صحيفة المثقف

حجيًة العقل العمومي

علي رسول الربيعيبينما تأخذ حجة العقل العمومي كما يقدمها راولز مكانة عالية في المناقشات الفكرية والدراسات الأكاديمية التي تتعلق بالمسوغات والأسباب الدينية، فإن الادعاء المؤيد للمسوغات والأسباب العلمانية هو الأكثر تداولًا في النقاش العام الأوسع. لطالما كان الدين عنصرًا مهمًا في الحياة السياسية في كثير دول (دول كثيرة)، ولكن في أعقاب صعود التطرف "الذي تحركه  إيديولوجية دينية شديد الاستقطاب إلى حد كبير حيث يبدو أن المعتقدات والممارسات الدينية تعمل على فرز المواطنين سياسيًا، فقد شهدنا موجة كبيرة من الدعم للرأي القائل بأن الدين خطير أو غير موثوق به سياسياً، لذا يجب خصخصته وأن لا يكون ذو صلة بالسياسة، إذا كان غير ممكن  التخلص منه تمامًا.[1] عادةً ما كان  المفكرون أكثر حذرًا، عدا قلة جدًا ممن تابع ريتشارد رورتي الذي رأى في وقت من الأوقات أن استخدام االمسًوغات والأسباب الدينية كان "مانعًا للحوار" وأن أولئك الذين يلتزمون بالحكومة الديمقراطية يجب أن يجعلوا الأمر يبدو وكأنه خيار أو "ذوق سيء" أن يظهر المواطنين آرائهم الدينية للتأثير السياسي في المناقشات العامة.[2] تخلي رورتي نفسه عن مثل هذه الادعاءات، معترفًا بأن مثل هذا الالتزام المفترض يعتمد ببساطة على بناء غير معقول لكيفية توصل الأفراد إلى آرائهم السياسية.[3] يفرض الرأي القائل بأن المواطنين المتدينين يجب أن يتصرفوا سياسياً بطرق منفصلة تمامًا عن آرائهم الدينية نموذجًا غير واقعي تمامًا من قبل علم النفس، كما لو كان المؤمنون المتدينون (أو أي شخص آخر، في هذا الصدد) يمكنهم عزل معتقداتهم حول الطبيعة القصوى والنهائية للكون ومكاننا فيه من معتقداتهم فيما يتعلق بما يجب أن تسعى اليه مجتمعاتهم السياسية.[4] قد يكون ذلك بمثابة شعار سياسي جيد عندما يكون لدى خصومك الحزبيين روابط دينية مثيرة للجدل فتقول ينبغي على المواطنين إبقاء وجهات نظرهم الدينية خارج السياسة تمامًا، ولكن يبدو ذلك غير معقول تمامًا كادعاء حول كيفية عمل السياسة في الواقع والتزاماتنا الأخلاقية في ذلك.

يمكن أن تكون شعارات سياسية جيدة تحديدًا لأن أحدى الأشياء، كما يرى تشارلز تايلور،[5] التي تجعل الحداثة بشكل عام والمجتمعات الديمقراطية الحديثة بشكل خاص مميزة للغاية هي طابعها العلماني الذي لا يمكن إنكاره؛ حيث أن مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية برمتها التي كانت ذات يوم تحت وصاية السلطات الدينية تقف الآن مستقلة عن تلك الوصاية. ولذا فلا عجب عند التفكير في أنواع المسوغات والأسباب التي قد تكون قادرة على تبرير نظام ديمقراطي في ظل نوع التعددية السارية حاليًا، إن يتبنى الباحثون المختصون (والجمهور)  مسوغات وأسباب ذات طبيعة علمانية بشكل قاطع.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

........................

[1] يمكن أن نجد بعض الأمثلة على هذا ، أنظر:

Sam Harris, The End of Faith: Religion, Terror, and the Future of Reason (NewYork:W.W. Norton & Co., 2004);Sam Harris, Lerur to a Christian Nation (New York: Knopf, 2006); Linker, The Theocons; Phillips, Amenican Theocracy; Sullivan, The Conservative Soul.

[2] Rorty, Richard. "Religion as a Conversation-Stopper." In Philosophy and Social Hope, ed. Richard Rorty. New York: Penguin Books, 1999.

[3] Richard Rorty, "Religion in the Public Square: A Reconsideration," Journal of Religious Ethics 31, no. 1 (2003).

[4] أنظر:

Krause, Civil Passions, especially chapter 2.

[5] Charles Taylor, A S ecular Age (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2007).

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم