سيكولوجية وميتافيزيقية واجتماعية ثقافية وجمالية إنسانية سامية تهذب الأذواق والنفوس، والفنان لا يأتي المعجزات؛ بل هو ابن بيئته وربيب زمانه. وتمنحه موهبته المرهفة القدرة على إعادة صياغة الحياة في قالب فني يسر النظر، ويطرب السمع، ويبعث الشعور بالمتعة والفرح والجمال. من تلك العقيدة الثاوية في قلب أم الدنيا، العقيدة؛ المتمثلة برغبة العلو والتجاوز والصعود إلى السماء يمكن لنا فهم الدلالات الرمزية لعملية إطلاق مصر للقمر الصناعي "طيبة-1" الذي يعد الأول الذي تطلقه البلاد في مجال الاتصالات. ومن قاعدة في جزيرة غويانا الفرنسية، انطلق الصاروخ التابع لشركة آريان سبيس الأوروبية حاملا القمر الصناعي المصري صوب الموقع المدارى 35.5 درجة شرقا.ومن المفترض أن يظل "طيبة-1"، الذي أنتجته شركتا إيرباص وتاليس ألينا سبي. ذلك الإطلاق المصري الناجح للقمر الصناعي الذي احتفاء به كل المصريين والعرب المحبين لمصر بفرح غامر. إذ لمست ذلك بنفسي عند الرأي العام المصري والعرب المقيمين.

تداعت هذه الصورة إلى ذهني منتصف نهار أمس الاثنين الموافق ٢١ ديسمبر ٢٠٢٠م في قاعة الموتمرات بأكاديمية أنتصار أكتوبر للثقافة والتدريب والتنمية إذ كنت مدعوا لقراءة ملخص بحثي المشارك في المؤتمر الدولي الأول للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد. بعنوان؛ الثورة المعلوماتية والتعليم الالكتروني؛ التحدي والاستجابة.

اليكم ملخصها: يعد التعليم الالكتروني أحد نتائج الثورة المعلوماتية التي تميزت بها موجة الحضارة الإنسانية الراهنة؛ حضارة انتصار المعرفة بما تشتمل عليه من بيانات، ومعلومات، وإعلام، وصور، ورموز، وثقافة، وأيديولوجية، وقيم وفاعلين وأفعال وتفاعلات وصراعات بحسب اولفين توفلر. الذي يرى أن المعرفة بهذا المعنى الواسع هي " البديل الجوهري " عن القوة الطبيعية الممثلة في الأرض التي سادت في الحضارة الزراعية، وعن القوة الصناعية الممثلة في المصنع التي سادت حضارتي الموجتين الأولى والثانية. إذ أن كل الأنظمة الاقتصادية اليوم تقوم على أساس " قاعدة معرفية (معلومات، بيانات، حسابات أرقام ... الخ ) وتعتمد المشروعات المعاصرة جميعها على الوجود المسبق لهذا المورد المعرفية المبنى مجتمعياً.

وكما استطاع اكتشاف النار أن يغير حياة الإنسان في الأزمنة القديمة، وغيّر اكتشاف البخار مسار الحضارة الحديثة، فكذلك فعل الكمبيوتر والنت في تغيير مجمل أنماط الحياة الإنسانية في الحضارة المعاصرة؛ حضارة العولمة والعلم والثورة المعلوماتية. ولدت الثورة المعلوماتية من رحم التعليم الالكتروني والتعلم عن بعد الذي أخذ يشيع اليوم في مختلف دول العالم المعولماتية . بدأت ملامح التعليم الإلكتروني بالظهور شيئًا فشيئًا مع اختراع الكمبيوتر وظهور شبكة الإنترنت التي مكَّنت ملايين المستخدمين من التواصل مع بعضهم البعض في مختلف مناحي الحياة بما في ذلك النواحي التعليمية. إن مفهوم التعليم الإلكتروني من الركائز الأساسية للحياة المعاصرة. إن التغيرات المتسارعة في مختلف مناحي حياة المجتمع اليوم تجعل مفاهيم التربية والتعليم التقليدية موضع للتساؤل: إذ كيف نعلّم التلاميذ بينما هناك نظريات ومناهج وموضوعات يكون قد عفا عليها الزمن قبل أن يترك التلاميذ مقاعدهم في المدرسة، إضافة إلي أننا نعيش لحظة تاريخية فارقة تجعل التغييرات في الأشخاص عاجزة عن ملاحقة سرعة التغيرات الاجتماعية والثقافية والعلمية المتسارعة في العالم المعولماتي الذي يشهد انفجار الثورة العلمية والتقنية الرقمية على نحو لم يسبق له مثيل منذ بدء الخليقة حتى الآن، واعني إن المعارف العلمية والقيم التربوية في عصر العولمة وانكماش الزمان والمكان تعيش حالة من التغيير والتبدل بوتيرة متسارعة في بضع ساعات فقط بل في جزء من الساعة . وهذا يعني إن تحديات الحياة المعاصرة لا يمكن مواجهتها إلا بالاستجابة الإيجابية الفعالة، وتلك الاستجابة لا يمكنها أن تكون إلا بتغيير جذري في أدوات ومحتويات ووسائل وطرق التربية والتعليم العتيقة. فمجتمع الغد أما أن يكون في الروضة والمدرسة والجامعة أو لا يكون. وهكذا يظل سؤال التربية الملح كما كان في كل العصور. ماذا نريد أن نكون؟ فما هو التعليم الالكتروني؟ وكيف يمكننا توطينه عربيا واعتماده بديلا جوهريا في تنمية وتأهيل الأجيال الصاعدة؟ حول ذلك ستكون مقاربتنا لموضوعنا.

كانت مناسبة طيبة للتقاء بنخبة من علماء مصر وفلاسفتها المخضرمين والاستماع إلى مداخلتهم/ تهن/ العلمية في مقاربة موضوع التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد الذي بات يشغل الجميع في كوكبنا الأرضي.

 

ا. د. قاسم المحبشي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم