صحيفة المثقف

هل التطور عِلْم؟

منى زيتونيُعرف العِلْـمُ على أنه منظومة من المعارف المتناسقة والمفاهيم المترابطة التي تدور حول موضوع معين أو ظاهرة محددة، يُعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي -دون سواه-، وينتهي إلى النظريات والقوانين. فهل هذا الذي ذكرناه ينطبق على نظرية التطور؟

وكما هو معلوم فإن السؤال الذي يبتدئ بـ "هل؟" تكون إجابته بكلمة واحدة؛ إما نعم أو لا. لكن كي لا تبدو الإجابة على السؤال المحوري المعنون للمقالة إجابة تعسفية، فلا بد من طرح بعض الأسئلة الأساسية، والإجابة عن كل منها منفردًا.

أولًا: هل تحقق نظرية التطور أهداف العلم الثلاثة؟

كما هو معروف فإن هناك ثلاثة أهداف لأي علم أيًا ما كان –كيمياء، فيزياء، علم نفس،.....الخ-؛ وهي: التفسير والتنبؤ والضبط.

والنظرية: هي بُنيان من المفاهيم المترابطة والتعريفات التي تقدم نظرة نظامية إلى الظاهرة موضع الدراسة، لتحديد العلاقات بين المتغيرات، بهدف تفسير الظاهرة والتنبؤ بها وضبطها.

وهناك نظريات تقدم نماذج تفسيرية منطقية، لكنها وحدها لا ترقى للادعاء بأن ما تعرضه حقيقة علمية، أما عندما يمكن الحصول على تنبؤات دقيقة في ضوء تلك النماذج وتصدق فعندها يمكننا القول إننا أمام حقيقة. كما أنه لو كانت الظاهرة ممكنة الضبط وتم ضبطها باستخدام النموذج فلا مجال لتكذيب أن ما قدمه النموذج التفسيري حقيقة علمية.

فهل تحقق نظرية التطور أي من تلك الأهداف الثلاثة؟

أ‌- الوصف والتفسير

يهدف العلم إلى وصف الظواهر، وتحديد الأسباب التي تؤدي إلى حدوثها عن طريق إدراك العلاقات بين الظاهرة المراد تفسيرها وبين المتغيرات التي تلازمها.

ونظرية التطور –كما هو معلوم- تبحث في أصل نشوء الأنواع الحية المختلفة. وهنا نسجل أن:

1- نظرية التطور لا تستطيع أن تفسر سبب الوجود ونشأة الحياة.

2- نظرية التطور لا تفسر سبب وجود البيئة المناسبة للحياة على كوكب الأرض، بل ترميها للصدف المتراكمة، وبعض الملاحدة وضعوا نظرية تعتمد على فكرة شبيهة للانتخاب الطبيعي باسم "الأكوان المتعددة". تقوم تلك النظرية على أن هناك أكوانًا متعددة نشأت بمحض الصدفة، وتوفرت في كوننا وحده الظروف المواتية للحياة، وبعضهم يدعي احتمالية وجود كون آخر تتوفر فيه ظروف الحياة. فهم يعزون كل هذا النظام في الكون إلى العشوائية التي ولدت أكوانًا عديدة!!!! ثم الصدفة التي أوجدت كونًا من بينها تتوفر فيه ظروف الحياة!!!!

3- نظرية التطور لا تستطيع أن تفسر من أين أتت الخلية الأولى.

ولعل أغلب المتابعين لملف التطور قد استمعوا إلى التفسير الساذج الذي أعطاه نبي الملاحدة ريتشارد دوكنز ذات مرة في مقابلته مع الإعلامي الشهير بين ستاين في وثائقي "مطرودون" بأن تلك الخلية الأولى ربما أحضرها بعض سكان الفضاء، وأنها ربما نشأت بطريقة ما عن طريق الانتخاب الطبيعي.

فهل هذا التفسير ناتج عن إدراك علاقات ومتغيرات مرتبطة بنشأة الحياة أم هو خرافة ميتافيزيقية لا دليل عليها؟!

والأدهى أن أمثال هؤلاء يتبجحون بأن الإيمان بالله هو خرافة ميتافيزيقية متعامين عن كل الأدلة العقلية التي تقطع بوجوده.

4- نظرية التطور لا تفسر سبب وجود الجمال في كل كائن على حدة، وقطعًا لا تفسر التناسق والتناغم الجمالي في الكون ككل.

5- نظرية التطور لا تفسر سبب وجود الأخلاق والضمير.

6- نظرية التطور لا تفسر سبب الموت المفاجيء.

إضافة إلى عدم قدرتها على تفسير أبرز الأسرار التي تحيط بالبشر وهي:

7- لماذا يمشون منتصبي القامة على قدمين؟

8- لماذا لا يوجد شعر كثيف على أجسامهم كأغلب الثدييات، ويرتدون الثياب؟

9- لماذا يملكون هذا المخ الكبير القادر على التفكير؟

10- لماذا يتواصلون تواصلًا لفظيًا عن طريق الكلام؟ لأنه وعلى الرغم من الأهمية التي أصبحت تعطى لتفسير القنوات غير اللفظية في الاتصال بين البشر، إلا أنه من المؤكد أن عملية الاتصال لا يمكن أن تتم دون وجود دعم لفظي، وأن هذا من أهم أسباب رقي البشر وتميزهم عن غيرهم من الكائنات. 

11- لماذا يتواصلون تواصلًا غير لفظي بأشكال تعجز عنها الحيوانات مثل تعبيرات العين وإشارات اليدين ووضع الجِلسة؟

وغيرها الكثير من الأسئلة، فنظرية التطور لن تستطيع أن تعطيك سببًا واحدًا متحققًا منه عن طريق الاستنتاج المنطقي والملاحظة والتجريب لأي شيء لأنها مبنية على الصدفة التي هي من غير سبب!

ب-التنبؤ

يُعرَف التنبؤ على أنه استخدام المعلومات المتجمعة في مواقف أخرى غير تلك التي تنشأ عنها أساسًا، أي استخدام معرفة علمية سابقة لأجل توقع حدوث شيء في زمن ما أو في مكان ما.

ومن ثم فالتنبؤ يتعلق بالاستفادة من المعلومات المتجمعة من القوانين والمبادئ والنظريات في تصور ما يمكن أن يحدث في مواقف مستقبلية متعلقة.

فما الذي يمكن أن تتنبأ به نظرية التطور؟ هل يستطيع أحد في ظل نظرية التطور أن يتنبأ بنشوء نوع جديد من نوع آخر؟ هل يمكن حتى أن يتنبأ بنشوء عضو جديد أو زوال عضو مما يدعيه التطوريون أثريًا بلا وظيفة؟

ربما يقصد التطوريون نبوءات من نوعية تنبؤهم بضرورة وجود فراشة طول خرطومها 30سم لتلقح زهرة المسار إلى حبوب اللقاح بها حوالي 30سم!!! 

إن التطوريين لا يكفون عن العبث باستخدام مصطلح التطور الصغروي؛ والمقصود به قدرة الأنواع الحية على التكيف؛ والذي أوجده الله في كل نوع ابتداءً وليس بطارئ عليه، وذلك للتوهيم بإمكانية حدوث الانتواع، وللتوهيم بوجود قدرة تنبؤية للنظرية، علمًا بأن دارون ألفَ كتابًا عنوانه "أصل الأنواع" وليس "تكيف الأنواع".

ولعله غريب أن نسمع ادعاءات التطوريين بأن نظرية التطور التي تحيل كل شيء على الزمن صارت تقدم تنبؤات!!!!

أتساءل كيف لنظرية تقوم على الصدف العشوائية أن يُدعى لها قدرة تنبؤية؟!!

ج- الضبط

إن تحديد أسباب أي ظاهرة وإمكانية توقع حدوث أشياء متعلقة بالظاهرة قد يؤديان إلى التحكم في الظاهرة وضبطها، وكلما ازدادت قدرة الإنسان على تفسير الظاهرة والتنبؤ بها أمكنه التحكم بها، إلا إن كانت غير قابلة للضبط كما في حال موضعي الشمس والقمر في ظاهرة الكسوف والخسوف.

وقطعًا فإن نظرية كالتطور لا تفسر ولا تملك قدرة تنبؤية لا يمكن أن تضبط شيئًا.

ثانيًا: هل نظرية التطور قابلة للدحض (للتخطئة) (للتفنيد)؟

وفقًا لكارل بوبر الذي يعده كثير من الباحثين والعلماء أكبر فلاسفة العلم في القرن العشرين فإن معيار العلمية لأي نظرية هو قابليتها للدحض (للتخطئة).

وقف كارل بوبر موقفًا معارضًا لتحديد الاستقراء كأساس للمنهجية العلمية، ومن ثم رفض الملاحظة كمنطلق للتفكير العلمي، وقال إن المنهج العلمي في حقيقته يقوم على الاكتشاف وينطلق من وضع الفرضيات.

أي أن المنهج العلمي –وفقًا له- يقوم على فرض العديد من الفروض ومحاولة تخطئتها للوصول إلى الفرضية التي تقاوم التخطئة في ضوء المعلومات المتجمعة، فيتبناها الباحث، لكن تلك الفرضية تبقى محل دراسة وتستمر محاولة تخطئتها ونقضها لأجل بلوغ فرضية أفضل تسهم في تفسير الظاهرة موضع الدراسة.

فالنظرية لا تكون علمية إلا لأنها قابلة للتخطئة، لكن لم تتم تخطئتها بعد، فهل ينطبق هذا على التطور؟

يدعي التطوريون أن نظرية التطور مبنية بحيث تكون قابلة للدحض!! وهذا ما أراه هراءً لأن نظرية التطور تحتمل الكثير في آلية حدوثها، وهو ما يتنافى مع أي نظرية علمية لأن التحديد أساس العلم، ولا يوجد علم يكون قابل لأي شيء وكل شيء، فالتطور عبثي عشوائي آليته غير واضحة، فكيف يتم اختبار فرضياته؟!! ثم كيف تتم تخطئتها؟!!

وبشكل أكثر تفصيلًا:

-النظرية في صيغتها القديمة كانت لها فرضيات –وكان هناك تشكيك بالفعل في قابليتها للتخطئة- أهمها فرضية "تطور الأنواع يتم بآلية الانتخاب الطبيعي". ولو يعرف أحد كيفية لاختبار هذه الفرضية كي ننظر بعدها في إمكانية أن يتم تخطئتها أو لا، أرجو أن يخبرنا.

- ثم تغيرت وتعدلت النظرية تمامًا فاستحدثت لها آلية الطفرة لتفادي الضربة القاسمة التي وجهها لها علم الوراثة، وتم تعديل فرضياتها الموجهة لتصير غير موجهة بمعنى أن أي شيء ممكن ومحتمل لأنه وفقًا للتطوريين فالتطور لا يسير على وتيرة واحدة؛ فالتطوريون يفترضون أن التطور قد يكون دراماتيكيًا أو تدريجيًا، قد يكون للأمام أو للخلف، والنوع البدائي قد يكون هو البسيط مقارنة بالنوع الذي ترقى عنه وقد يكون هو المعقد، و و...

فإن تغاضينا عن عدم إمكانية اختبار تلك الفرضيات من الأساس، فالأدهى أنها غير قابلة للتخطئة. لمزيد من التوضيح لنقرأ الفرضيات التالية:

1- يحدث التطور بشكل تدريجي. (هذه فرضية تمت صياغتها بحيث تكون قابلة للتخطئة، وبالاختبار سنرى ما إن كانت صحيحة أم خاطئة).

2- يحدث التطور بشكل دراماتيكي –قفزات-. (هذه أيضًا فرضية تمت صياغتها بحيث تكون قابلة للتخطئة، فبالاختبار سنرى ما إن كانت صحيحة أم خاطئة).

3- يحدث التطور بشكل تدريجي أو دراماتيكي (هذه ليست فرضية قابلة للتخطئة لأن اختبار صحة الفرضية في كل حالة سيؤدي إما إلى أن التطور حدث تدريجيًا وبهذا تكون صحيحة، وإما أن التطور حدث دراماتيكيًا وأيضًا ستكون الفرضية صحيحة!!!).

وهذه الطريقة الأخيرة غير الموجهة هي التي تتم بها صياغة فروض نظرية التطور عادة. إن قابلية فرضيات أي نظرية للتخطئة يتنافى مع وضع الآلية ونقيضها في الفرضية نفسها لأن هذا يجعل التخطئة مستحيلة.

وسأعطي مثالاً آخر للتبسيط: التطوريون يفترضون أن أنواع الكائنات الحية نشأت في الماء ثم نشأت حيوانات اليابسة، ثم قرر الحوت أن يعود إلى الماء وفقد أطرافه الخلفية وحدثت له تغيرات أخرى أحصاها برلنسكي بخمسين ألف تغير!! وعندما تتساءل عن تماشي هذا الهرف مع فرضية النظرية الأساسية بأن الحياة نشأت في الماء ثم تطورت منها الكائنات البرية، تكون إجابة التطوريين بأن الحوت تطور تطورًا انحداريًا!! ومن ثم فإن كل شيء لديهم له تبرير في كل الاتجاهات، فكيف يتم تخطئتها؟!

والعجيب أن يتبجح التطوريون بأن ناقدي النظرية يسيئون الفهم!!! بل نحن نفهم ما تقولون، لكن المشكلة أنكم من لا تفهمون أن ما تقولونه لا يسوغ إلا على من لا يعرفون أسس الابستمولوجي والميثودولوجي والمنطق، إضافة إلى علوم الأحياء والجيولوجيا.

وقد علمنا أساتذتنا أن من يفهم شيئًا يستطيع تطبيقه، ومن لا يفهم يكرر الكلام كالببغاء؛ فلا هو يفهمه ولا يعرف كيف يطبقه؛ لذا فكثيرًا ما نقرأ لملاحدة وتطوريين عرب نقلًا لكلام عن كارل بوبر بأنه لم ينتقد التطور بأنه غير قابل للتخطئة، بل فقط شكَك في إمكانية اختبار آلية الانتخاب الطبيعي!! وهذا أكبر دليل أنهم لم يفهموا حرفًا مما عناه كارل بوبر عن معنى قابلية النظرية للتخطئة، ولا أمكنهم تطبيقه على فروض النظرية بشكلها القديم أو الحديث.

وللعلم فقد أدى اختبار صحة شجرة التطور التي زعموها بتحليل DNA للأنواع المختلفة إلى تخطئة فرض أساسي من فروض نظرية التطور –بالفعل وليس بالظن-، والشجرة الآن على وشك الانهيار، ويفكرون في طرق لإعادة بنائها وتركيبها من جديد، ولا يجدون سبيلًا.

كما أن عدم قابلية أغلب فرضيات النظرية للدحض لا يعني أن النظرية غير قابلة للإبطال، لأن الأدلة التي يقدمونها للاحتجاج بصحة النظرية كلها مطعون فيها.

ثالثًا: هل لنظرية التطور قيمة علمية؟ وهل توجد علاقة للتطور بالعلوم المختلفة؟

من أهم خصائص العلم التكاملية بين فروعه. وكثيرًا ما يسرف التطوريون في إضفاء قيمة علمية على النظرية مشيرين لأهميتها المتعاظمة في فهم العلوم الأخرى والتأثير عليها. ولعله من الواجب الإشارة لأهم الأمثلة للعلوم التي يتكرر ذكرهم لها لنرد عليها.

علاقة علم النفس التطوري Evolutionary psychology بنظرية التطور

هناك فرع شهير وقديم لعلم النفس يُعرف باسم علم النفس التطوري، والذي يُسمى أيضًا علم النفس الارتقائي أو علم نفس النمو Developmental psychology ، وهو العلم الذي يختص بدراسة سلوك الإنسان من لحظة الإخصاب وحتى الوفاة، وعلاقته بنظرية التطور هي تشابه مسميات لا أكثر.

ولكن كانت هناك محاولات من التطوريين في السنوات الأخيرة لخلق علاقة تعسفية بين علم النفس ونظرية التطور باختلاق فرع جديد من علم النفس يُسمى بعلم  النفس التطوري Evolutionary psychology . وعلم النفس كما هو معلوم ومتفق عليه هو علم دراسة السلوك وليس علم دراسة العقل، والسلوك لا يلتصق بالحفريات هو الآخر حتى يزعم التطوريون أن هناك ما يمكن أن يفيده تفسير السلوك من نظريتهم!!

يدعي التطوريون أن علم النفس التطوري ينكب على دراسة العقل البشري وآليات عمله، ويهتم بالمنظور الأكثر اتساعًا من مجرد دراسة السلوك البشري بالإجابة على أسئلة أساسية من قِبل: لماذا يعمل العقل بالطريقة التي يعمل بها؟ وما هي الوظائف التي يقوم بها العقل بناءً على آلية عمله؟ وكيف يتفاعل عمل هذه الآلية مع مدخلات البيئة ووفق سياقات وشروط ومثيرات كي تنتج السلوك البشري الملاحظ؟!!!

والخلاصة، إن هذا ليس مجال دراسة علم النفس، بل هي محاولة من محاولات التطوريين الحثيثة للعب بالكلمات، فالمذكور أعلاه شيء من الربط بين ما يلائمهم من العلوم الطبيعية مما يتفق مع التطور مع العلوم الإنسانية، علمًا بأن هناك فرع قديم لعلم النفس هو علم النفس الفسيولوجي يدرس الأساس العصبي للسلوك والتفسير الفسيولوجي للسلوك الإنساني، وليست هناك أي حاجة ولا فائدة مرجوة من هذا العبث التطوري في تفسير سلوك الإنسان.

علاقة علم الاجتماع والسكان وفلسفة الأخلاق والفلسفة السياسية بنظرية التطور

معروف تمامًا كيف أثرت نظرية التطور في تلك العلوم من خلال مبادئها عن الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح، وكيف قُتل وعُقَم ملايين البشر وأُبيدت أجناس وحدثت حروب عالمية بسبب النظرية البهيمية.

علاقة علم التشريح وعلم الأنسجة والفسيولوجي وعلم الوراثة وغيرها من العلوم البيولوجية بنظرية التطور

أفادت نظرية التطور من تلك العلوم خلال سعي التطوريين لإثبات صحتها، لكن ما الذي عساه تستفيده تلك العلوم من التطور؟!!!

إن العلاقة التعسفية المفترضة لا تعدو استخدامًا متكررًا للحُجج الدائرية؛ وهي نوع من المغالطات المنطقية تقوم على استخدام الاستنتاج المراد الوصول إليه كأحد المعطيات؛ وبالنسبة للتطوريين فإن تطور أنسجة الثدييات من أنسجة الزواحف نتيجة ومقدمة في آنٍ واحد!

وكمثال آخر فإن العيون الزرقاء –كما يزعمون- نشأت عن طفرة لأن كل هؤلاء الأفراد ذوي العيون الزرقاء لهم سلف مشترك واحد، ولو سألت التطوريين ما الدليل على وجود هذا السلف المشترك لهم سيردون بأنه حدوث الطفرة لدى هؤلاء الأفراد جميعاً!!؛ فالطفرة المدعاة صارت دليلاً على السلف المشترك، والسلف المشترك صار دليلاً على الطفرة!!!

علاقة العلوم الصيدلانية بنظرية التطور

وصل التطوريون إلى مرحلة الادعاء بتأثر العلوم الصيدلانية بالنظرية، وحتى لا أكون أفتي بغير علم فربما فاتتني بعض الإنجازات المهولة والتأثيرات العظيمة لنظرية التطور في صناعة الدواء استفسرت من أختي وقد شارفت على الحصول على الأستاذية في العلوم الصيدلانية، وطبعًا كان الرد سلبيًا. هي فقط أشارت إلى ما يسمى بتعدد الأشكال الجينية الناشئة عن اختلاف الأعراق والسلالات التي تجعل دواءً يؤثر في سلالة دون أخرى، أو يظهر آثارًا جانبية لدى سلالة دون أخرى. مثلاً فإن بعض أدوية الضغط قد تحدث آثارًا جانبية لدى الأفارقة ولا تحدث مثلها لدى الأوروبيين، فهل هذه تعد تأثيرات لنظرية التطور على العلوم الصيدلية؟ هل وجود السلالات البشرية لها علاقة بتطور النوع الذي تفترضونه؟!! وهل يلزمني لمعرفة أن هذا أوروبي وهذا أفريقي لأعطيه الدواء المناسب أن أدرس التطور؟!! ثم أليست هذه حجة دائرية أخرى، ولا دليل على أن الفروق بين السلالات في النوع الإنساني وُجد نتيجة التطور سوى نظرية التطور ذاتها؟!

بعض من حماقات التطوريين المتعالمين:

- محاولة ربط التطور التعسفية بحقائق علمية ثابتة، مثل حشر دوران الأرض في أي نقاش عن التطور، وكأن منكر التطور بالضرورة هو جاهل رجعي منكر لحقائق العلم.

- رفع قيمة دارون بمضاهاته بعلماء أفذاذ كأينشتين، فهل أينشتين جاء بمغالطات وأكاذيب ليدلل بها على صحة نظريته؟

- تفخيم وتعظيم التقنيات المستخدمة في دراسة الجينوم والبحث عن الحفريات، وهي بالفعل تقنيات عملية يستلزم إتقانها تدريب، ولكن أن يكون هذا ذريعة لأن نترفع عن نقد التطوريين لأنه وفقًا لما قال أحد أذنابهم العرب "لعب صبياني، لا يليق بنا"، فوالله –بعقد الهاء- أن الصبيانية والتفاهة لا يوصف بها غير من يقول هذا وليس ناقدي التطور.

وأختم فأقول إن على شباب العرب أن يتعلموا بدلًا من أن يتحدثوا عن العلم، لأن هذا ما يفعلونه للأسف، فالتطور ليس من حقائق العلم كي يخشى أنصاف المتعلمين الاتهام بالجهل عند إنكاره، وحتى يلحد بعضهم إلحادًا كليًا أو جزئيًا بسبب قبولهم الأعمى له.

إن التطور هو مجموعة من الفرضيات الخيالية التي لا علاقة لها بالمنهج العلمي، وتقوم على حجج دائرية لا منطقية تكون فيها المقدمة التي يضعونها هي النتيجة التي يخلصون إليها!!

ومن ثم فالتطور لا يُتخوف منه إلا على المتحذلقين، أما المتعلمين تعليمًا رصينًا ولديهم درجة عالية من التفكير والحس الناقد فيدركون قيمة تلك النظرية الحقيقية، ولا يمكن أن تؤثر سلبًا على عقلهم ولا دينهم.

ومن أجمل ما قرأت عن نظرية التطور أنه ينبغي أن يكون لديك الاستعداد للتخيل الميتافيزيقي لكل ما يدعون، والاعتقاد أنه داخل في سياق العلم المثبت بالبراهين العلمية الحسية الدامغة.

ومقطع الفيديو التالي يوضح إلى أي حد صار التطور إيمانًا أعمى لا يمت للعلم ولا للمنهجية العلمية بصلة.

https://www.youtube.com/watch?v=uLzlgzje9uY

 

د. منى زيتون

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم