صحيفة المثقف

اليمن السعيدة.. من يغيث من؟!

قاسم المحبشيالله لا هان عزيز! بهذا الدعاء بدأتها

ثم قلت: أننا هنا في حضن أم الدينا الحانية البلد العربي الوحيد الذي فتحت ذريعتها لنا ونحن نعيش أسوأ كارثة إنسانية شهدها اليمن السعيد منذ أن تفرقت أيدي سبأ بعد خراب سدها المنيع. اليمن شعب كريم وحضارة تليدة وحينما نحكي عن اليمن فهذا يعني أننا نحكي عن أهم الحضارات التي شهدت جنوب الجزيرة العربية في تاريخها وبعضها لازالت مستمرة على مدى سبعة الالف عاما ومنها حضرموت درة الجزيرة العربية وخلاصة حضارتها التليدة حضرموت هي التي جمعتنا في أم الدنيا للبحث في مصابنا برعاية مصرية يمنية حانية.

تعد اليمن من أكثر الدول كثافة بالسكان في شبه الجزيرة العربية وبمعدل نمو سنوي يبلغ 5.3 ، %وفي حالة بقاء معدل النمو على حاله فإن عدد السكان سيبلغ 000.844.37 نسمة بحلول عام 2026م، فضلا عن ما تمتلكه من تنوع طبيعي مناخي  فريد وغنى زاخر بالموارد النباتية والحيوانية والكائنات الدقيقة المفيدة والتي تقوم بوظائف حيوية مفيدة، فالتنوع الطبوغرافي أسهم في وجود تنوع حيوي ومناخي ساعد في ظهور بيئات متنوعة لعبة دورا هام في التنوع الحيوي الزراعي والاستقرار البشري و الحفاظ على نوعية الهواء وضمان بيئة صحية للسكان، آما أن غنى التنوع الحيوي وآثافة الغطاء النباتي ساعد على حماية التربة من الانجراف. ووفقاً للمعهد الدولي للموارد فإن الأنظمة البيئية تعتبر "آليات الإنتاج للكون" حيث توفر الغذاء والماء والمواد المستخدمة في الملابس والورق والخشب للبناء (عام 2000 .(وقد مارس السكان اليمنيين ومنذ فجر التاريخ على مهنة اصطياد الحيوانات وصيد الأسماك وبرع في استخدام المنتجات النباتية والحيوانية لسد حاجاته اليومية من الغذاء والملبس والبناء وغيرها من الاستخدامات المختلفة والتي لازالت تمارس حتى اليوم ، يقدم الجدول (3 (أمثلة لقائمة السلع والخدمات التي تقدمها أربعة نظم بيئية متوفرة في اليمن وشهدت اليمن خمس حضارات متزامنة (حمير وحضرموت ومعين وريدان وقتبان واوسان وسبا) وفي اليمن خمسة مراكز ثقافية تليدة هي( حضرموت وزبيد وعدن وصنعاء وتعز) وفي اليمن خمسة الألوان غنائية هي (اللون الصنعاني واللون اللحجي واللون الحضرمي واللوان اليافعي والألوان التهامي) وفي اليمن أنماط متعددة من الفن المعماري الفريد في العالم منها النمط اليافعي والنمط الحضرمي والنمط الصنعاني ، وفي اليمن أساليب متنوعة من الفنون الشعبية والأزياء والأطعمة واللهجات والحكم والأمثال الشعبية وتمثل الصناعات الحرفية والمشغولات اليدوية والصناعية الصغيرة في اليمن رافداً حيوياً للشعب اليمني ,منها: الفخار، البخور، الزباد، الحصير، الجنابي، آلات العزف، المشغولات الفضية، والعقيق اليماني، والمشغولات الجلدية، والنسيج، والنحت على الخشب الذي يتضمن زخرفة، ونحت اللوحات، والأبواب، والشبابيك الخشبية، والكراسي، وبعض الطاولات بتصميمات يمنية ذات طابع تراثي وتاريخي ومعماري أصيل، وعمل الجصيات، غيرها هذا التنوع الطبيعي والتاريخي والثقافي فضلا عن الثروة البشرية التي تتميز بها اليمن تعد من مقومات التنمية المستدامة لو صلحت السياسية التي بدون صلاحها يصعب الحديث عن أي شئ ممكن. إذ أن لتنمية المستدامة تنمية طويلة الأمد، حيث تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال القادمة في موارد الأرض وتسعى إلى حمايتها. تلبّي احتياجات الفرد الأساسيّة والضروريّة من الغذاء، والكساء، والحاجات الصحيّة والتعليمية التي تؤدّي إلى تحسين الأوضاع الماديّة والاجتماعيّة للبشر دون الإضرار بالتنوّع الحيويّ، وهذا من أولويّاتها فعناصر البيئة منظومةٌ متكاملةٌ والحفاظ على التوازن ما بين هذه العناصر يوّفر بيئةً صحيةً للإنسان. تحافظ على عناصر المحيط الحيوي ومركباته الأساسيّة، مثل: الهواء والماء؛ حيث تشترط الخطط عدم استنزاف الموارد الطبيعيّة في المحيط الحيويّ، وذلك برسم الخطط والاستراتيجيات التي تحدّد طرق استخدام هذه الموارد مع المحافظة على قدرتها على العطاء. تعتمد على التنسيق بين سلبيّات استخدام الموارد واتجاهات الاستثمارات؛ حيث تعمل جميعها بانسجامٍ داخل منظومة البيئة، بما يحقّق التنمية المتواصلة المنشودة وقد أكدت نظرية الثقافة على أهمية التعددية الثقافية كمعطى جوهري وحيوي للحياة الإنسانية والتنمية المستدامة لأن الأمة التي تتعدد فيها وتتوازن أنماط الحياة تصبح اقل تعرضاً للمفاجآت وأكثر قدرة على الاستجابة للمواقف الجديدة، ومن ثم فان النظم السياسية التي تشجع تنوع أنماط الحياة المتعددة اقرب للنجاح من تلك التي تقمع التنوع الضروري. وتؤكد النظرية أن التعددية جوهرية، لان اختلاف الناس في هذا العالم هو الذي يمكـَّن أنصار كل نمط حياة من أن يعيشوا بطريقتهم بحيث تصبح معيشة الناس في نمط واحد نوعاً من (اليوتوبيا) المهلكة، لأن أنصار كل نمط حياة يحتاجون للأنماط المنافسة، سواء للتحالف معها، أو الشعور بالذات في مقابلها أو حتى لاستغلالها لمصلحتهم. تؤكد نظرية الثقافة على أهمية التعددية الثقافية كمعطى جوهري وحيوي للحياة الإنسانية، وحينما ننظر نظرة سريعة إلى شكل المجتمع الإنساني نرى أن الفرد في المجتمع يتفق مع بعض الناس في كل النواحي كما يتفق مع بعض الناس في نواح أخرى، ولا يتفق مع أي من الناس في نواح ثالثة. وإذا ما انطلقنا من تعريف الأمريكي (روبرت بيرستد) للثقافة بأنها « ذلك المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نمتلكه كأعضاء في المجتمع» ومن ثم فان النظم السياسية التي تشجع تنوع أنماط الحياة المتعددة اقرب للنجاح من تلك التي تقمع التنوع الضروري.وتؤكد النظرية أن التعددية جوهرية، لان اختلاف الناس في هذا العالم هو الذي يمكـَّن أنصار كل نمط حياة من أن يعيشوا بطريقتهم بحيث تصبح معيشة الناس في نمط واحد نوعاً من (اليوتوبيا) المهلكة، ل

تنطلق فرضيتنا من الاعتقاد بان منظمات المجتمع المدني بتنويعاتها وأدواتها وعناصرها وعلاقاتها وتشبيكها وشبكاتها الواسعة في اليمن يمكنها أن تلعب أدوارا جديرة بالقيمة والأهمية في تسوية النزاعات الناشبة وبناء السلام المأمول، بالشراكة مع الفاعلين الآخرين الحكومة والسلطات المحلية والهيئات الدولية. إذا ما تم أعادة تنظيم نشاطها وتعزيز قدراتها بالدعم والممكنات اللازمة.

ويأتي بحثنا لمنظمات المجتمع المدني ودورها في بناء السلام والتنمية المستدامة في اليمن في سياق الجهود الدولية والمحلية الرامية لحل النزعات وبناء السلام في هذه البلاد التي أثخنتها الحروب والنزاعات بما يدعم الاستقرار الاجتماعي عبر تعزيز آليات منع النزاعات العنيفة وتسويتها وتمهيد الأرضية المناسبة لأجراء حوار شامل بين اليمنيين، بما يؤمن فرصة الوصول إلى تسوية سياسية ممكنة للأزمة السياسية اليمنية الراهنة. وذلك من خلال فهم الموارد والقدرات التي يمتلكها المجتمع المدني والبحث في كيفية تفعيلها وتنميتها وتوظيفها في خدمة الهدف العام لبناء السلام المأمول.

إذ تعد منظمات المجتمع المدني من المكونات الأساسية للمجتمع اليمني، بوصفها تضم شرائح واسعة من الفاعليين الاجتماعيين الذين يضطلعون بوظائف وادوار حيوية في التنمية الاجتماعية، وقد شهدت الدوائر الأكاديمية والسياسية والإعلامية في غضون السنوات القليلة الماضية تزايد الاهتمام بالمجتمع المدني والاعتراف المضطرد بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه منظماته المتنوعة في مجتمعاتها المتعينة ومنها: منع نشوب النزاعات أو المساعدة في تسويتها حال نشوبها والاسهام في بناء السلام في المجتمعات التي شهدت نزاعات حادة، كما بينت تجارب البلدان التي شهدت حروبا ونزاعات عنيفة كالبوسنة والهرسك وما مارسته منظمات المجتمع المدني من أدوار في بناء السلام بعد الحرب. هذا هو ما أقرته مختلف تقارير الأمم المتحدة وإعلاناتها بما في ذلك تقارير مجلس الأمن الدولي والمنظمات العاملة في حل النزاعات وبناء السلام حول العالم. وقد تنوعت أدوار منظمات المجتمع المدني في حل النزاعات وبناء السلام اثناء الحروب وبعدها من ذلك: مبادرات الوساطة الشعبية والنخبة الفاعلة بالتفاوض والدعوة للحوار بين أطراف النزاع والإغاثة والتنمية التقليدية وممارسة الضغوط المدنية على الحكومات في سبيل التنمية.

وفي مقاريتنا سوف نحاول التعرف عن واقع منظمات المجتمع المدني في اليمن وطبيعة الأدوار والأنشطة التي يمكنها أن تقوم بها في بناء السلام باليمن؟ وماهي قدراتها الكامنة للقيام بهذه الأدوار؟ وما الإشكاليات والمعوقات التي تعيق اسهامها الفعال في بناء السلام؟ وما حدود مساهمتها ووسائل وطرق وأدوات تلك المساهمة؟

منظمات المجتمع المدني في اليمن وتجربة الحرب

أثبتت الأزمة اليمنية وما شهدته من أحداث عاصفة منذ اندلاع المواجهات العسكرية قبل ستة سنوات مضت، الدور الحيوي للمجتمع المدني ومنظماته الأهلية والمهنية والثقافية دورا حيويا في حفظ المجتمع من الانهيار والفوضى، إذ رغم غياب مؤسسات الدولة الرسمية (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وتدمير البنية التحتية للخدمات وتعدد أطراف الحرب وهيمنة الجماعات المسلحة والمليشيات وانتشار السلاح بين السكان على نحو لم يشهد له تاريخ اليمن مثيل، بحيث بات معظم سكان اليمن الذكور يمتلكونه، في هذه البيئة الملغمة بكل أسباب النزعات وأدواتها العنفية، كان المجتمع المدني هو الحاضر الوحيد في حفظ الرمق الأخير من الحياة الاجتماعية المشتركة للناس في المدن والأرياف وفي تأمين شبكة الطرق والمواصلات الرئيسة بين المحافظات اليمنية المترامية الأطراف، إذ قام المجتمع المدني بمختلف هيئاته المتنوعة بدعم قدرات المجتمع الذاتية وتعزيز شبكات الأمن والاستقرار الاجتماعية وحل النزعات الصغيرة والحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي لسكان المدن والأرياف، وهو بذلك قام بدور تعويض غياب السلطات والمؤسسات الرسمية، وذلك عبر سلسلة واسعة من المبادرات والتدخلات الفاعلة في تلبية الحاجات الحيوية للناس إثناء الحرب، إذ بادر الفاعلون المدنيون منذ قبيل اندلاع المواجهات الحربية في اليمن إلى تقديم مقترحات مكتوبة لحل الأزمة بالطرق السلمية وعبر الحوار والتفاهم وبناء الثقة وقامت عدد من منظمات المجتمع المدني بمساعي عدة للتوسط بين أطراف النزاع والبحث عن أرضية مشتركة لبناء السلام، وفي إثناء الحرب تزايد أدوار منظمات المجتمع المدني، في توفير السكن للنازحين وإسعاف الجرحى وحفظ جثامين القتلى، ومد المحاصرين والمعوزين والنازحين بالغداء والماء والدواء مواساة اسر الضحايا، وكان الفاعلون المدنيون اليمنيون في داخل الوطن وخارجه ولا زالوا يمارسون أدوار حيوية وبالغة الأهمية في الحفاظ على الحد الممكن للتماسك والاندماج الاجتماعي لسكان اليمن الذي يقدر عددهم ب بثلاثة وثلاثين مليون نسمة متذذرين في ( 133000) تجمع سكاني كبير وصغير.

وكما تمكنت منظمات المجتمع المدني في اليمن من مواجهة تحدي الحرب وتفعيل ممكناتها في ممارسات أدوار فاعلة في تسوية النزاعات الاجتماعية في المجتمعات المحلية والحفاظ على المجتمع من الانهيار في الفوضى؟ تتوقع دراستنا هذه بان منظمات المجتمع المدني يمكنها القيام بأدوار مهمة في بناء السلام باليمن، عبر ممارستها نشاطات وأدوار متنوعة منها:

- نشر الوعي حول السلام وضرورته والتعريف بمخاطر الحرب وتوعية المجتمع المحلي بضرورة التخلي عن السلاح ومخاطر حمله في الفضاء العام.

- بناء قدرات النخب السياسية والإعلامية والمجتمعية حول مهارات وقيم ومعارف التعايش والتسامح التصالح والتضامن والسلام

- التوعية بأهمية العدالة الانتقالية، ودورها في بناء السلام، والقيام بتنفيذ برامج ثقافية توعوية عن العدالة الانتقالية وأهميتها في تجاوز الماضي المأساوي وتنمية ثقافة النظر الى المستقبل والمساهمة المباشرة في عمليات العدالة الانتقالية وبرنامجها.

- المطالبة بتفعيل المؤسسات الدستورية وضمان حماية مبدأ المواطنة المتساوية. مناصرة المفاوضات الرامية لتحقيق السلام، عبر الاسهام في بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة.

- الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي تخالف مواثيق وقوانين حقوق الإنسان وتوثيقها والتنديد بمرتكبيها ومناصرة ضحاياها.

- تعزيز قيم الإنصاف والاعتراف عبر المساواة والشراكة الوافقية العادلة. المساهمة في تحريك عجلة التغيرات السياسية بتعزيز ثقافة الحكم الرشيد ومحاربة الفساد. نشر الوعي المنهجي في المجتمع المحلي بالحقوق الخاص بالنساء والأطفال وذوي الحاجات الخاصة وتعزيز دور المرأة والشباب في صناعة المستقبل. تعزيز ونشر ثقافة الحوار البناء بين مختلف شرائح المجتمع، القيام بمبادرات لحل الخلافات الهيكلية في المجتمعات المحلية. دعم أنشطة تحسين سبل المعيشة للأسر والأفراد.

- المساهمة في خلق وسائل إعلامية بديلة عن إعلام الحرب، وتعزيز إعلام السلام لتكون أداة لنشر ثقافة التعايش وقبول الأخر.

- . تسهيل التواصل بين الأطراف وخلق بدائل متعددة للحوار السياسي - المشاركة في المفاوضات السياسية وتيسير التوسط بين أطراف التفاوض.

- الإسهام الفعال في إيجاد "سلام عملي" على صعيد المجتمعات المحلية من خلال البحث عن أرضية مشتركة لحل النزعات وتنمية المجتمع.

وتنطلق فكرة الشراكة الاجتماعية من واقع أن الناس في المجتمع هم شركاء فيه على قدر متساوي من الحق والأهلية. و الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر, ينتهج طريق واساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها , وهذا لا يتم الا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاجتماعيين هذا معناه ان أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ بما يكفل لكل طرف من الإطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة , فالتشارك هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء إشباع حاجاتهم وتامين شروط حياتهم ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بانه الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع اعضاء المجتمع المعني وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف إذ أن أكبر التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والإنصاف والاعتراف و يمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار. وتلك هي سمة المجتمع المتصالح والمتسامح مع ذاته وعكسه عدم التسامح وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والإهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه! وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لانه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال. بينما التسامح المطلوب والملح والضروري في وضعنا الحالي هو التسامح الإيجابي الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة بأهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخه بالتسامح الفعّال بالأفعال والأقوال بوصفه قيمة أخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسان الذي يستحق التقدير والاحترام وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو الا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب ان تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم هم وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليتهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع إعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة أي الدولة على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار والإفراد يأتون ويذهبوا اما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام . والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم! فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام ! هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في احترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدة الأخلاقية :عامل الناس كما تود أن يعاملوك.

وفِي الختام أكدت على أهمية أن الشعوب لا تعيش بالحروب فقط

وأن السلام والاستقرار والعدالة والتنمية هي المدخل السليم لإعادة بناء اليمن وهذا يحتاج إلى خطة مرشال عربية إقليمية دولية تعيد الحياة والأمل إلى اليمن السعيد واهله الذي وصفهم فيهم خاتم الأنبياء والمرسلين بأنهم أرق قلوب والين أفئدة! قبل أن تجف قلوبهم وتتحجر أفئدتهم. والخير يخص والشر يعم والشعوب لا تموت.

 

ا. د. قاسم المحبشي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم