صحيفة المثقف

طريق الحرير..

بكر السباتينحينما يختار العرب الهامش ويتركون العقل للأخرين.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مشروع العصر، طريق الحرير الصيني الجديد المتمدد عبر قارات العالم القديم، مخترقاً الصحارى والمهاد والجبال الشاهقات الوعرة والبحار.. وقد حظي الشرق الأوسط بجانب حيوي منه، وأدخل هذا المشروع المنطقة في تحالفين استراتيجيين تمخض عنهما خيارين إقليميين، بغية وَضْعِ أصحابَ طريق الحرير الصينيين، ودول الاتحاد الأوروبي كجهة مستهدفة، أمام الخيار الأكثر جاذبية، وهما:

أولاً:- خيار مسار "قطار الازدهار" الإسرائيلي ويضم الدول المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي.. فقد كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن مراحل هذا الخيار (قيد التنفيذ) وإمكانية تطويره ليصل إلى الإمارات، من خلال ما طرحه وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس على مسؤولين إماراتيين خلال زيارته المسبقة للإمارات.

ونشرت الوزارة عبر موقعها الإلكتروني في وقت مسبق، لقطات تظهر تفاصيل خطة المشروع الذي سيربط البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي مرورا بالأردن من خلال مد خطوط للسكك الحديدية.

وينطلق الخط من ميناء حيفا مروراً بمدينة بيسان في الأغوار، ومنها عبر معبر الشيخ حسين إلى مدينة إربد الأردنية، وصولاً إلى السعودية وسواحل الخليج.

ويهدف المشروع حسب الخارجية الإسرائيلية إلى ما وصفته بتعزيز السلام الإقليمي ورفع حجم التجارة مع دول عربية وصفتها بالمعتدلة..

في المقابل فإن هذا المشروع يعتبر امتداداً لصفقة القرن التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية وإعادة تقسيم الشرق الأوسط وفق خارطة المصالح الاقتصادية المشتركة في تحالف اقتصادي إقليمي قوي يتحكم به العقل الصهيوني من خلال التكنلوجيا الإسرائيلية ورأس المال العربي، مع أنه يشكل ضربة قاسمة لقناة السويس التي تعتبر عمود الاقتصاد المصري المتعثر.. والثمن بلا شك سيدفعه الفلسطينيون الذين يراهنون على فشله.

ثانياً:- الخيار التركي الذي يربط بين الخليج العربي من منطقة الفاو، فالبصرة ومروراً ببغداد وصولاً إلى استنبول.. وهو متشعب عن خط سكة حديد (استنبول- طهران- إسلام أباد)، لذلك فالمفاوضات التركية العراقية الجارية اليوم تركز على ذلك.. وقبل أيام، قرر وزراء النقل في "منظمة التعاون الاقتصادي" إعادة تشغيل خط القطارات لنقل البضائع بين مدن إسطنبول وطهران وإسلام أباد، مطلع عام 2021، وذلك في الاجتماع العاشر لوزراء نقل منظمة التعاون الاقتصادي، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

ودعا وزير النقل والبنية التحتية التركي، عادل قره إسماعيل أوغلو في كلمته خلال الاجتماع لإزالة كافة العقبات أمام نقل البضائع بين الدول الأعضاء في "منظمة التعاون الاقتصادي" التي تضم عشر دول، هي: تركيا، أذربيجان، أفغانستان، أوزبكستان، إيران، باكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزيا وكازاخستان.

وعقب الوصول إلى الصين ومحيطها، تهدف أنقرة من خلال تفعيل خط طهران – إسلام أباد للوصول إلى الجانب الآخر من آسيا لتكون نقطة ربط جديدة نحو مناطق مختلفة من العالم بالإضافة إلى تعزيز قدرة وصول المنتجات التركية إلى السوق الباكستاني، وذلك في ظل تنامي التعاون السياسي والاقتصادي عقب التقارب الكبير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.

وتسعى تركيا إلى دور مركزي أكبر في المشروع داخل نطاق الشرق الأوسط وشرق آسيا، من خلال تفرعاته الكثيرة.. حيث جرى في سياق ذلك، أتمام (خط سكة حديد باكو – تبليسي – قارص) وهو خط سكة حديد يربط تركيا بأذربيجان مروراً بالأراضي الجورجية، وهو ما فتح أفقاً أوسع للتجارة بين تركيا وجورجيا وأذربيجان وصولاً لدول أخرى في وسط آسيا والقوقاز.

ولذلك نجم عن إنهاء الحرب بين جورجيا وأذربيجان التي تدخلت فيها تركيا لوجستياً لصالح الأخيرة، اتفاق برعاية روسية أعاد ربط أذربيجان بناختشيفان الأمر الذي ربط تركيا وأذربيجان بممر بري لأول مرة منذ عقود. وبناء على ذلك قررت أنقرة وباكو الشروع في بناء خط سكة حديد بين البلدين عبر ناختشيفان بشكل مباشر على أن يصل لاحقاً إلى الجمهوريات الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى، وهو ما سيتيح لتركيا خطوطاً وبدائل أسرع وأرخص في إيصال بضائعها لتلك المناطق.

والغريب في الأمر أن الدور العربي في هذا المشروع الصيني الدولي يبدو تابعاً ل"مشروع الازدهار الإسرائيلي للسكك الحديدية"، والذي يزيد من رسوخ ما يسمى ب"إسرائيل" على أرض الوقع على حساب قناة السويس والأمن القومي المصري والعربي، والقضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ويعزز هذا الخيار السيء من الأمن القومي الإسرائيلي القائم على تغلغل تل أبيب في العمق العربي بدعم لوجستي عربي مفتوح، وبالتالي توظيف الرساميل العربية لتمويل الرؤية العربية الإسرائيلية الاقتصادية المشتركة لتنمية الشرق الأوسط حيث يقوم فيها الصهاينة بدور العقل.. ويظل العرب في سبات عميق وهم في العرف التلمودي مجرد "جويم" وكل ما هو منوط بهم، فقط، خدمة مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي.. وكان الأولى على الدول العربية أن تنضم إلى الخيار التركي الذي يشمل إيران والباكستان في إطار شراكة إقليمية متكافئة، مع الحفاظ على مقومات القضية الفلسطينية، علماً بأن رؤوس الأموال هي من تحدد اللاعب الرئيس في امتدادات طريق الحرير الذي يطلق عليه اسم "مشروع العصر الصيني العابر للقارات" الذي اختار العرب في سياقه دور الهامش الوظيفي وتركوا العقل للأخرين.

 

بقلم بكر السباتين..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم