صحيفة المثقف

ازمة الهوية الوطنية

مهدي الصافيبين الازمات المحلية والصراعات الدولية المفتعلة

انتفاضة تشرين، ميناء الفاو، خفض قيمة العملة، مليشيات تفكيك الدولة....


لايعد تعريف السياسة "بأنها فن الممكن او بيت الشيطان" هو العنوان او الشماعة التي يحملها الناس مسؤولية مايجري في بلدانهم والعالم من صراعات ونزاعات وحروب وماسي الخ.

هناك اعمال استراتيجية شيطانية توحشت كثيرا مع سيادة قوة القطب الواحد (انتهاء الحرب الباردة)، خضعت بعدها السياسة الدولية (والانظمة الديمقراطية الحديثة) الى سلطة وقوة رأس المال، ولعل فترة رئاسة ترامب السابقة (المنتهية ولايته) هي معيار تلك الحقائق، حيث اصبح الحديث عن الاستثمارات كأساس في العلاقات الدولية الاستراتيجية تسبق الاحتكام الى القوانين والاعراف والاخلاقيات والاتفاقيات الثنائية، المبنية على احترام خصوصيات الشعوب وكرامتهم وسيادة بلدانهم،

وكأن وباء كورونا جاء مفتعلا لاعادة ترتيب خارطة القوى العظمى مع القوى الاقليمية الصاعدة، مع غياب تام لسلطة وقوانين والتزامات الدول بميثاق الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي (التي تحرم التدخلات الخارجية في شؤون الدول الاخرى، او اثارة الحروب والنزاعات، المادة 2، 1 من ميثاق الامم المتحدة ومادة 33، الخ.)،

فتحت الابواب امام النزاعات والحروب الدولية الاقتصادية، التي بدورها تزحف نحو التغييرات الجيوسياسية للدول والمناطق المضطربة او المتوترة داخليا وخارجيا (الدول المتعددة الاثنيات والطوائف) ...

من بحر الصين الجنوبي الى الحدود الهندية الباكستانية (ميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب) الصينية الى ابعد نقطة على طريق الحرير

 في الخليج العربي (ميناء الفاو العراقي)، ازمات وصراعات وحروب مصطنعة، غايتها ايقاف المد الامبراطوري الصيني الزاحف بقوة نحو عالم متعدد الاقطاب، وسواء كانت البلدان العربية تميل شرقا اوغربا، نحو هذا الامبراطور الجديد او الابقاء على النمط الكلاسيكي القديم، فالمصلحة الوطنية العليا هي من المفترض ان تكون المقياس او المعيار التي يجب ان يتبع للحفاظ على مصالح الامة الحيوية والاستراتيجية....

كان جليا لاصحاب المعرفة والاهتمام السياسي الاستراتيجي ان تؤشر على ان حرب اليمن، من انها الارض التي ستكشف ان تهافت دول الخليج المدعومة او المدفوعة امريكيا واوربيا لاشعال حرب السيطرة على هذه البلاد، هي عبارة عن حرب الهيمنة على الموانئ والمنافذ البحرية الاستراتيجية،

مثلما ارادت روسيا والصين بمساعدة ايران احداث تغيير كبير في معادلة اعادة ترتيب اوراق السلطة في اليمن بعد علي عبد الله صالح، تحركت السعودية والامارات في حرب مسعورة ضد هذا البلد الفقير، بعد ان ساهمت من جهة اخرى مع تركيا (قبل الانقلاب العسكري الفاشل على حكومة اردوغان)

والجماعات الارهابية على تدمير سوريا (التي تمثل امتداد الهلال الشيعي، ومنفذ حيوي اخر لطريق الحرير الصيني الروسي، ولخطوط نقل الطاقة على البحر المتوسط)، في تقسيم عالمي اقليمي واضح المعالم (روسيا الصين ايران باكستان مع تركيا المتأرجحة والدول الحليفة لهم من جهة، وفي المقابل امريكا والاتحاد الاوربي ودول الخليج واسرائيل الخ.) ..

العراق ساحة الصراعات الامبراطورية للقوى الامبريالية الرأسمالية، تلعب به القوى العظمى والاقليمية لعبة جر الحبل، اذ لايمكن ان تحل هذه المسألة دون قطعه وجره الى جانب القوى المنتصرة،

ايران تريد له ان يبقى دولة فاشلة ينخرها الفساد، لغايات ومكاسب عدة، منها جعله منفذ للهروب من قساوة الحصار الاقتصادي الدولي، وساحة لمواجهة المخططات الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، ولهذا يعد ملف بقاء المليشيات الشيعية المسلحة (الولائية) ضرورة للمواجهة، ولمواصلة التحدي لمن يريد كسر الهلال الشيعي من الوسط، لكنها تصطدم مرارا وتكرارا بتركيبة وعقلية وطاعة هذه المليشيات، المختلفة جذريا عن نظرائها من حزب الله لبنان او انصار الله في اليمن او النظام السوري،

هذه الجماعات فشلت في كسب ود وتعاطف الشارع الشيعي المحلي معها، بعد ان استكملت مرحلة تحرير الموصل والمناطق الغربية من داعش وبقية الجماعات الارهابية، فبادرت بالدخول في تحالفات انتخابية مرفوضة شعبيا، وشاركت بقوة في العملية السياسية والانتخابات الاخيرة المشكوك بنزاهتها

 (التي قاطعها غالبية الشعب العراقي ولم تتجاوز نسبة المشاركة ال 25% كما اشيع حينها في الشارع)، واصبحت شريك فعلي بالمحاصصة والتوافق السياسي، وهي تتحمل ايضا كل التبعات التي شابت ورافقت تلك المرحلة، واهم احداث تلك الفترة المظلمة من عمر الديمقراطية البدائية، هو استهداف المتظاهرين (انطلاق ثورة تشرين 2019) وقتل المئات وجرح الالاف منهم في بغداد وبقية المحافظات ذات الغالبية الشيعية،

فقد كانت هي في موضع الاتهام بما يسمى الطرف الثالث (الذي حمل مسؤولية قتل المتظاهرين واستهدافهم او خطفهم، وتعذيبهم وزرع العبوات امام بيوتهم واغتيال بعضهم بالكواتم او حتى علنا امام الناس وبالقرب من الاجهزة الامنية وكاميرات المراقبة)،

مما يجعل من مهمة التعجيل بتنفيذ مشروع الربط الصيني الاسيوي الدولي مع العراق معقدة او مؤجلة، ومتوقفة على قوة تأثير ومخططات وردود فعل الجانب او المحور الامريكي (الذي يواجه معضلة خسارة صاحب مشروع صفقة القرن ترامب بحذر شديد)،

وهذا مايبدوا انه انعكس على الصراع المحلي بين الطبقة السياسية الحاكمة، فريق يبحث عن العمولات والسمسرة والرشاوى في مشروع ميناء الفاو الاستراتيجي، غير مكترث تماما بالازمات الاقتصادية المتكررة، وغير معني بالبطالة وبمستقبل البلاد، وبشبح الافلاس وانهيار الدولة،

وفريق اخر اقل فسادا يبحث عن وسائل واقعية لانجاح الاتفاقية العراقية الصينية بعيدا عن الاملاءات والتهديدات الامريكية،

الكارثة تكمن في ان حكومة الحل كما يطلق عليها متناغمة كليا مع الفريق الاول (سواء بقصد او بدونه)، والتي تضغط بقوة بأتجاه اضعاف الاقتصاد وتخفيض قيمة العملة المحلية، واتباع شروط واوامر البنك الدولي (والاقتراض غير المبرر) الفاشلة...

كل ماسبق يعكس حالة واحدة تعاني منها بعض الدول المتعددة الاثنيات والطوائف هي غياب الهوية الوطنية الحديثة، فالعالم لم يعد بحاجة الى التعريف القومي العنصري او اليميني القديم للامة، فمن يقوده اليوم هي دولة المهاجرين (امريكا بلد متعدد الثقافات والاديان والاثنيات والاعراق الخ.)،

انما الى تعريف الامة داخل منظومة الانتماء الوطني والامن القومي، التي تكفلت بصياغة مبادئه واسسه الديمقراطية العلمانية الرأسمالية،

دولة الامة تعني ان يكون الولاء للوطن عبر الممارسات اليومية للمواطن، داخل دوائر ومؤسسات الدولة الرسمية العامة والخاصة، على سبيل المثال لا الحصر ان المؤسسات الدينية والفكرية والثقافية والابداعية والاعلامية الخاصة هي ليست ابواب لصناعة الهويات المتعددة للدولة، لانها تخضع بشكل واخر لغطاء الدولة القانوني والدستوري

 (وهذا ينعكس بشكل لافت في الخطاب والنهج الجمهوري العلماني الفرنسي المتشنج تجاه مسألة الاقليات والانتماءات الدينية لانه جاء في سياقات سياسية وليست استنتاجات معرفية او بحثية، بينما في الحقيقة هو خطاب واقعي لمايثار في الغرب عن مسألة الاندماج في القيم الاوربية للاقليات المهاجرة، خوفا من الظواهر الفئوية الانعزالية، التي قد تشكل تهديدا محتملا لوحدة دولة الامة مستقبلا)، حتى الصدقات والتبرعات او المساعدات التي تدفع للفقراء والمحتاجين، لم تعد مخفية يتحكم بها اشخاص مجهولين او تودع في حسابات شخصية وعائلية، انما علنية وتحت انظار الدولة، على عكس مايحصل في بلادنا العربية،

العراق على سبيل المثال تتعدد فيه الولاءات والهويات الاجتماعية والوطنية (الولاء المذهبي والعرقي والاثني والقبلي والمناطقي)، هناك الولاء الشيعي الخارجي تحت ابواب التقليد (اي شيعي عراقي يمكن ان يقلد مرجع عربي او افغاني او ايراني الخ.)، او الولاء الطائفي السني للمدرسة الوهابية او التوجه القومي العربي، الاول التبس عليه الامر فصار عنده الولاء ليس فقهي فحسب، انما عام وشامل، كما في مفهوم ولاية الفقيه الايرانية، بينما في قاموس الدول الحديثة الولاء للوطن (لاضير ان يكون للمسلم او المسيحي او اليهودي مرجع ديني من دولة اخرى، لكن لايجوز ان يصاحبها ولاء سياسي او اتباع شامل لهذه الولاية الدينية)، فالاشكان ان نظرية ولاية الفقيه ليست مختصة بالجانب الفقهي او الديني انما هي مطلقة،

ولهذا يسقط الدراويش الشيعة العرب في شباكها دون معرفة او تمعن (بينما الشيعي الايراني لايعاني من مشكلة الولاء لان اغلب مراجع الشيعة العرب هم من اصول ايرانية ايضا، بل هم اساس مفهوم المرجعية وبناتها الاوائل)،

اما مايخص الولاء السني فهذا اقل خطورة في مجاله ومحيطه العربي

 (مع ان سلطة الفرد التي ظهرت مع الانظمة العربية الشمولية القومية بعد رحيل الاستعمار اواسط القرن الماضي، لايمكنها ان تصنع دولة الامة الحقيقية، انما دولة الزعيم الاوحد، التي سوف تصبح دولة الزعماء والجماعات والاثنيات والطوائف عند الانتقال الى مرحلة الديمقراطية البدائية، كما حصل في مصر من عهد عبد الناصر وصولا للسيسي، بدون الزعيم تتفكك الدول او الامة)،

الا ان الفكر الوهابي الارهابي المتوحش هو الاكثر خطورة في العالم الاسلامي، لانه خاضع ايضا لسلطة دول الخليج الغنية (السعودية والامارات وقطر والكويت)، مما يشير الى حاجة الامة الى نقلة تاريخية مصيرية،

في احداث ثورة ثقافية او معرفية شاملة في المجتمع العربي، لتفكيك المفاهيم والنظريات والاعتبارات المتوارثة، التي كانت ولاتزال تنهك وترهق وتدمر هذه الامة، وتستنزف مواردها وثرواتها، بالشعارات والانتماءات العصبية او الطائفية، لابراز دور الحكمة والعقل في التعامل مع متطلبات المرحلة الانتقالية الفكرية، لبناء دول ديمقراطية متحضرة، تبعد الدين (رجال الدين) عن الدولة،

وفق مفهوم ان الدولة ليست معنية بأديان وعقائد وانتماءات الشعب، بقدر مايعنيها البرامج والمشاريع والاسس التنموية الاقتصادية والتجارية والادارية، واكمال بقية اركان ادارة الدولة المدنية العصرية،

ومؤسساتها المهنية المستقلة، ان تكون من مهام السياسة الوطنية انجاح الدولة والمجتمع، وزيادة الرفاهية والامن واستمرارية التقدم والازدهار،

وشروط تنفيذ برامج العدالة الاجتماعية، تحت مفهوم ان الاديان وثقافات او تراث الشعوب جزء من المنظومة الاخلاقية القيمية العامة للدولة، الخ....

جاءت قضية خفض قيمة العملة المحلية لتثير الشك والريبة من هذا الفعل غير المدروس او المحير، مع تكرار التلويح بأن خزينة الدولة خاوية لاتسد رواتب الموطفين، علما ان اسعار النفط لازالت عند المستويات المعقولة (لم يهبط كما قيل الى مادون25$)، اضافة الى انهيار العملة الايرانية والتركية،

وهي تعد من اهم الدول المصدرة للعراق، البلد تدخله العملة الصعبة من عائدات تصدير النفط، لكن حجم الفساد الهائل والتلاعب بمزاد العملة وفساد بعض البنوك الاهلية، لايعطي لتلك العوائد اي دور في تحسين المستوى المعاشي لذوي الدخل المحدود (حتى رواتب الطبقة المتوسطة تعد حرجة، فكيف بطبقة الفقراء)،

لاسباب عديدة منها الحالة الفوضوية للسوق المحلية، تبخر اموال البطاقة التموينية او رداءة موادها، وغياب مشاريع التنمية الزراعية والتربية الحيوانية، وكثرة الفساد والاتاوات في المنافذ والموانئ والمراكز الحدودية، وهذا كفيل بتعطيل حركة الاستيراد والتصدير والتبادل التجاري مع بقية دول العالم،

وهناك عوامل ادارية روتينية واجراءات ثانوية وتدخلات جانبية للفاسدين تعرقل ايضا عجلة الاستثمار، وتمنع تواجده لفترة طويلة،

وكذلك تعطي انطباع سيء لرؤوس الاموال الاجنبية الاستثمارية الراغبة بالمجيء لاسواقنا المحلية، وهذه الظاهرة لاتحدث الا في دولة المافيات وزعماء العصبات الاجرامية المتداخلة مع بعض اجنحة الطبقة السياسية الحاكمة، وما كثرة الزعامات والمليشيات الا دليل على ان النظام السياسي نظام هش، مقسم بين هذه الجماعات الانتهازية الفاسدة المخربة لوحدة الدولة والمجتمع....

ثورة تشرين هي الحركة الشعبية الاصلاحية، التي اريد لها منذ انطلاقتها العام الماضي، ان تصحح مسار العملية السياسية ولو بشكل جزئي، فحالة الاحباط التي اثيرت بعد الانتصار على داعش بعدم وجود وظائف جديدة، لبلد كان يعتمد نظام التعيين المركزي قبل 2003، الى نظام اخضعت فيه كل الوظائف الى المحاصصة والمحسوبيات والوسائط والرشوة، وبيع وشراء الوظائف والمناصب، (كان النائب المرشح يأتي الى محافظته وبيده قوائم حصته من التعيين)،

فلا الجيش تم بناءه بطريقة مهنية كاملة، ولا الاجهزة الامنية، وهكذا الحال لبقية وزارات ومؤسسات الدولة، مرجعية هؤلاء الموظفين ليس الوزير او المدير العام انما الكتلة او الحزب،

الكل ساهم بصناعة الدولة الفاشلة بما فيها المرجعيات الدينية والاجتماعية او العشائرية الشيعية والسنية، مع غياب كامل لمؤسسات الدولة الرقابية المستقلة، وضعف اداء السلطة القضائية الواضح (التي يقال ان فيها عدد من القضاة المرتشين تركة ثقافة البعث البائد، ولهذا نؤكد دائما على اهمية صياغة عرف قضائي جديد، وهو تكرار القسم السنوي للقضاة للتذكير باهمية مهنتهم امام الله عزوجل والشعب)، وهي السلطة الدستورية الاعلى في الانظمة الديمقراطية....

بناء دولة الامة لايأتي قبل التعريف الكامل بالهوية الوطنية كما ذكرنا، تلك التي يجب ان تكون خيمة لجميع المواطنين، لاتنظر الى الانتماءات والهويات الاثنية الخاصة، انما الى هوية المواطن الفعلية الذائبة كليا في بيت الامة، تحترم كيانه ودوره و مايؤديه من واجبات والتزامات وطنية، فالرفاهية الاجتماعية وتطور الخدمات والتربية والتعليم والامن والاقتصاد الناجح والتنمية هي الاسلحة المدمرة للظواهر السلبية الفردية او الفئوية، القادرة على انتشال الشباب والمراهقين من اوحال الجريمة والمخدرات وبقية الانحرافات الاجتماعية الخطيرة،

اما ان ترى العكس اينما تجلس او تمر في اي مكان او بقعة من بلادك ولاتسمع غير الشكوى والظلم والفقر والحرمان، وحديث السياسة وقصص الفساد والمشاريع الوهمية، والثراء الفاحش على حساب المال العام، فهذا يعني ان الطبقة السياسية الحاكمة لاتصنع غير دولة معاول الهدم، ومشاريع اجرامية متوحشة.....

الصراعات السياسية الداخلية هي ازمات وصدامات مفتعلة، اساسها التدخلات الخارجية وادواتها زعماء مافيات الفساد في الداخل، وهذه ملة لاتشبع من نهب المال العام، ولا من اساليب التخريب والانتقام الشامل من الشعب،

بل ان فسادها يكاد يكون اقرب للجنون والغباء او الجهل المركب، فهي لاتحسن حتى ادارة فسادها والتحكم به، وتطفو صراعتها احيانا بشكل علني على السطح عبر الاعلام،

كل جهة او طبقة تلوح بلمفات الطرف او الجهة المنافسة الاخرى، لكن المخاوف الحقيقية التي يراقبها الشعب العراقي بحذر هو تحالف رئيس الوزراء الحالي الكاظمي مع التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر (لقد تم التلاعب بالاعراف والانظمة والقوانين الادارية المعمول بها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، لصناعة وجبة جديدة من الشباب الانتهازي صاحب الخبرة الفائقة السرعة، لاستلام المناصب التي تتطلب تدرج وعناوين وظيفية معينة، كانت لاتأتي سابقا الا عبر سياقات ادارية عامة متعارف عليها قبل 2003)،

وهذا التيار لديه مليشيات متهمة بالعديد من القضايا، بعضهم لازال في السجون في قضايا المواجهة المسلحة ضد الدولة واجهزتها الامنية ابان فترة ولاية رئيس الوزراء المالكي (قبل تجميد جيش المهدي)،

وقضايا فساد كثيرة (باعتراف زعيم التيار نفسه الذي وبخهم، وعاقب قسم منهم، وابتعد عنهم اكثر من مرة)، لكن الاعلان عن نيتهم استلام رئاسة الوزراء القادمة، بعد اقرار قانون الدوائر الانتخابية المتعددة المحدودة، والتي يعول عليها كثيرا التيار الصدري، جعلت من حدة هذه المناكفات ان تتصاعد بين جماعة "البيت الشيعي"،

بعد ان تراجعت شعبيتهم، واتهامهم بأختراق ساحات التظاهر (بجماعة القبعات الزرق)، والتكفل بمفرده امام الحكومة والطبقة السياسية بأنهاءها ولو بالقوة (وماحدث في ساحة الحبوبي من حرق لخيام الاعتصام كان دليل على هذه الخطوات التصعيدية)،

وماحصل من جرعات تشجيعية كبيرة ضختها دماء ثورة تشرين في شرائح واسعة من ابناء الشعب (الطبقة الصامتة المحايدة) ، فبات امر توجيه النقد المباشر للتيار الصدري وزعيمه امرا طبيعيا (رغم وجود اسباب الحذر من ردات الفعل لبعض الحمقى ممن يدعون انهم يمثلون التيار الصدري)،

كلها تصب في مصلحة بناء دولة الامة، التي يحتم على المفكرين والنخب والطبقة الواعية بتأييد او الشروع بتأسيس ووضع اللبنات الاساس الاولى على طريق بناء حركة او حزب او تجمع سياسي تنموي وطني، يؤمن بدولة الموطن الديمقراطية الدستورية المدنية، التي تحترم وتقدس كرامة وحقوق الانسان العراقي، وتسعى لضمان حصول كل فرد من ابناء المجتمع على كامل حقوقه ضمن اطار نظام العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص وسبل العيش الكريم...

مايحدث يخجل منه حتى المؤرخين كما نعتقد، كيف يمكن لعراقي ان يدون في سجلات وكتب التاريخ، ان طبقة سياسية في القرن الواحد والعشرين، قرن الحضارة التكنولوجية الفضائية، تعمدت تدمير ارض الاجداد والاباء، بلاد مابين النهرين، تلك التي في كل شبر منها ثروة وارث عظيم....

 لاسبيل للخلاص غيرالثورة المعرفية السلمية،

هي السلاح الشرعي الوحيد الذي لايصدأ ولايهدأ في حربه الدائمة ضد الطواغيت والفاسدين والظلمة، ليس لها نهاية،

لان الشر يعيش مع الانسان كظله،

فهي من اعظم الموروثات الانسانية المتجددة

 

مهدي الصافي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم