صحيفة المثقف

يازمان الوصل بالأندلس

يسري عبد الغنيوكان للموشحات والأزجال الأندلسية أثرها البارز في أشعار التروبادور الأوربية .

والموشحات الأندلسية هي فن جديد ابتكره شعراء الأندلس، وجددوا به نظام وزن الشعر وقافيته ن فلم يلتزموا الوحدة فيها، وأنواعها كثيرة، ولكنها تشترك في اشتمال كل منها على أجزاء يسمى كل جزء منها مقطوعة، وله قافية مستقلة تنتهي بلازمة أو قفل يتكرر مع كل مقطوعة.

ويقال إن من أسباب ظهور الموشحات الأندلسية: تأثر شعراء الأندلس بالغناء الشعبي المتحرر من الوزن والقافية والذي وجدوه بين سكان الأندلس عندما دخلها العرب، وميلهم إلى الدعابة والعبث بالتعبير السهل البسيط، الأمر الذي يجعلهم يضيقون بقيود الوزن والقافية .

وشاعت الموشحات في الأندلس حتى تناولت أغراض الشعر، من مدح ووصف وغزل، وغيرها .. ولم تعد مقصورة على الغناء والمرح .

نعود لنقول: إن الموشحات ظهرت في الأدب الأندلسي مع أواخر القرن السادس الهجري، التاسع الميلادي، وهي تشتمل على أجزاء: الأول هو المطلع، والثاني الذي يليه هو الغصن، وتختلف قافيته عن قافية المطلع مع موافقته له في الوزن، والجزء الثالث هو القفل، ويتحد مع المطلع في القافية والوزن، والغصن والقفل معاً يسميان بيتاً .

وقد ظهر في شعر التوربادور تقليد للموشح الأندلسي، وعندهم أسماء متعددة تقابل أجزاء الموشح الأندلسي، ففوق التأثير في موضوع الشعر عموماً والموشح خصوصاً، يظهر التأثير في الوزن واضحاً .

ففي شعر التوربادور كما في الموشحات تظهر شخصية الرقيب أو العزول أو الواشي أو الحاسد، الذي يمنع المرأة من الاتصال بأي أجنبي، وتوجد شخصيات أخرى مثل الكاشح أو الرسول بين الحبيبين .

ولا يصرح باسم المحبوبة، بل يكنى عنها، مثل أن يقول الشاعر: أملي أو بغيتي .

ويعبر شعراء التروبادور عن ميلاد الحب من أول نظرة، وعن قسوة المحبوب الذي يخلف مواعيده أو يتجاهل الحبيب، وكذلك خضوع المحب وإخلاصه .. إلى آخر هذا الذي نعرفه في شعر الغزل العربي بنوعيه العذري والحسي .

وللموشحات العربية التي تتكلم عن الحب والهجر والمعاناة، وما يفعله الحساد نظائر في الشعر الأسباني، ذكر بعضها أستاذنا المرحوم الدكتور / محمد غنيمي هلال في كتابه (الأدب المقارن) .

وقد حاكى شعراء التروبادور الموشحات والأزجال الأندلسية في المقطوعات التي تتكون منها القصيدة، وقد جعلوها سبع مقطوعات، وهو العدد الغالب على الموشحة والزجل .

ويغلب على الموشحات العربية الألفاظ العربية الفصيحة، وقليلاً ما كنا نجد فيها ألفاظا عامية، أما الزجل فكان يصاغ باللغة العامية الدارجة التي انتشرت في الأندلس آنذاك، وتختلط بها ألفاظ أجنبية .

ومن المرجح أن تكون الأزجال الأندلسية قد نشأت في أواخر القرن الرابع الهجري، مع أن ما وصل إلينا منها ينسب إلى القرن السادس الهجري .

وكان الزجل يصاغ في بداية الأمر على منوال الموشحات مع اختلال قليل فيما يسمى الخرجة التي هي القفل الأخير من قصيدة الموشح أو الزجل .

والزجل كالموشحات الأندلسية كان مجالاً للتأثير في شعراء التروبادور، وانتقال ذلك الأدب إلى الآداب الأوربية كلها .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم