صحيفة المثقف

الذهبي.. مؤرخ يكتب عن النبلاء

يسري عبد الغنيالذهبي: هو محمد بن أحمد بن قايماز الذهبي، شمس الدين، أبو عبد الله، الذي كان مولده عام 673 هـ، وكانت وفاته عام 748 هـ، أي أنه عاش حوالي 75 عاماً .

في مدينة دمشق العاصمة السورية ولد الذهبي، ومنها ارتحل إلى القاهرة، وطاف كثيراً من البلدان العربية والإسلامية طالباً للعلم ومعلماً، وكف بصره سنة 741 هـ، أي قبل وفاته بسبع سنوات تقريباً، ورغم ذلك فهو لم ينقطع لحظة واحدة عن إلقاء الدروس على طلابه، أو عن التأليف والبحث، فقد أعطى الرجل كل حياته للعلم والمعرفة .

والذهبي: حافظ مؤرخ، علامة موسوعي، تركماني الأصل، واسع الثقافة والإطلاع، غزير المعارف ولا سيما في التاريخ والتراجم، ولذلك لقب بمؤرخ الإسلام .

ألف الذهبي كتابه الشهير (تاريخ الإسلام)، والذي احتوى على قرابة أربعين ألف ترجمة، فقد كانت لديه حصيلة ضخمة من التراجم، فانتقى منها ما يراه مناسباً لكتابه المهم (سير أعلام النبلاء)، وقد سار وفق خطة مرسومة في الانتقاء والاختيار، سواء كان ذلك في انتقاء التراجم أو في انتقاء المادة العلمية التاريخية بوجه عام .

لقد جمع الذهبي تراجم الأقرباء في مكان واحد، ولا سيما الأخوة والأبناء، فراعى بذلك ما يمكن أن نسميه (الوحدة التاريخية) أو (التاريخ العائلي)، ورغم طرافة هذا الاتجاه، إلا أنه كان على حساب الزمان والطبقة التي يكتب عنها .

ويلاحظ الباحث أن حياة الذهبي العلمية كانت مقسمة عبر اهتمامات ثلاث رئيسية هي: القراءات القرآنية، والحديث النبوي المطهر، والتاريخ وبالذات التاريخ الإسلامي، وللرجل إسهاماته المتميزة في هذه المجالات.

وكتاب (سير أعلام النبلاء)، والذي نتخذه كمثال لمؤلفات الذهبي، يعد بحق موسوعة إسلامية كبرى في التراجم لأعلام المسلمين من أول التاريخ الإسلامي إلى عصر الذهبي نفسه، وهو القرن الثامن للهجرة، والذهبي يقصد بالنبلاء في كتابه وجوه الناس أو الأعلام وأهل الإجادة الذين تفوقوا وأسهموا وابتكروا وأضافوا في كل علم وفن، لأنه ترجم لصنوف مختلفة، وطبقات متعددة .

ووفقاً لما أشار إليه الأستاذ / عبد الجبار عبد الرحمن في كتابه: (دليل المراجع العربية والمعربة، ص 452 )، والصادر في مدينة البصرة العراقية، سنة 1970 م: فقد رتب الذهبي كتابه على الطبقات، فجاء (35 طبقة)، ضمها (14) مجلداً ضخماً، المجلد الرابع عشر يعتبر كذيل أو ملحق للكتاب، أما المجلد الأول وكذلك المجلد الثاني يتحدث الذهبي فيه عن السيرة النبوية المشرفة، وعن سيرة الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)، بينما يتحدث في المجلد الثالث عن العشر المبشرين بالجنة، ثم كبار الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم جميعاً) .

وقد ورد بنسخة أخرى من كتاب (سير أعلام النبلاء) والتي حققها الأستاذ / شعيب الأرنؤوط بالاشتراك مع الأستاذ / حسين الأسد، سنة 1401 هـ = 1981 م، والصادر في بيروت، ورد أن الذهبي قد نظم كتاب (سير النبلاء)، على الطبقات فجعله في أربعين طبقة تقريباً، وآخر ما فيها المجلد الثالث عشر من نسخة ابن طوغان، وهي آخر الطبقة الخامسة والثلاثين، ولا يستبعد أن يتضمن المجلد الرابع عشر خمس طبقات، إذا ما قيست ببقية المجلدات .

وقريباً من هذا الاتجاه نجده في نسخة معهد المخطوطات العربية التي أصدرها بالاشتراك مع دار المعارف المصرية، والصادرة سنة 1956 م ـ 1957 م، وقد قام بتحقيقها الدكتور / صلاح الدين المنجد .

هذا، وقد التزم الذهبي بنوع من التسلسل الزمني في الأقسام التي تلت العصور الإسلامية الأولى .

وقد اختلف العلماء والكتاب حول عنوان الكتاب، سماه فريق (سير النبلاء)، ومن هذا الفريق المؤرخ / السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، ص 674)، وابن حجر العسقلاني في كتابه: (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، 3 / 426) .

وسماه فريق ثان (تاريخ النبلاء)، ومن هذا الفريق: صلاح الدين الصفدي في كتابه: (الوافي بالوفيات، 2 / 63) .

وسماه فريق ثالث (كتاب النبلاء)، ومن هذا الفريق: العلامة السبكي في كتابه (طبقات الشافعية، 9/ 104) .

وسماه فريق رابع (تاريخ العلماء النبلاء)، ومن هذا الفريق: ابن شاكر الكتبي في كتابه: (فوات الوفيات، 2 / 182)، والذي حققه الأستاذ / محمد محيي الدين عبد الحميد، وصدر بالقاهر سنة 1951 م .

أما عنوان (سير أعلام النبلاء)، فقد جاء مخطوطاً على طرز المجلدات الموجودة في مكتبة السلطان / أحمد الثالث التركية، ذوات الرقم 2910 / أ، وهي النسخة الأولى التي نسخت عن نسخة المؤلف (الذهبي)، وهو العنوان الأكثر دقة وكمالاً، وعليها اعتمد الأستاذ / الأرنؤوط، والأستاذ / حسين الأسد في تحقيقهما للكتاب، والذي صدر عن مؤسسة الرسالة .

وقد أشرنا من قبل أن الدكتور / صلاح الدين المنجد قد حقق هذا الكتاب، الجزء الأول منه، حيث يقع النص في 506 صفحة، بينما تقع المقدمة في 52 صفحة .

ونذكر هنا أنه تم طبع الجزء الثالث من كتاب الذهبي بتحقيق الأستاذ / محمد أسعد طلسي، وصدرت الطبعة الأولى منه عن دار المعارف المصرية سنة 1962 م، في 480 صفحة .

كما طبع الجزء الثاني من نفس الكتاب بتحقيق الأستاذ / إبراهيم الإبياري، ويقع نص هذا الجزء في 454 صفحة، بالإضافة إلى فهارسه المتنوعة، وقد صدر هذا الجزء ضمن مطبوعات معهد المخطوطات العربية بالاشتراك مع دار المعارف المصرية .

ونذكر هنا بعض العلماء الذين كتبوا عن الذهبي، ونوهوا بمؤلفاته وفضله: خير الدين الزركلي، في كتابه: (الأعلام، 6 / 622ـ 623)، و شمس الدين السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، ص 84 )، وابن حجر العسقلاني في كتابه: (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، 3 / 326 )، وابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 6 / 153 )، وابن شاكر الكتبي في كتابه: (فوات الوفيات، 2 / 183)، وطاشكبري زاده في كتابه (مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، 1/ 212، 2/ 126 ) .. وغيرهم و غيرهم.

وحبذا لو عاد شبابنا من القراء إلى ما كتب هؤلاء الأفاضل عن الذهبي، فسوف يعرفون الكثير عن هذا العالم المسلم الذي أسهم بدور كبير في إثراء العلوم الإسلامية .

وأخيراً فإن كتاب الذهبي يعد بحق من أمهات كتب الطبقات والتاريخ الإسلامي في تراثنا، وهو سفر مهم لكل من أراد أن يتعرف عن قرب على هذا التراث الثري .

والله ولي التوفيق،،،

 

بقلم/  د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم