صحيفة المثقف

المفردة الشعرية النسوية في الشعر العربي الحديث..

انعام كمونةليلى الطيب في نصيها: "فستاني وأحمر شفاه" أنموذجاً

- خلاصة: تكاد تكون المفردة الشعرية للمرأة فيما مضى مفقودة أو شبه مفقودة بزمكانية متغيرة، ولنلاحظ ان معظم الشعر العربي القديم هو للرجل كون طبيعة العيش كانت محض ذكورية، وان كانت لبعض الشاعرات القلة مثل الخنساء ما هو إلا رثاء وبكاء ولن تتطرق أي شاعرة لمقتنيات تخصها أو توظف مفرد فسلجية لغرض توصيل فكرة معينة، وهنا أشاره واضحة لإلغاء معاناة المرأة كإنسانة تعبر عن وجودها عبر وعي التخيل لكل احتياجاتها المادية والمعنوية، تبثهُ تأملا وخيالا ورؤيا عن طريق أجناس الأدب والأخص قصيدة الشعر، ولهذا يعتبر اجحاف بحق المرأة ان نقارن مفردة المرأة الشعرية بمفردة الرجل الشعرية خاصة في تناول مقتنيات المرأة أو من كينونة خلقها كأنثى للتعبير الأبعد عن الدلالة لتثبت هويتها الإنسانية برؤية تأملية عبر افتراضية للإلهام والتأمل بإدراكها الحسي...

- تمهيد

- رغم جدلية الاختلاف والاتفاق على ما يسمى أدب المرأة أو الأدب النسائي وأيضا أدب الأنثى،ولكل من وقف على الحياد أو من تمرد بالرفض على التميز، يبقى مستوى الأبداع منوطا بين ما يكتبه الرجل أو المرأة هو الحصيلة النهائية والركيزة الأدبية المهمة للأثر الموضوعي والخطاب الذاتي لنقل قضايا وهموم المرأة بانفعال مؤثر وأسلوب جذاب متميز الصيغة محققا غرض الفكرة، و بإشباع الرؤيا من مشارب الحياة وروافد إشكالياتها المتغايرة تختلف وجهات النظر أو تتشابه، يبقى النقاش محور القصد اجتماعيا وثقافيا متضارب الرأي،ويبقى جنس الخلق بالتغاير الفسيولوجي بما تتطلبه مهام الحياة بطبيعة التواجد بين ذكر وأنثى ...

- وتنعكس خصوصية الكتابة بتباين أو تشابه الآراء ضمن مستوى الانفعال ومدى التأثير النفسي على فكر الكاتب ودرجة ثقافته نظرا للتعايش الدائم بنفس المحيط والمؤثرات، فكثير من الأدباء كتبوا عن أحاسيس المرأة بعمق وجدانها ملامسة لمعاناتها كما تجلت في قصص نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم، جسدوا خلجات ما تشعر به كما لو كتبت كثير من الكاتبات مثل أمينة السعيد، وسهير القلماوي وغيرهم على سبيل المثال لا الحصر، وبهذا يجدي الاعتقاد أن مبدأ التصنيف هو لتشويه فكر المرأة وعزلها بحدود التهميش كأدب نسوي مالم يخص قضية ما للمرأة برؤى إنسانية دون حكر الأدب وتصنيفه على ذكر أو أنثى رغم فرض التعتيم، على ان لا يمس ما أعتبر اهتمام بفكر المرأة بعد اهمالها لعقود كثيرة....

-  لست بصدد التشعب بخصوصية الموضوع العام، بقدر خصوصية الإشارة لطبيعة مشاعر المرأة الإنسانة لكل ما يحيطها، تلامسه بعمق غير مألوف، فحين تتأزم مشاعر الذات الصادقة تكمن روح الاسترسال العفوي في لذة التأمل وتنهمر من اللاشعور معبرة بدقة عن رومانسية أحاسيسها الرقيقة بسيكولوجيا وجدانية من تراكمات انفعال العواطف تختزن في اللاوعي، (من شعور بالألم والإحباط في توجهات الميول وقصور بعض من رغبات فطرية وضغوط اجتماعية ضمن أعراف وتقاليد متهالكة ضد جنس المرأة وفكرها وفسلجتها واحاسيسها.. وغيرها)، توحي بمكنون النفس عن تجربة ما، فتتفجر طاقات شعرية بقدرة تطويعها لمحاور رؤى وتنغيمها لغة تمرد رغم وجودها المختلف في بيئة الواقع، فتبوحها المرأة بطبيعتها الرومانسية أكثر جمالا من طبيعتها المتداولة فتتحول لعلامة متميزة لها صفات أنثوية خاصة ببنية رمزية تضيف سيميائية مركزة للعنصر بالاهتمام الذاتي تغتني بسيميائية موحية موشاة بسعة الخيال ....

-  ارتأيت الاختيار لبعض قصائد نثر مختلفة العناوين، بصيغتها الحداثوية، ترتكز على سيميائية عتبات جوهرية لرموز أنثوية بدلالات شخصية مرتبطة بطبيعة المرأة وخصوصيتها، والتي تعكس رهافة أحاسيس المرأة بسحر تناولها للتعبير عن عمق الشعور متحررة من قيود تقليد او تناص المفردة النسوية المعتادة، ونظرا لاختلاف مقتنيات المرأة عن مقتنيات الرجل، بدون فرض عنصرية بل بطبيعة خلق كونية مستمرة الوجود لذا لا جدوى للمقارنة بين مفردات شعر الرجل والمرأة،لأن توظيف مفردة من مقتنيات المرأة تختلف عن مفردة مقتنيات الرجل على صعيد ما تشي به المفردة الأنثوية من دلالة غائرة بدال مألوف اللفظة فمثلا دلالة الفستان أو قلم كحل، لا يمكن ان يوحي بميزة معبرة لرجل لأنها موسومة بهوية أنثوية مميزة بكينونة وجود فطري متجذرة الأصول محالا لنكرانها، ومنه يتجلى واضحا أنه من خلال توظيف الشاعرة لمفردة ما من الممتلكات النسائية ومنحها دلالة معينة تخص قضية أو تجربة ما بتركيبة معينة تعبر عنه بمخيال شعري لصورة شعرية معينة أو انزياح يهبه التعبير عن المعاناة فهذا ما يسمى بالأدب النسوي وهو أدب مستقل يمثل قضية تخص حياة المرأة للاختلاف الكبير عما يعبر عنه الرجل كمفردة تشي لنفس الغرض...

- وبملاحظاتي المتتابعة لعدة نصوص لشواعر اتقن استخدام المفردة النسوية وتطويعها لغويا بمقدرة شعرية لتصوير حالة شعورية ما، أخترت مبدئيا من نصوص الشاعرة ليلى الطيب بما تتناوله بطبيعة أنثى ترسم صورها بإحساس امرأة، لتكون تجربتها الشعرية (أنموذجا) لما تكتب بتذوق عن هوية أحاسيس الأنثى بتوظيف مقتنياتها وممتلكاتها الأنثوية ومفردات جسد الأنثى...

- ونظرا لقلة استخدام هذه المفردات وندرة تطبيقها وتداولها كرموز والتي تعكس رهافة أحاسيس المرأة بسحر تشكيلها الفني كأدوات للتعبير عن عمق الشعور، قد يظنها البعض رؤى جريئة لكن طبيعة الوجود البشري تفرض تحقيق التعامل الإنساني بأدراك الذات الموضوعي عبر موسوعة الأدب لتتناوله الشاعرة كرسالة أدبية وثقافة اجتماعية بسمات تخيل تصوغ دلالة المفردة المحاكية لخلجاتها، وتعبر بواسطتها عما تتركه خلفيات وهواجس وسلوكيات الجنس الآخر من أثر في أعماق أنثى أثر تجربة عاطفية بمحيط مجتمع متكتم، لتجسيد كَم المعاناة للمشاعر الإنسانية حين تمنحها المرأة ثقةً بالرجل ويسئ تقييمها بسهولة تغاضي ولامبالاة بتجريح ...

- وقد أتقنت الشاعرة ممارسة التلقائية بملامسة تفاصيل صغيرة لمقتنيات حياة المرأة، قد يعتبرها البعض كمالية الا أنها في الحقيقة جوهرية بتذوق نفسي وشخصي تلامس كل تصرف ومشاعر أنثى يأي زمان ومكان، فالشعر خطاب واعي، واستدراك علاجي لبعض قضايا المجتمع بتأثر واعي لموضوع انساني،وقد ذكر عن رواد قصيدة النثر وأعضاء تجمع (شعر) فيما يخص مفهوم الشعر (هو جعل الشعر قضية مستقلة ونقله من اعتباره انفعالا او وصفا أو حكمة الى اعتباره رؤيا في الإنسان والوجود تستشف العالم وترسم ابعاده) لذا نلاحظ ان الشاعرة ليلى تتطرق لقضية اجتماعية وانسانية عميقة المشكلة بخيال معاصر يتماشى مع حداثة الحياة، تتناول الموضوع بمفردات شجية الأحاسيس وطاقة إيحاء تشع فيض دلائل، تدوفها برومانسية تعابير تحمل في طياتها مغزى عميق تتعدد تجلياته للقارئ...

- والتي تتميز برموز بسيطة معنوية الخصوصية لذات حاضرة الأنا المتأثرة برومانسية الخيال وشاعرية الإيحاء عميقة القصد مألوفة التعبير مختلفة التقليد بإيماءة انثوية رقيقة التلميح عميقة المضمون، تُشحن بوحها بأسمى الأحاسيس وتبث منها ذخيرة دلائل تشي بروح الإنسانية وما جبلت عليه الأنثى من مشاعر وأحاسيس تندرج بغزارة الحنين ضمن طبيعتها الرقيقة، من خلالها ممكن أن تعبر عن لواعج الحب بتماس يقترب مع كل أشياء حياة المرأة المعنوية والمادية،وهي نمنمات صغيرة قد لا تلفت اهتمام الرجل ولا تعبر له بمغزى معين لكن للمرأة تعني الكثير لتستخدمها رمزية بعيدة الإيحاء فلا استغراب أن تشعر بها وهي تشاركها كل تفاصيل حياتها وهمومها وتعيش لحظاتها باللمس والهمس، فتحاورها بلوعة الحبيبة تسرد لها وتسرها ما يجول في خاطرها يوميا، لأنها تحاكي كل خلجات الروح من حزن وفرح وتقلبات الحياة فتكمن ملاصقة لإنسانية المرأة وهذا ما نقصد به قضية أدب يخص المرأة وبالتالي تنحو لإنسانية الموضوع ...

- ولنختار دراسة العناوين التالية المكللة برمزية جذابة وهو (فستاني)، (وأحمر شفاه) والتي تعتبر المعادل الحسي الذي يستثير الرؤى ويدعو الى التأمل بمفارقات أوجه التشابه والاختلاف، لنبحر في تفاصيل مضامينها...

- (فستان) مفردة تصرح من الوهلة الأولى بنغمة صوتية لمصطلح دلالي، انثوي ناعم الاشارة، له خصوصيته الرمزية المتغيرة بسمات الجمال واسلوب تذوق مختلف من امرأة لأخرى بجوهر تأثيره وتأثره نفسيا واجتماعيا، له كينونة مضمرة بروحانية عاطفية للمرأة على مر العصور بهوية خاصة جدا، و دلالة لها صيرورة دائمة غير متناهية لها علاقة بالمحيط الخارجي للشاعرة في حضوره الزمني والمكاني بما يخفي من دلائل من مرحلة لأخرى فتتجسد بكينونته طبوغرافية كل أنثى ...

-  و(فستان) كوحدة تعبيرية بمنظوره اللساني البسيط كمعيار حضاري للتراث لافت بأسلوب التجديد التي تنحو له سيميائية قصيدة النثر بتداول أشياء مادية بسيطة تجذب فكر المتلقي فتثير التفاعل العاطفي بما تخاطب شعوره الحسي بأسلوب ناعم جذاب وبوح رقيق فكل شئ للأنثى له سطوة الجمال والذوق والأناقة في فكر الرجل والأنثى ...

- ونلاحظ البنية بإضافة ياء المتكلم (فستاني) يكسوهُ معيارا لغويا بصيغة إنيوية التملك،وسيمائية تضعه ضمن آلية القصد فترقى لمصطلح تركيبي بمفهومه الدلالي ينقلنا لخصوصية الذات المتكلمة لتصبح غرضا قصديا وغاية دلالية بتلازم متكامل التعبير لوظيفة ادائية ضمن السياق التداولي، فنستذكر ما عبر هاليدي بقوله عن الدلالة "الدلالة هي ما يريد المتكلم أن يعبر عنه، فالمبتغى من العنوان ما تود الشاعرة أن تدلنا عليه من ظاهرة ملبس لعمق ما نسجت منه تناغم رؤيوي بعيد ...

- وقد اندمج المستوى التركيبي (النحوي) والمستوى الدلالي (المرجعي)،وبهذا تكون رؤى التداولية بما ندركه من دلالة اللفظ وما نستدل من معناه الغائر، فيكون التأويل غير مقتصر على معنى معين الا بسياق ترابطه بالنص وهذا يرسخ التفاعل في ذهن القارئ / والمتلقي فيبحث عن المزيد من قراءة النص بلذة الاكتشاف ...

- وبهذا وظفت الشاعرة رمزا بأبعاده التراثية لتوليد دلالات للتذوق الإنساني عموما، ولأنه يضمر بصداه أزمنة تاريخ تتسم بضبابية عائمة جماليا مختلفة بأجمال نسبي بدون تحديد نوع معين كزي أو لون لتختلف في ذهن القارئ من تراكم المعلومة بما يلائم هواه النفسي ومستواه العقلي وبعده المعرفي، وبهذا فالفستان يحمل بخيوطه ونسجته مراحل تطور حضاري لأجيال عبر الأزمنة بروابط مختلفة افتراضية ببعد شمولي لا يمكن الاستغناء عن صدى دلالته وجوده كحدث آني ومتوالد في كينونة النص ...

- أما العنوان الآخر (أحمر شفاه) أتسم بتركيبة متزاوجة ماديا ومعنويا، ورمزية عتبة تثير التساؤل من أول وهلة الاهتمام بأدوات الزينة والتجمل لدى المرأة، لتبدو أكثر خصوصية بمظهرها الأجمل كما يوحي داله ظاهريا، فالتجمل صفة متغيرة ضمن حدود حالة نفسية معينة، فيبوح باطن رمزيته دلائل زمكانية لا تحصى تلوح في افق المراسيم الشعبية بنكهة اجتماعية لممارسة طقوس الفرح،كما تزيح النقاب عن تاريخ طبيعة حواء الأزلية للاستزادة من الجمال وكما نعرف لتلبس الحرير وتتزين بالذهب،هكذا خلقت الزينة للمرأة لتجمل الجمال الرباني، ومنه تتجلى دلائل تراثية تفتح شهية النقاش والمتابعة لخطاب عام بإحالة تأويلية أن التزين والتجمل شعور حسي متناغم بارتياح نفسي ....

- وبمتعة التأويل للعنوان ربما يشي بلونه الأحمر لحميمية مناسبة معينة أو ذكرى حية حاضرة غائبة، فيهمس تأويله بشفاه رغبة ساكنة صمت أمنية،لذا الشاعرة تختار اللون بقصد محبب ومخفي لحبيبة عاشقة بعاطفة أنثى متمردة على محيطها وبيئتها، وقد تشير بتأويل رحلة حب بأسرارها المتكافئة أو الغير متكافئ، وكذلك يمكن تأويله أن اللون الأحمر هو ما تنطقه الشفاه من رفض لحالة معينة أو سلوك يمسها بخطر التصرف بهمس خفي أو سوء ظن بمجتمع مكمم حرية التعبير لمشاعر أنثى، كذلك يمكن لأحمر الشفاه ذكرى عالقة في خارطة الأيام بتجربة حب لاذع للحواس، ويبقى التأويل في فكر المتلقي بشوقه لإكمال عتبات النص والتعرف على مضمونه بما يمتعه التروي للتبصر برؤى عذبة، وما يثري فضوله ومستوى انفعاله لتتفتح الأفاق ...

- فدلالة البحث عن الزينة والأناقة والجمال جانب من متعة المرأة والتمتع بأنوثتها، مقترن بصفات من طبيعة رقة المرأة كما هو مألوف ومتعارف عليه وبما تحمل من فكر واعي بمستوى ثقافي أو مركز اجتماعي رغم كون التزين شخصي بالتقيد به أو اهماله بتفاوت مقصود وعقدي، فنلاحظ ما نسبت الشاعرة بمفردة الفستان لها بشكل محبب بتمويه أنثوي رائع، قد يشير لدلالة أعمق لذكرى مكان أو زمن معين بما تراه حبيبا أو وطنا يحتويها أو تحتويه يلامسها الرؤى ويملأ عليها الهمس، فتلبسه جلدا يلتفع شريانها ويلاصق روحها فيصعب انتزاعه والتخلي....

- كما وظفت أحمر الشفاه بعمق الفكرة بتأويلات متعددة، تزاحم ذهن القارئ ليستقصي دلائله،بما يخفي من دلائل متعددة الإشارة، كثيرة الاحتمالات لكلا العنوانين،ولربما تتغزل الشاعرة بما تقتنيه ماديا أو معنويا؟ ولربما افتنانا وغرورا بجمال الاختيار وغنج أنثوي يوحي لعاطفة حميمية تبتغيها واقعيا أو ذكرى تغازل خيالها من تجارب انسانية، وبهذا نتطلع بكثير من أسئلة الانفعال وغمزات تعجب تغمر متابعتنا...

- قراءة بعض من الصور الشعرية الأنثوية التعبير والنسوية الرموز...

- لنقتطف بعض من رؤى الشاعرة من عتبات النصين ونحط رحالنا على الكثير من الشواهد المستخدمة كمفردات نسوية بحتة تعد دلائل وشمت بروح أنثى وفسلجة وجود، باستخدام ما يناسب المرأة بالمقابل لا تتناسب مع طبيعة تكوين الرجل ومنها صور شعرية لا يليق الا ان تبوحها أنثى سأتناولها لاحقا بتفصيل من نصوصها مثل(رائبٌ وجعي ﺑـِﺳﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸَﻤﺲ، ارتضع من أثداء أبجديتي .. بفستانِ حب ..، سأقمط شفاهي، هل بقى لي ..أحمر الشفاه ؟!!..، حبلى برماد ذكراه،المخاض عقيم) ولنتابع مكنونات القصد بدلالة الأحاسيس،فما يعني لوجودها إلا ترجمة لهوية أنثوية بحتة، ولتكن على سبيل المثال لا الحصر...

- نرى النكهة الأنثوية المفردات في الصورة الشعرية التالية (رائبٌ وجعي ﺑـِﺳﻤﺎﺭ ﺍﻟﺸَﻤﺲ) مجاز توهج التعبير بجمال الانزياح،وتطويع اللغة برمز الطبيعة لمفردة الشمس وتوظيفها ضمن عناصر الجملة بما يسبقها ويلحقها أوحت بمكنون عميق عن وجع الفراق، فنرى طاقة تغاير رائعة بالتجاوز عن المألوف، بأسلوب فني مميز، فالسمار سمة جمالية تبحث عنها المرأة أحيانا لتتزين بها، بصيرورة زمنية حين تعرضها لأشعة الشمس بفترة معينة، أو تطلبها بصيغة علاجية لتحول اللون، ونرى في معجمية (رائب وسمار ) كلاهما تحول بعد تفاعل كيميائي بتأثير حراري، وللوقت الدور الفعال بخلاصة التأثير، احالة تأويلية لمرحلة العشق بغرام متجذر الروح بأحاسيس وجدانية...

- كما نلاحظ تضاد استعاري مكثف لرمزية السمار والشمس، فكما نعرف أن دلالة رمز الشمس ايحاء للتوهج والوضوح والضوء الساطع،إشارة دلالية غائرة للنهار أما السمار فيعني العتمة واللون القاتم، تصوير باذخ الجمال باختلاف متمازج وتجاور متوافق ...

- من نص فستاني نلتقط صورة شعرية رائعة جدا مزهرة بالأنوثة وطبوغرافية المرأة كما في (أرتضع من أثداء أبجديتي ) توظيف مكثف للمفردة النسوية (أرتضع،أثداء )مقدرة أدبية باستخدام أدوات فنية بتعبير بسيط بإيحاء عميق،يكمن في أفق تداوله تضاد غير ظاهر نستقرئ زمنية تحول مواربة بين الجدب والنماء أو الفقد والتواجد،احالة تأويلية نستدل منها الرضوخ تحت وطأة الوجع تصبرا بمرار موجوع...

- نرى صورة شعورية بطاقة جمالية انثوية التذوق، ببيان التعبير وأدوات تقنية فتقول، (تطايرتُ من بين عطرك) استعارة رائعة مكينة التعبير رقيقة الانزياح ببلاغة لغة لأبستمولوجيا أنثى مدركة لصفة الوصف متحسسة لشفافية اقتناء المفردة النسوية من مقتنياتها الأنثوية بمقاربة دلالية بين الماضي والحاضر بزمكانية غائرة، فكيف تتطاير الشاعرة ان لم تكن عطرا ؟؟، إيحاء عميق ومتواري ورمزية معبرة ببيان التشبيه لأنثى رقيقة ومبالغة الجمال بما تستحقه ذاتها وتقييمها، تمازج متمكن بتوظيف بينية الزمن لدلالة تعدد وتكرر الحدث، كما تحيل لدلالة تأويلية مبرر عما تعتقده ولتصور متانة تلك العلاقة مشبه وجودها عطر حياته، فتطاير ذلك العشق كما يتطاير العطر ونفذ زمانه مثل ما تسربت أيام ولهه، تشبيه استعاري رائع جدا عن بقايا أثر وذكرى العلاقة لأن للعطر وقت زمني وتنفذ رائحته، احالة تأويلية مكتملة التضاد بين ماضي ومستقبل دلالة للإهمال ونسيان الحب...

- وعتبة خاتمة لنص فستاني بتوظيف عذب (بعثرتني... بفستان حب )، فكما نفذ عطر وجودها بمعالم الحبيب تبعثرت آمالها وأحلامها وحياتها، والأنا المجروحة بالمعنى الموحى لمناجاة الحبيب بضمير المتكلم بدلائلها الغائرة البعد، مثل (عطرك وبعثرتني) وما بين (أنت وأنا) تمازج متواصل بلغة رائعة أن تختمها ليلى لتعود علينا بالعنوان (فستاني) ببراعة وذكاء لتلفت القارئ ما تعنيه من تكرار لإيحاء دلالي ندرك منه تأكيده الوجودي في كيان النص فيتضح مضمون ما يحتويه العنوان بخاتمة تسترجعه بدلائل أخرى...

- وبعد أن تغير مكان المفردة ضمن نسق آخر اصبح لها قيمة لسانية أخرى ومعنى للدلالة وعلاقتها التزامنية في تركيبة النسق أضفت عليها عمقا آخر، وبذا خلقت الشاعرة دلالة مكينة برمز الفستان وبكل ما يحوي من ذرات تنسج زمان ومكان لعلاقات إنسانية حميمية العشق بفطرة نقية الرغبات وما جبل عليه البشر بغريزة السكنى، فنقرأ الحب ملكوت قائم في ذات الشاعرة رغم البعاد ووجع الفراق، ويبقى الأمل كأس العشاق باسترجاع زمن الذكريات أو قدر يعاود ...

- وبانعطافة على نص أحمر شفاه نقتطف صيغة رائعة للمفردة النسوية، بلكنة أنثى خالصة كما في (سأقمط شفاهي )فيبدو من استخدام حرف السين الذي يدل على نية الفعل في المستقبل، وإيحاء دلالي عن التفكر وممارسة التعقل بصمت مبالغ، دلالة عميقة بفلسفة حوار تكنيكي لغريزة أنثى بان الكتمان على مضض بمحض قهر الخنوع كأجدى الحلول لأنثى في مجتمع بتقاليد شرقية، لربما تأويلا غواية لاسترجاعه، فنرى عمق الانزياح الدلالي المختزل وقصدية تشي بتضاد عكسي ما بين الصمت والكلام،وما يشير التعطش لرؤية الحبيب بعدم التواصل معه احالة تأويلية لروح صوفية التلذذ بعذاب الانتظار، وفلسفة النقاء الوجداني لأحاسيس المرأة... أسلوب بليغ للدلالة عن وجع المعاناة بقسرية السكوت ....

- ونستمر بمفارقة أحمر شفاه (عجبت لخافقي..هل بقى لي ..أحمر الشفاه ؟!!..) تحادث الشاعرة وجدانها الروحي بحوار ضمني وتساؤل بدهشة أحاسيس أنثى استفاقت على ألوان الجروح الحسية والنفسية بقسوة حبيب، فالتجمل للأنثى جزء من القبول على الحياة وتصرف طبيعي بفرح فلمن تتجمل !؟، ذلك يتبدى من تراكم وجع الشعور بوقع الخيبة وفداحة الصدمة، تلجأ للانعزال في معبد الروح، فنلاحظ نسق الترابط ببنية اللغة الشعرية يحقق الانسجام بتكرار مفردة العنوان (أحمر الشفاه) صوت تأكيد الدلالة،لإيحاء النزوع الصوفي العذب بأنوثة نقية الدليل صافية السريرة بتصوف مختوم بعذاب وحزن حير أمر علاقتها مع المحبوب، فأهملت التواصل بمحيط اهتمامها وولعها الأنثوي بزينتها وجمالها فغدت لا تستطيب مناجاة مقتنياتها الأقرب لقلبها والتي كانت جل اهتمامها واقرب رفقة مع الحبيب اصبحت الآن تأجج ذاكرتها بألم غيابه، فلا تحبذ استخدامها، ولا تستسيغ التجمل ...

- وقد تنفتح أواصر الدلالة على المفردة النسوية في رؤى القارئ لتأويله بما كان لأحمر الشفاه من رغبة دفينة بلا وعي لأمنية خاصة لرمزية أحمر الشفاه تتوقد برؤيته أو ملامسته بمناجاة روحية مستمد زفرات الأشواق من كبد الانتظار على منوال الحزن ولوعة الفراق ...

- ونلاحظ انحراف اللغة بفنية التشكيل من عدة متضادات متتالية ب أنثوية واضحة كما في الصورة الشعرية الآتية (حبلى برماد ذكراه) الحبلى مفردة نسوية بحتة فسلجية الخلق ومعجمية دال على رمز العطاء ودلائله النماء بضوء الحياة ...

- واستكمالا لدلالة التضاد في الصورة الشعرية من الإنزياح التالي( برماد ذكراه) بما يشي دلالة الرماد من بقايا النار يعقبه البرد والجمود، وتأويلا ما بين جذوة اشتعال الحياة واجهاض جنين الحب قبل ولادته بيان استعاري مترف المعنى ببلاغة تعبير، ولربما يكون جذوة متخفية تأويلا لإحياء الأمل، فيتوهج ذهن القارئ ليبحث عن مدى رؤاه بروعة تشكيل الصورة ...

- وبطاقة جوهرية للذات الأنثوية نلاحظه في التضاد الآتي (المخاض عقيم) استعارة مؤثرة نفسيا بحس أنثى وسيكولوجية مشاعر تكوينية للمرأة وخاصة طبيعة الأم، فكيف يكون المخاض عقيم؟، فالمرأة ذروة حنان ودفء، والحبيبة كيان للمشاعر، فهي الأم الرؤوم يخيب استنشاق أمومتها حين فقدان وليدها، نلاحظ تآلف وتخالف بمجاز مكتنز من صميم الحياة، بتناغم التضاد وعمق المضمون بانتقاء مفردات نسوية دلالية المعنى ببنية باطنية النغمات بصوت انثوي، فلا مخاض بدون عطاء إلا أن اللغة الشعرية في تركيب الانزياح ادى مراد الإيحاء...

- وقد توحي بتأويل آخر من العلاقات الإنسانية للرغبات مكتومة في أحلام الشاعرة ولا تصرح بها الأنثى عاليا، نستقرؤها عمق فلسفي وتفسير نفسي مؤثر على العلاقات الانسانية،نتلمس منها كثير من علامات الاستغراب التي تفرض مغزى السبات في عالم الصمت بألم مكبوت والابتعاد على أمل استعادة الحبيب...

- وتبقى أحاسيس الأنثى مختلفة الفطرة قد لا يفهمها نصفها الآخر بسهولة تحت ضغط التقاليد والتحيز الذكوري وخوفا من الخروج عن قيد المجتمع والعشيرة بالإفصاح عن وعي وثقافة اجتماعية فهل يوجد في كيان الكون غير الرجل والمرأة..؟؟...

- وعبر ما تقتني المرأة من أدوات زينة أو فستان ترتديه في ذكرى حب، يبقى منقوشا بقلبها وجسدها وروحها متمسكة به لا تخلعه تراه كل حين وتزين شفاها بما يطيب ذكراه !!، فهل يكون بديلا للحبيب ..!!، لربما سيكون الفستان شبيه الرؤيا ونقيضها، وقد يكون الفستان رمز تأويلي لأبدية مشاعر لزمان ومكان، وأحمر شفاه رمز ذاكرة لا يطاله نسيان، ويبقى كيان وجودنا طريدا للقدر!...

- ولمكنونات النصوص تكملة لاحقة قراءة أحاسيس المرأة ان شاء الله.

 

بحث وقراءة إنعام كمونة

...................

* الشاعرة ليلى الطيب جزائرية لها عدة دواوين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم