صحيفة المثقف

عام 2020.. عام العلم من خلال مكافحة الوباء

عامر هشام الصفارلقد ترك ظهور فيروس الكورونا عام 2020 علامة لا تمحى على العلوم الأساسية وعلوم الطب السريرية. فقد كان التقدم الذي أحرز خلال 2020 في علم الأوبئة والرعاية السريرية والوقاية والعلاج وسرعة تطوير اللقاح المضاد للكورونا فعلا غير مسبوق في مختبرات العلم والبحث العلمي، مدفوعًا بالتعاون العالمي وتبادل البيانات العلمية. ولا أظن أن كل ذلك كان ممكناً لولا العمل الدؤوب والتضحية والتفاني وبصيرة العلماء والباحثين في جميع أنحاء العالم، ومنهم أولئك الذين يعملون في المختبرات أضافة إلى الباحثين الرئيسيين في التجارب السريرية. لكن هذه التطورات العلمية ضاعفت أيضًا من أوجه القصور في بيئة البحث العلمي وقدمت دروسًا مهمة للمستقبل.. فكيف ذلك؟.

لابد من القول أن عملية البحث العلمي في مواضيع لا علاقة لها بالكورونا قد عانت في هذا العام، حسب ما صرّح به محقّا العالم مايكل لاور من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، حيث أن 80٪ من التجارب السريرية التي تخص أمراضاً أخرى غير وباء فيروس الكورونا قد توقّفت أو تم توقيفها وتحويل الموارد إلى وباء الكورونا وبحوثه، حيث أضطر العديد من الباحثين إلى تعليق أبحاثهم للتركيز على رعاية المرضى في أنظمة المستشفيات المكتظة. فعلى سبيل المثال، فقد توقفت التجارب المخطّطة منذ فترة طويلة على فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز والأمراض المعدية الأخرى، حيث تحوّل الباحثون إلى دراسة الكوفيد 19. ولابد من القول أنه سوف تمر سنوات قبل أن نعرف التكلفة الحقيقية لهذه التغييرات السريعة في أولويات البحث الطبي.

كما أن النظام القديم الذي يقيس النجاح من حيث المنشورات وترتيب أسماء المؤلفين في أوراق البحوث المنشورة يحتاج إلى المراجعة..ولابد من أعتراف المجتمع العلمي بأن إحراز التقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا لا يتم الاّ من خلال العمل المشترك للعديد من المجموعات والفرق العلمية، فلابد والحالة هذه من الأنتباه الى تكريم الجميع. وعليه فيجب أن يطوّر العلم طريقة أكثر عدالة في كيفية تقييمنا للنشاط العلمي الذي يشمل مجموعة كاملة من المساهمين بما يتجاوز مجموعة قليلة من المقاييس.

وتُظهر مشاركة البيانات العلمية المفتوحة والتي تمت خلال عام 2020 والتعاون بين المجموعات البحثية العلمية طريقة محتملة للمساعدة في القضاء على البيروقراطية المرهقة وتجاوز الجهود المكرّرة التي شوهدت في أبحاث الكوفيد19. فمن المفهوم والمتوقع أن الأطباء والباحثين يندفعون لجمع البيانات التي يمكنهم الحصول عليها أثناء الجائحة. لكن البحث في الكوفيد 19 يظهر أيضا أن هناك المئات من التجارب الصغيرة ضعيفة القوة الأحصائية لعلاجات المرض، كما يظهر أعدادًا هائلة من الدراسات الأسترجاعية التي حاولت الإجابة على أسئلة مماثلة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تشجع أنظمة البحث والرعاية الصحية المتفرقة عبر الولايات في البلاد على إجراء تجارب أصغر مما يمكن أجراؤها في بلدان أخرى، بينما عززت تجربة علاج الكورونا في المملكة المتحدة الإدارة المركزية للخدمات الصحية الوطنية.

 لقد أظهر الوباء أن أستخدام أنظمة مشاركة البيانات العلمية والتطبيب عن بُعد أنما هو من الممكن عمله والأستمرا عليه، وينبغي أن ترشد الدروس المستخلصة في هذا الجانب الباحثين نحو مستقبل رقمي أكثر تعاونًا.

ومما لا شك فيه فأن وباء الكورونا قد أثار اهتمامًا عامًا قويًا بالعلوم، كما إن التقدم الذي شهدناه هذا العام يمكن أن يلهم الجيل القادم من العلماء، الذين رأوا عن قرب إمكانات وأنجازات البحوث العلمية.

ولابد من التأكيد هنا على أن العلم يعتبر مسعى تعاوني وتكراري وتدريجي، وعليه فأنه يقع على عاتقنا جميعًا مسؤولية التأكد من أن نفيد من دروس عام 2020 الثمينة حتى يتمكن الجيل القادم من العلماء من العمل في بيئة عادلة ومشجعة للنجاح ومحفزة ومكافأة بشكل صحيح.

 

الدكتور عامر هشام الصفّار

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم