صحيفة المثقف

وداعاً صائدُ الصداقات حسين سرمك حسن

بولص ادمفي اليوم الأخير من عام الرُّعب..

..كيف لا يكون وحشاً، هذا المجهري كورونا، إن لم يكن عند ولادة لقاحه يزداد تغولا وصيداَ للأرواح؟ وكيف يكون الوحش عندما يفلُت منه إنسان يقتلَ عوضاً عنه المئات.. وما أن نجا بالكاد إبنُ وبنت الراحل أخي الفنان لوثر إيشو من مجساته القبيحة، وما أن أرسل الى الأبدية أقرباء لي وأرعب الملايين وخطف الأرواح بالعدل والقسطاط على وجه الأرض وعلى سليقة الوحوش من البشر وغير البشر، وما أن ودعتُ في عام الشؤم هذا احد أصدقاء العمر، الفنان ريسان رشيد، حتى وبينما أنفخ بالونات عيد ميلاد ابني الأصغر في السابع والعشرين من هذا الشهر، إنفجر بالونه في حياة الصديق وصائد الصداقات الكبرى الدكتور حسين سرمك حسن، وخطفه بلا أدنى رحمة و بلا شفقة علينا نحنُ أصدقاء العراقي الغيور أبا علي، جراح النفس و جراح النصوص الأدبية ومؤلف تسعين كتاباً وتلّ من المقالات والترجمات والآراء والمخطوطات تحت الطبع والرسائل وموقعه الناقد العراقي الذي كُلما كُنا نطرق بابه يفتح لنا قلبه بصباح الخير ومساء الخير ويختمٌ ببغدادكَ المحروسة! نحن دونه أدباء يتامى، فموقعه كان رابطتنا واتحادُنا وجمعية الكتاب التي أدمنا الدهشة على عتباتها ..

 لكن كرات الأشرار ما أن إرتدت بعكس اتجاه ارطامها بجدار العالم حتى أصابتنا لعنات الحروب والغدر والكوارث والفيروسات الفتاكة.. فيا أرحم الراحمين نتضرع اليك خاشعين أن تحمي كل المُحبين الأبرياء الشرفاء فقراء الروح والحال وليكُن عالمُنا ولو لعام واحد مكاناً يُحتمَل، عوضنا بعام خير محل عام الرُّعب هذا.. في أيام عام الرعب الأخيرة كان لك أخي حسين بالمرصاد، لقد أبكى قلوبنا برحيلك، هل هو فأر الوجود الذي كنتَ تعنيه عندما وضعتَهُ عنواناً لمقدمة مجموعتي القصصية باصات أبو غريب وهل غيبَك الفيروس في سجنه، الملعون حكم عليك بالأعدام، شنق رئتيك وأمتد حبله الى كليتيك، ألم أقل إنه وحش، ألم تكن توصينا بوقاية ارواحنا منه، ألم تكن مقالتك الأخيرة تجديداً للنصائح الطبية لتُضيفها على نصائحك الأنسانية لتوزعها علينا أملا.. كنت رغم كل الأنهيارات الوطنية واللاوطنية تنثرها في كتاباتك الرائعة وبحوثك الأروع .. نم في الأبدية طفلاً للروح الخالدة.. لن نترُكَ سلاحك بحربة الكلمة الشريفة عُرضةً للصدأ، سنُكملُ الطريق حتى آخر قطرة صدقٍ في دمنا. أنحني أمام رحيلك وأُوقد شمعة الوفاء لكَ، ربما أكون مع نفسي مُرتاح الضمير بأقل ما يُمكن ومن حيثُ كُنتُ لاأدري قد أدخلت الفرحة في قلبك عندما أرسلتُ شهادة للتاريخ بحقك وأجبتني بتواضع المُعلم الكبير:

أخي الأعز د. حسين سرمك حسن

تحية أخوية

ما أذكره في هذه الرسالة هو للتاريخ

 إن النص النقدي الموقع من قبل الناقد د. حسين سرمك حسن، كمقدمة لمجموعة (باصات أبو غريب ) القصصية لمؤلفها بولص آدم، هو ألماسة تاج النقد الأدبي العراقي وقد كان بمستوى المعايير النقدية بكل مستوياتها وأدواتها في حرص غير مسبوق على أختيار أكثر نصوص المجموعة صعوبة بتقديري وعلى أي ناقد كان، فقصة (بأنتظار الأبوذية) هي في الحقيقة سرد القصة القصيرة اعتمادا على قصص متكاملة أقصر في مشيمتها، لقد توصل الناقد الى اللعبة الفنية التي كانت هي الأخرى في بالوعة النص! الطريق الذي سلكه الناقد من أسطر النص النقدي الأولى، أنذرني ككاتب للمجموعة بأنه سيجعلني أطالب النقاد للأنقطاع سنوات ست عن كتابة النقد، لكي يبدعوا كما يبدع ناقد مجموعتي هذه! وعند وصولي معه الى أستهلاله النقدي وهو داخل النص المقصود، بدأت أتخيله مسجوناً خفياً كان معي في السجن، وسألت نفسي، كيف لم أتعرف عليه وهو الذي كان معنا؟! وهنا تعمق يقيني بأنه قد قطع المسافة النقدية

بالجهد اللآزم وبأيقاع التحليل البارع، لتحطيم رقمه القياسي النقدي عند ملامسته شريط النهاية حيث الشباك وطابوقة رحيم.. مبروك له هذا الأنجاز الرفيع، وإذا كان قبل هذا العمل النقدي حول مجموعتي القصصية ، قد أنجز نصوصاَ تفتخر بها النخبة الأدبية والقراء، فما كان يلزم لكي يضع كاتبها في مكانه الذي يستحقه بجدارة، بين ألمع مبدعي العراق وفي كل المجالات ، سوى هذا النص النقدي الذي أتمنى أن يُدَرَّس، فهو في النصف الثاني من نصه النقدي، لم يُفند خرافة موت النقد السايكولوجي للأدب فقط، بل زاوجه بالنقد السوسيولوجي، والنقد الميثولوجي، في قراءة فلسفية تفكيكية فقرة فقرة، في مهمة الكشاف البارع كشفت مراوغتي النفسية للقارئ، إذ لولاها لما وصل النهاية محطماَ رقمه القياسي في صنعة النقد وحكمتها، وأكد لي صحة أختياري له لكي يقدم لمجموعتي القصصية هذه، الناقد الجيد هو الحكيم هنا، وهو ماكنت أصبو إليه، لاأستطيع إخفاء مشاعر التأثر البالغ عند الأنتهاء من قراءة هذا المنجز الكبير، وأطلب من الرب له مزيدا من التأليف الذي نحن بأمس الحاجة إليه واتمنى أن يعطف الله عليه برحمته الدائمة ويكون بموفور الصحة والسلامة . بلا شك ولتواضعه الجم، سيُبدى تواضعاً أكبر عند قراءة شهادتي بحقه، ولكن، ليسمح بتقبل ما سمحت لنفسي بالأفصاح به من صميم القلب و أقصى تركيز العقل، كلماتي التي أقدمها بتواضع له، فشكرا لك أيها المُعلم,

 

 بولص آدم

النمسا، في 20.03.2020

2112 حسين سرمك 1

في اليوم التالي وصلني جوابه رحمه الله:

أخي الوفي المبدع الرائع الأستاذ بولص آدم

تحية طيبة

ومنذ الصباح وبعد أن قرأتُ رسالتك الكريمة المُشرّفة وأنا – كتلميذ غِرّ – لا أعرف كيف أختار الكلمات المناسبة كي أرد على فيض كرمك بهذه العواطف النبيلة التي أغرقتني بها والتقييم الذي يعبر عن روحك الإنسانية العراقية المبدعة العالية.

تقبّلْ من أخيك العبد الفقير آيات المحبة والتقدير.

وحفظك الله والعائلة الكريمة من كل مكروه.

ويهمني القول أنّك حين تصدر هذه المجموعة بإذن الله ستدخل تاريخ وطنك العراق الثقافي حيث سيقال فورا وفي أي يوم يتم تناول موضوعة أدب السجون أنك صاحب المجموعة القصصية الأولى في الأدب العراقي في هذا المجال. وهو امتياز لا يضاهيه أي امتياز آخر في الحياة تبقيه لأولادك ووسام يُعلق في لوحة تاريخك الشخصي.

دمت أخا نبيلا ومبدعا أصيلا.

 

أخوك: حسين

بغدادك المحروسة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم