صحيفة المثقف

العراق بين أزمة الضمير وبذرة المواطنة

ضياء محسن الاسديان أي دولة في العالم عند انهيار دولتها واقتصادها من بعد خروجها من صدمات سياسية وحربية أو اقتصادية تقف على قدمها وإعادة ترتيب أوراقها ثانية بسرعة وجيزة جدا لتعويض ما فاتها وأعادت ما دُمر منها بطرق وأساليب قصيرة المدى برؤى اقتصادية وصناعية ضمن المساحة المعمول بها وبعقول خارجية وداخلية مستفيدة من عامل الزمن والثروات التي تمتلكها البشرية والمادية والطبيعية إلا في العراق حيث نراه يتراجع في كل عام إلى الوراء تحت ضغط المشاكل والأزمات المفتعلة بأصابع العابثين بمقدراته والكل يعرف إمكانيات العراق وعندما نقول تراب العراق ثمين وغالي فهو فعلا كذلك فترابه وطبيعته تكمن تحت ثراه ثروات لا تقدر بثمن ولا تنضب أبدا فقد أُبتلي هذا البلد بخيرات وثروات تُسيل لها لعاب الطامعين والحاقدين عليه والذين لا يروق لهم صعود نجم هذا البلد وتطوره وكأنما أريد أن يكون تحت رحمة الغير وأسير الأزمات ولا يُريدونه أن يتنفس شعبه الصعداء بذريعة أنه قد يشكل خطرا عليهم . أن الأزمات الحالية التي تعصف بالعراق بعد ( 2003 ) ميلادية وما بعدها ازدادت وطأة المشاكل الاقتصادية على الشعب العراقي من خلال الإرادة السياسية لبعض سياسييه في عدم اتخاذ ما يمكن عمله في سبيل انتشال العراق من كبوته السياسية والاقتصادية والصناعية وأبقوه تحت رحمة مورد النفط وأسواقه المتقلبة كل يوم ليزداد الشعب في معاناته وتجريده من إمكانياته الأخرى من خلال التخبط الواضح في عمل الحكومات وعدم الجدية في العمل بقرارات بعيدة عن ملامسة واقع الحياة للفرد العراقي وإنعاش دخله حتى أوصلته إلى الإفلاس المادي وإفراغ خزينة الدولة وتدمير المواطن نفسيا ولم يفكر أحدا في كيفية الاستفادة من ثروات وإمكانيات العراق وكأن الأمر مقصودا ومخططا له منذ وقت بعيد لكسر أرادة شعبه وتفريغ مكامن قوته . فلو أرادت أي حكومة النهوض بواقع العراق نحو التقدم والازدهار والأعمار لوضعت الخطط الإستراتيجية بعقول عراقية خالصة التي تعج بها المؤسسات الفكرية والعلمية والاقتصادية حيث استفادت منها بلدان العالم وبنت بلدانها بهذه العقول المهاجرة إليها من بعد ما طردها أصحاب القرار السياسي في السلطة فإذا لو أريد العمل في تنشيط السياحة الدينية في العراق لكان العراق قبلة العالم الإسلامي والغربي لامتلاكه أول معالم التأريخ الحضاري والبشري والديني في أول بيت توحيدي في العالم يحج إليه العالم المسيحي واليهودي وهو بيت نبي الله إبراهيم عليه السلام في مدينة أور بدلا من الفاتيكان بالإضافة إلى المراقد المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ومدينة بغداد والجوادين وأبا حنيفة النعمان رضي الله عنهم وسامراء كذلك الكثير من المعادن الثمينة التي تشكل عصبا مهما في اقتصاد بلدان العالم المجاورة للعراق أهمها مناجم الفوسفات وخام الزجاج ومناجم الذهب المكتشفة في صحراء الرمادي وأخصب وأفضل المناطق الديمية لزراعة الحنطة والشعير في الغرب من العراق ومعدن الحديد الغير مستغلة لحد الآن ولا ننسى الاستفادة من حوض نهر الفرات في الملاحة النهرية كقناة مائية تجارية بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي و يمكن تشغيل الآلاف من المراوح والطواحين الهوائية لتوليد الطاقة الكهربائية في المناطق المكشوفة من غرب العراق والاستفادة من ارتفاع في درجات الحرارة في الصيف التي تصل إلى أكثر من 50 درجة مئوية لتوليد الطاقة الكهربائية وهناك عصب مهم في شمال العراق لو أستغل على الوجه الأكمل لكانت موارده تسد نفقات على الأقل المحافظات الشمالية ألا وهي السياحة الصيفية والشتوية في ربوع شمالنا الحبيب لما يملكه من مناطق خلابة حيث كانت في السابق قبلة العرب والخليج إليها ولا يفوتنا جمال طبيعة الأهوار الجنوبية الثلاث وتأهيلها أمام السياحة العالمية والداخلية وإبعاد أيدي المستثمرين والمتنفذين لتكون قبلة العالم المتعطش لجمال الطبيعة لبلاد الرافدين ولو كانت الدولة جادة في تعظيم مواردها الغير نفطية لأنشأت محطات لتنقية مياه الشرب في المناطق الحدودية القريبة من الكويت والسعودية وتصديرها لهم بدلا من  هدر المياه المتدفقة من شط العرب إلى الخليج هباء منثورا من غير استثمارها في مشاريع لا تعد ولا تحصى للذي يملك القدرة على العمل الصالح لهذا البلد وشعبه لكن غياب الضمير وعدم نكران الذات وعدم امتلاك الحس الوطني والمواطنة لكثير من السياسيين البعدين عن تطلعات الشعب ومصلحته فنحن نعيش في زمن فقدان الشجاعة السياسية والوطنية في اتخاذ القرارات المصيرية التي تصب في مصلحة الشعب و انتشاله من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف به وهو يتربع على أرض تطفوا فوق موارد ثمينة لا تقدر أبدا ...

 

ضياء محسن الاسدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم