صحيفة المثقف

قراءة في مجموعة (معنىً على التلّ) للشاعر صقر عليشي

حيدر عبدالرضاإحالات المعنى بين دلالة المضمر ونظائر فاعلية النص

توطئة: إن التعامل مع طابعية النظائر الممكنة في مختزل تصورات وموجهات بنى ومعنى النصوص المستفادة من أتون تحققات محاور المعنى المخصوص من الفكرة الشعرية المتداولة من إحالة العلاقة القصدية والإيحائية وأهميتهما في أبعاد الخطاب الشعري . وقد تمنحنا هذه النصوص من جهة ما روح التأويل لما نتعرف عليه من سياقاتها الخاصة والمضافة، والتي تنتمي بدورها إلي مؤشرات حادثية ما، تستوفى من خلالها مقدماتها التعليلية والتركيزية الكامنة في منحى طبيعة تلك المحمولات المضمرة من الدلالات المتحاورة مع نظائرها الممكنة في خطاب النص الشعري . من هنا يمكننا افتراض وجوه الملاءمة في نصوص مجموعة (معنىً على التلّ) للشاعر السوري الكبير صقر عليشي، كما يمكننا من خلالها فهم مخصوصية الراوابط والرابط العلائقي الممتد من أذونية قبولية الدال كوظيفة مناسبة لإستقبال إحالات المعنى الموظف في مضمرات مترابطة من القصد في العلاقة النصية المتفاعلة . نقرأ بهذا الصدد قصيدة (المفاتيح) نموذجا تطبيقيا نسعى من خلاله إلى توضيح أهم فقرات مباحثنا الدارسة للقيمة الإحالية والمحالة في مضمر الدلالة الشعرية:

لينظرْ لها

من له نظرٌ

أوْ ليمسكْ

بها إن أرادَ.

ليقرأْ عليها العلامةَ

واضحةً

ليس في الأمر غشٌّ

ولا سحرُ، . / ص9 قصيدة: المفاتيح

أن فعل القراءة إلى مقاطع النص الأولى، لربما تلهمنا حرية التعامل مع نظير الإنابة الشيفراتية، ومهام هذه الإنابة في تدشين جملة خاصة من الإحالة والإشارة والتورية في مرئية وظيفة الدلالة . ولكننا عندما نتنبه إلى ثريا عنونة (المفاتيح) تساورنا برقيات وأبجديات الترميز الاختزال مؤديات خاصية محددات: (المفاتيح ـ العلاقة التأويلية / ينظر لها من له نظر ـ علاقة جهة ـ مرحلة فاعل الحالة / أو ليمسك، بها إن أراد ـ كفاءة الأداة / ليقرأ عليها علامة واضحة ـ الترابط بمواجهة الفعل التأويلي / ليس في الأمر غش ولا سحر ـ العلاقة المفترضة ـ مصداقية موضوعة الظاهر من التعامل الملفوظي) وتباعا توافينا جملة متواليات المقاطع اللاحقة، بما يجعل فهم أبعاد الربط ببث دليل (المفاتيح) فيما تكمن إرجاعية العلاقة الآنوية إزاء محصلات الرابط الدلالي المضمر ذاته بوظيفة أسرار اللحظة القولية:

ها هي كل المفاتيحِ

في قبضتي

ولا ثمَّ بابْ

ما عملي بالمفاتيح

ما نفعها !

ما دلالتها في الحسابْ؟!

لأرمِ بها قاعَ نفسي ...

لأرمِ بها

و لْترنَّ عميقاً هناكَ

فأنصتُ مستمتعاً بالرنينْ . / ص10

و يبدو أن لسياق جملة القصيدة، ذلك الوخز المحتمل، وذلك الوصل العدمي مع علاقة وصال وجود مفاتيح الأشياء، ولكن ما قيمتها ؟ دون وجود الوسائل المتاحة في الوصول إلى روح الأشياء ذاتها . الشاعر عليشي يقدم لنا استراتيجية دليل وأداة (المفاتيح) من جهات ذات خصوصية سرانية وخاصة في رابط القصد الشعري، لذا نجد حوادث الملفوظ والتلفظ، هي بمثابة الإضافة الراجحة في كفة اللاإضافة في محصلات المعنى النصي: (ما نفعها ! .. ما دلالتها في الحساب ؟! .. لأرم بها قاع نفسي) وتتجمل قيم المحذوف في صرخة البياض الشعرية، حتى ليتسنى لشاعرها نشوية الانتعاش في سقوطها اللازمني في من الفراغ وفي قاع الكيان من الأنا الخاصة والإشارة من قاع الخصوصية العامة وبمواجهة دلالات المضمر  (فأنصت مستمتعا بالرنين):

لا باب للحلمِ

لا بابَ لليلِ

لا بابَ للغيبِ

لا بابَ للناسِ

لا بابَ للبابِ

ما عملي بالمفاتيح يا عالمين ؟! . / ص11

لاشك أن حركة الوقوف الأحوالية في زمن لغة الشاعر، ما راح يضفي بعلاقات دوال الرؤية نحو حجب دائئبة من عدمية الوجود أو اللاجدوى من الوجود عبر منطقة المرور الحلمي إلى ضفة العلامات الحيوية، التي يمكن وصفها بمكونات طاقة تشكيل الكينونة الآنوية للشاعر (لا بابا للحلم .. لا باب لليل .. لا باب للغيب .. لا باب للناس) وتتكامل درامية وفاعلية (كينونة العدم) في مساحة وعلامة أنتاج ملحمة النمذجة التشكيلية في النص، وحتى حلول معطى جملة (ما علمي بالمفاتيح؟!) المذيلة بمتواليات الاستفهام ونمو علامة التعجب . ومن هناك تقول لاحقا مواضع الجمل القولية في حدود تمظهرات السؤال والمساءلة العدمية المحفوفة بروح تنضيد حركية اللاجدوى الكامنة من وراء ذاكرة العتبة العنوانية الأولى من النص:

أيكفي ‘ذاً

أن أعلقها فتخشُّ على جانبي،

حين أمشي

و أزهو بها

و كأني أميرٌ على العابرين ؟ . / ص11

 

إن قيمة المفارقة الفنية في دلالة المضمر من وظيفة الدوال، تنعطف بنا نحو تشكيل حالة من حالات الأسى المكرس بحجم علامة تقارب الأفعال المتمثلة في إشكالية ومأزق النياشين والأوسمة الكاذبة، والتي لا ضرورة من وجودها في زمن اللاحرب أو اللا أبواب في قصيدة الشاعر وهي قد لا تستجيب في شكلها المعهود، لأنها قد فقدت مشروطية اقترانها بجوهرها الحقيقي، بعيدا عن أبواب ومفاتيح الشاعر الحلمية المراد من خلالها ذلك القصد الكامل في سرانية المعنى .

ـ المعادل النصي ولعبة الانموذج الدال .

لقد تجاوز الشاعر في بعض من نماذج قصائد مجموعته موضع بحثنا، ثنائية  (اللفظ ـ المعنى) وأصبحت القصيدة لديه تقدم في ذاتها شكلا ما من بلاغة (الميتاشعري) فالقصيدة لدى مجموعة الشاعر، بلغت من الاتصال في الميتاشعري حدا ما يؤهلها إلى أن تكون (معنى داخل المعنى) فيما تبقى معاينة العلاقات المتبادلة ما بين فئات الدوال، إسهابا في أعلى ناصية الاداء الإيحائي المؤثر . من هنا تواجهنا طبقات المضمر من دلالة القصد النصي، عندما نقرأ ما جاءت به قصيدة (كتابة أخيرة للنص):

إذِ التفتُّ

لم أجد بين طيوري هدهداً !!

أرسلت لاستدعائِه

في الحال ْ

***

كما القطا

نامتْ هنا فاصلةٌ،

و أخذَ الظلُّ مكانَهُ

ومالْ . / ص24 ص25

يتجول الشاعر بمعية الفاعل الصوري في مؤثثات بياض ورقة الكتابة، بحثا عن أماكن بدأ وصفته الكتابية، لذا نراه يتحكم في حركة وضبط مجال الرؤية وتحولات العبارة بما يتمم تلك الملاءمة بعملية الإحاطة على كشوفات النص (إذ ألتفت .. لم أجد بين طيوري هدهدا) ويخفي المتكلم في النص كاميرا الرؤية المحايثة لبوصلة الشاعر، مسترجعا حكاية هدهد سليمان، لتشغل تعويضا بالفعل الكتابي، كما أن جمل المضاعفة في الشطر الآخر من النص، أخذت تحملنا نحو مدار المسافة النواتية في اداة الحركة الكتابية وأفقها (كما القطا .. نامت هنا فاصلة .. وأخذ الظل مكانه ومال) .

ــ تعليق القراءة:

لقد بدت تجربة قصائد مجموعة (معنى على التل) بمثابة حالة من كائنية (إحالات المعنى) والنزوع إلى ذروة (مضمر الدلالة) فيما تبقى نظائر خطاب القصيدة، موقفا شعريا هاما إزاء حساسية الذات في مقايسة المعنى الاعتباري، ومقياسا لأداة العلاقات الأحوالية الراجحة في مصنفات المعنى التوالدي الكامن في معرفات ذهنية وذاتية النص الشعري لدى منظومة آليات مجموعة قصائد الشاعر:

معنىً على التلّ

و الوادي العميقُ

هنا

معنى على التلّ

و الوادي العميقُ

أنا

و الغيم خاطرةٌ

في النفس تنتقلُ . / ص29

أن جملة التغايرات التحويلية ـ البدائل ـ في منطلقات ومؤشرات نموذج قصيدة الشاعر، تبدو خاضعة في منحاها النصي إلى علاقة انتقائية متكونة من إحالية (المكون اللفظي) وصولا إلى أدق بنى توالد دلالة المضمر، من فلسفة العلاقة النصية المترابطة والمحققة في الاستجابة القرائية، امتدادا إلى نصوص شعرية معنى المعنى . وبهذا الصدد لا يسعنا سوى تلفظ المزيد من كلمات التقدير والاحترام إلى تجربة الشاعر الكبير (صقر عليشي) لأنه أتحفنا بظاهرة شعرية، هي في أقصى حدود العلامة الجمالية الفنية والذهنية المعززة بطاقة وذائقة ومعيار إحالات المعنى في مسار دلالات المضمر من أيقونة أفعال وحالات العلاقات النصية المتفاعلة والموفقة في تماثلات مقولة شعرية القصيدة .

 

حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم