صحيفة المثقف

ساطع الحصري وفلسفة الفكرة القومية العربية (2-4)

ميثم الجنابي"أنا عربي صميم. أؤمن بدين العروبة بكل جوانحي،

وأهتم بمصر بقدر ما أهتم بسوريا والعراق"

(ساطع الحصري)

الجوهري والعرضي في القومية (العربية)

في موقفه من الدين نرى الحصري يشير إلى أن تأثيره في تسيير السياسة والتاريخ وتكوين القومية والوطنية لا يجري على وتيرة واحدة في كل الأحيان. كما أنه يختلف باختلاف الأديان والعصور والأدوار. وبالتالي، فإن علاقة الدين بالقومية تحتاج إلى دراسة ملموسة دوما. فهناك أديان قومية كاليهودية والوثنيات ترتبط بالتاريخ واللغة القومية. وهناك أديان عالمية عادة ما تعارض القومية. لكن الأديان العالمية تستطيع توحيد القوميات. كما أن الأديان تتفرع إلى مذاهب. والقوميات أحيانا تجد فيها ملاذا للمحافظة على كيانها[1]. كل ذلك جعل الحصري يتوصل إلى استنتاج نظري مفاده أن الرابطة الدينية لا تكفي وحدها لتكوين القومية، كما أن تأثيرها في تسيير السياسة "لا يبقى متغلبا على تأثير اللغة والتاريخ"[2].

ومن هذه النتيجة قرر أيضا، بأن الفكرة القومية لا تتضمن إنكار الدين أو استنكاره بوجه من الوجوه. وبالتالي، فإن ربط الفكرة القومية "باللادينية يشوه معناها تشويها كبيرا، فيحول دون فهمها على وجهها الصحيح"[3]. لهذا نراه يحدد موقفه الشخصي بهذا الصدد بعبارة تقول:"إني شخصيا، ممن يدعون إلى اتحاد البلاد العربية من غير أن يعتقدوا بإمكان توحيد البلاد الإسلامية. ومع ذلك اعتقد بضرورة إصلاح الأوضاع الدينية"[4]. ولا يعني ذلك في نظرية الحصري سوى السعي لما يمكن تسميته بتنقية الفكرة القومية العربية من أثر اللاهوت بمختلف أشكاله (الدينية والسياسية)، عبر إرجاع مكونات الفكرة القومية إلى أصولها الطبيعية. لهذا اعتبر إبقاء الإسلام في الفكرة القومية العربية من بقايا "المسألة الشرقية". وكتب بهذا الصدد يقول، بأن "الخلط بين الوحدة العربية وبين الوحدة الإسلامية ما هو إلا تمسك بأذيال الآراء الباطلة. وأن هذه المزاعم الباطلة ليست إلا من مواريث المسألة الشرقية"[5]. بمعنى أنه حاول الكشف عن الملابسات التاريخية التي حكمت بطابعها الخاص الربط السياسي بين مكونات مختلفة وليست متعارضة بالضرورة. وانطلق في موقفه هذا من أولوية الفكرة القومية بالنسبة للعالم العربي، أي تنقية وعيه السياسي من بقايا المرحلة العثمانية واستغلال الدين (الإسلامي) الذي أعاق لقرون عديدة تراكم وبروز وعيه القومي الذاتي. فقد شدد الحصري على أن للبعد الديني في تركيا، على سبيل المثال، خصوصية تقوم في أن كل الأتراك مسلمون. وكل النصارى فيها غير أتراك. أما في العالم العربي فهناك مسلمون ونصارى ولكنهم كلهم عرب[6].

أما عدم إدراجه الدولة (والاقتصاد) في منظومة العناصر الجوهرية للقومية فمرتبط بسبب عدم رؤية الفرق بين الدولة والأمة من جانب أولئك الذين يدعون بجوهرية هذا العنصر[7]. فقد انطلق الحصري في فكرته هذه من أن "عدم التفريق بين الأمة والدولة هو الذي يؤدي إلى أخطاء في فهم القومية العربية"[8]. وذلك لأن هناك فرقا بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة. فالدولة قابلة للتغير والتبدل والزوال والظهور، بينما الأمة وحدة دائمة وعميقة بين التاريخ واللغة، حسب رؤية الحصري. وحالما طبق ذلك على واقع العالم العربي والقومية العربية، فانه أكد على أن مفاهيم الدولة والأمة فيها ليست متطابقة على الدوام. فالبلاد العربية من "البلاد التي يختلف فيها مدلول الدولة عن مدلول الأمة". فدولة بلجيكا، على سبيل المثال تتكون من أمتين، وسويسرا من ثلاث[9]. بينما توجد أمم بدون أرض موحدة (كالبولنديين سابقا). كما أن هناك أرض موحدة بأمم عديدة مثل روسيا[10]. كل ذلك أوصل الحصري إلى استنتاج دقيق يقول، بأن عدم التفريق بين الدولة والأمة هو الذي أدى إلى "جعل الأرض عنصرا جوهريا في القومية".

وينطبق ذلك على موقفه من الأرض. فهو لم يدخلها كعنصر جوهري في فكرة القومية. بمعنى انه لم ينظر إليها باعتبارها مقوما جوهريا[11]. والسبب في ذلك يقوم في أن جغرافية الدولة والأمة تتوسع وتتقلص. كما أن الأمة قد تنتقل من أرض إلى أخرى. وقد تضم الرقعة الجغرافية أمما عديدة[12].

والشيء نفسه يمكن قوله عن موقفه من الدم، أو فكرة الأصل النقي بوصفهما العناصر المكونة للأمة. إذ اعتبر فكرة "الأصل الواحد" مجرد ظن. وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه لا توجد أمة تنحدر من أصل واحد. كما لا توجد على الأرض أمة خالصة الدم تماما. وبالتالي، ليست وحدة الأصل والدم سوى وهم من الأوهام، وذلك لأن الأمم، حسب عبارة الحصري، كالأنهر العظيمة[13]. بمعنى أنها تكونت وتتكون من روافد عديدة ومتنوعة أيضا.

مما سبق يتضح، بأن التأسيس النظري للفكرة القومية عند الحصري يرمي إلى إبراز الجوهري والعرضي، أي تأسيسها من خلال البحث عن العوامل الجوهرية الدائمة والثابتة بالنسبة لفكرة القومية. من هنا اتسام تفسيره وتنظيره للفكرة بقدر من الواقعية الملموسة والعقلانية. ولم يكن ذلك معزولا عن أن الفكر النظري للحصري وثيق الارتباط بمهمات وغايات عملية. من هنا ترابط الرؤية الواقعية والعقلانية في مشروع المستقبل القومي. وهي رؤية محكومة بتأمل الفكرة القومية بوصفها فكرة سياسية وتاريخية ومستقبلية عقلانية. من هنا نقده الفكري والسياسي للأفكار الساعية إلى دمج عناصر الدم والنقاء والأرض والدين في الفكرة القومية. إذ وجد فيها عناصر لا علاقة جوهرية لها بالتأسيس العقلاني للفكرة القومية. إضافة لذلك، أن الفكرة القومية بالنسبة للحصري ليست عينة "موضوعية" للدراسة والبحث، بقدر ما هي مشروع المستقبل. ولم يعن ذلك في نظرية الحصري سوى مشروع الدولة والحرية والاستقلال والتطور والتكامل الذاتي، أي مشروع القومية الحديثة بوصفها حالة طبيعية وضرورية. من هنا موقفه ورؤيته النقدية تجاه التجارب المتنوعة للفكرة القومية.

تأسيس الفكرة القومية العربية

لم يجد الحصري في أية تجربة قومية نموذجا أو مثالا، لا من حيث التأسيس النظري ولا من حيث أسلوب التطبيق. لهذا نراه يقف بقدر واحد من التجارب الأوربية، وبالأخص في نماذجها النظرية الكبرى (الألمانية والايطالية والفرنسية). وكتب بهذا الصدد يقول، بأن الفكرة القومية العربية لا يمكنها أن تكون كالأوربية، بسبب كون القومية الأوربية نشأت من الإقطاع. بينما لا إقطاع في العالم العربي بالمعنى الأوربي[14]. كما يمكننا العثور في هذه الرؤية النقدية على نقد مبطن للفكرة الماركسية الواسعة الانتشار بين مقلديها في العالم العربي، وبالأخص بين الأحزاب الشيوعية. بمعنى انه يستكمل بها هنا نقد الفكرة الماركسية عن جوهرية الاقتصاد والدولة المركزية بالنسبة للقومية. فقد وجد في هذا التفسير تحزبا أيديولوجيا صرف لا علاقة له بالواقع بشكل عام والعربي بشكل خاص. لكن الحصري لم ينف أو يهمل دور الاقتصاد والدولة بالنسبة للقومية، إلا انه يفرّق بين الفكرة "النموذجية" المجردة عن القومية وبين حقيقتها التاريخية وأصولها. أنه أراد هنا أيضا نقد الفكرة الماركسية التي تربط الأمة بفكرة الدولة والاقتصاد بوصفها إحدى النظريات الأوربية التي لا تلزم الفكرة القومية العربية بإلزام منطقي أو نموذجي بأي حال من الأحوال.

إن تأسيس الفكرة القومية بالنسبة للحصري لم يكن مبنيا على أساس أيديولوجي صرف، ولا على أساس المصلحة العابرة ولا حتى على أساس التطبيع. لهذا نراه يؤكد على أن عدم إدراجه الأرض في فكرة القومية العربية ينطلق من واقع العالم العربي المعاصر. وأن ما قام به هو نتاج تأمل ودراسة لواقع وتاريخ الأمم[15]. ذلك يعني انه نظر للفكرة القومية باعتبارها مشروعا أيضا. وبالتالي، فإن الانجازات النظرية للفكر، أيا كانت مصادره، هو نتاج تأمل التجارب القومية أو التاريخية المحدودة. ومن ثم لا قانون ملزم وصارم فيها. وبالتالي، لا ينبغي جعلها قواعد ترتقي إلى مصاف القاعدة المنطقية المجردة والعامة. أما الحد الأقصى لها بهذا الصدد فهو إمكانية أن تكون دليلا على رؤية تاريخية ثقافية تقترب أو تبتعد من إمكانية بلوغ مستوى وطابع الفكرة المنطقية العامة أو الكونية. لهذا نراه يشير إلى أن آراءه الخاصة أو حصيلة استنتاجاته بصدد عدم إدخاله الأرض والدم والدين والاقتصاد وحتى الدولة في أصول القومية، هو نتاج أبحاثه العلمية لا تأثرا بنزعته القومية[16].

بعبارة أخرى، لقد أراد الحصري رفع الفكرة القومية إلى مصاف الرؤية العلمية، وبالقدر ذاته جعلها مبدأ عمليا، أي توحيد العقل التاريخي والعقل الثقافي في رؤية قومية دون الوقوع في أوحال الأيديولوجية الفجة. من هنا جعله مبدأ "العروبة أولا" أول المبادئ الأساسية للقومية العربية[17]. ليس ذلك فحسب، بل ونراه يتكلم عن مهمة الإيمان بالقومية العربية. وحصر مهمة هذا الإيمان بالقومية بوصفها فكرة والسعي إليها من ضرورة هذا الإيمان ونوعيته الجديدة وكذلك ضرورة معرفته. كما لو انه يستعيد هنا التقاليد القديمة والعريقة عن وحدة العقل والإيمان، ولكن بعد تطويعها تجاه الفكرة القومية بوصفها مشروعا تاريخيا مستقبليا. فهو يعتقد، بأن الإيمان بالقومية العربية هو استمرار ونفي لكل من (الجامعة العثمانية) و(الجامعة الإسلامية) و(الرابطة الشرقية)[18]. ذلك يعني انه يتمّثل تقاليد وتاريخ العالم العربي ونقد مكوناته الواقعية والأيديولوجية الحديثة. وبالتالي لا لاهوت فيه! بمعنى انه يبحث عن إيمان من طراز جديد هو اقرب ما يكون بالإيمان العقلي بالقومية الحديثة ونزوعها الدنيوي. لهذا نراه يؤكد على أهمية الإيمان بالفكرة القومية والإيمان القومي كما وضعه في كتاب (العروبة أولا). ومبدأها الأساسي هو "وجوب بث الإيمان بوحدة الأمة العربية"[19].

ولا يعني بث الإيمان بوحدة الأمة العربية عند الحصري سوى العمل من اجل رفع فكرة القومية العربية إلى مستوى المرجعية النظرية، ومبدأ العروبة إلى مستوى المرجعية العملية. وبالتالي ليس المقصود بالإيمان هنا رفع الفكرة العامة ومبادئها العملية إلى مستوى الحدس الكامن في شعور وإدراك الفكرة القومية العربية. وأسس لذلك من خلال تحديد المبادئ والمفاهيم والقيم العاملة على بلورة وتوسيع وتعميق الفكرة القومية وتنشيطها من اجل تحقيق الغاية الكبرى ألا وهي توحيد الأمة العربية في دولة وكيان واحد.

وجعل من العروبة المبدأ الأول. أما الإيمان بها والعمل من أجلها فيفترض من وجهة نظر الحصري العمل من أجل إعادة بناء التاريخ العربي، بوصفه الأسلوب الضروري لإعادة بناء الإيمان الجديد بالفكرة الجديدة. ومن خلاله بلورة الرؤية القومية. وانطلق في فكرته هذه من أن الإيمان قوة هائلة. وأن الإيمان القومي العميق لا يتزلزل، وأن الكفاح القومي والجهاد في سبيل النهضة القومية لا يختلف كثيرا عن الحروب. فالنجاح فيه يحتاج إلى إيمان راسخ في النفوس[20].

أما المفاهيم الضرورية هنا فأنها تتطابق في فكر الحصري مع ما اسماه بالحقائق والأحداث الكبرى التي ينبغي معرفتها وتذكرها، أي تلك التي تحتوي في أعماقها على قيم الذاكرة والفعل. وليس مصادفة أن يضع في أصلها ما اسماه ببث الشعور القومي والعمل من اجل تذليل العقبات. وانطلق في فكرته هذه من انه دون الشعور بالإيمان بقضية القومية، تصبح أتفه العوائق بمثابة عقبات لا يمكن اقتحامها[21]. من هنا قوله، بأن أول ما يجب عمله لتحقيق الوحدة العربية (في الأحوال الحاضرة) هو "إيقاظ الشعور بالقومية العربية وبث الإيمان بوحدة هذه الأمة"[22]. وأن بث الشعور القومي والإيمان بالأمة يستند عنده إلى ما اسماه بالحقائق التي يجب معرفتها والإيمان بها، والوقائع التي يجب تذكرها من أجل الاتعاظ بها. وبالتالي، ليست هذه الحقائق والوقائع الكبرى سوى المعين أو المصدر الذي تتوحد فيه المعرفة والذاكرة الحية. ولعل أهمها من وجهة نظر الحصري هي ما يلي: أن جميع البلدان التي يتكلم سكانها باللغة العربية هي عربية، وأن بلاد العرب ليست الجزيرة وحدها بل جميع من يتكلم بالعربية من جبال زاغروس في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ومن البحر المتوسط في الشمال إلى منابع النيل والصحراء الكبرى في الجنوب[23]، وأن العربي من يتكلم العربية، وأن الفروق والاختلاف بين الدول العربية وليدة الاستعمار، كما أنها حادثة وعارضة، وأخيرا، أن العرب أمة واحدة، وأن المصري والعراقي والمغربي فروع لأمة واحدة هي الأمة العربية[24].

ليست معرفة الحقائق وتذكر الأحداث والوقائع عن الحصري سوى الأسلوب النظري والعملي الهادف إلى تأسيس الوعي الذاتي القومي من خلال تحويل المبادئ إلى مرجعيات وشحذ الذاكرة التاريخية. من هنا انتقاده لحالة ضعف هذا الإيمان في نفوس الشبان. وبالأخص ما يتعلق بطموحهم السريع لبلوغ نجاح القضية القومية. إذا نراه يجد في ذلك مؤشرا ودليلا على ضعف الإيمان القومي. واعتبر من بين أهم أسباب ضعف الإيمان القومي هو سوء النظر إلى تاريخ الأمة العربية وعدم التوسع في دراسة تاريخ الأمم المختلفة[25]. من هنا استنتاجه القائل، بأن "كثرة الصفحات السوداء يضعف الإيمان بإمكان النهوض"، وذلك لأنه ما من أمة خلا تاريخها من أدوار انحطاط وصحائف سوداء[26]. واعتبر من بين أكثر الأشكال والصيغ شيوعا وانتشارا لهذا الموقف الفكرة القائلة بأن تاريخنا مجرد حروب وفتوح لم تستمر طويلا. وتوصل بأثره تحليله التقدي الملموس لمختلف أشكال وأنواع ومستويات هذه الآراء، إلى أن ما يسمى برداءة التاريخ العربي هو بسبب رداءة الكتب التي تعرض للتاريخ. وفي مجرى مقارنة ذلك بما جرى ويجري في الدول الأوربية الحديثة، نراه يشير إلى أن الكتب الغربية مكتوبة بنظرة علمية وخطة تربوية ونعرة قومية في وقت واحد، في حين ما زالت كتابة التاريخ في العالم العربي مبنية على أساس كتابة التاريخ القومي بوصفه تاريخ خلفاء وملوك وادوار (عربي وفارسي وتركي وما شابه ذلك). وتوصل في خاتمة استنتاجاته النظرية بهذا الصدد للقول، بأنه لو جرى كتابة تاريخ الأمم الأوربية بهذا الشكل فانه سيكون أردأ من تاريخنا بكثير[27].

إن توحيد فكرة الإيمان العقلي الوجداني بالفكرة القومية والعمل من اجلها على أساس مبدأ أولوية العروبة، كان يهدف إلى تأسيس فكرة الانبعاث التاريخي القومي. ومن حيث مضمونها كانت أقرب إلى موجات العقل الفعال ودقات القلب السياسي. بمعنى أنها تحتوي بقدر واحد على الدراسة الموضوعية لأحداث ومسار التاريخ العربي الحديث ومستوى وكيفية تطوره. وليس مصادفة أن يضع فكرة تذكر الأحداث والوقائع في صلب الإيمان القومي. فعندما تتبع نمو الفكرة القومية العربية في مختلف بلدان العالم العربي نراه يفرد مصر بتحليل متنوع الإشكال والمستويات.

ففي بدية الأمر كانت جميع الأقطار العربية (ولاسيما ومصر) منطوية على ذاتها، كما يقول الحصري. لكن الأمر تغير بصورة تدريجية أولا بهيئة مصر للمصريين، ثم مصر أولا وفقط، ثم مصر الفرعونية، ثم مصر العربية، ثم مصر العروبية القومية. وضمن هذا السياق إشاراته العديدة إلى ما اسماه بضرورة التذكير بالأحداث الكبرى. وقد اتخذ من الحالة السورية نموذجا جليا كبيرا. ففي عام 1920 جرى تشكيل خمس دويلات في سوريا وهي حلب، والأردن، وجبل الدروز، ودمشق، وجبال العلويين. وكان ذلك "الحل الفرنسي" من اجل القضاء على ما في معركة ميسلون من قوادم. أما لماذا اتحدت دويلات سوريا في سوريا وبقى الأردن، فإنه وجد سبب ذلك في نقل وثقل تقاليد العائلة والقبيلة المميزة للجزيرة العربية إلى الشام، التي وجدت تعبيرها "السياسي" في فكرة حفظ التوازن. والمقصود بذلك العمل من أجل جعل الجميع ضعفاء أو في مواقع متغيرة ومتبدلة من الضعف، مثل استقواء الهاشميين يضعف السعوديين، وبالعكس. ولم يكن ذلك معزولا عن ثقل السياسة الاستعمارية البريطانية والفرنسية، اللتين لعبتا دورا تخريبيا هائلا بهذا الصدد. وضمن هذا السياق يمكن فهم موقفه وفكرته عن دعم سياسة آل سعود لتوحيد الجزيرة. فقد كانت تتعارك فيها وتتصارع كل من إمارة آل الرشيد (نجد) وإمارة آل سعود (نجد) وإمارة المملكة العربية الهاشمية (الحجاز) وإمارة الأدارسة (عسير). بينما وجد الحصري في كل عملية توحيد كبرى خطوة إلى الأمام تقلل الصراع الداخلي. كما أن الاتحاد لا يُرجع الدولة إلى الوراء، على العكس. من هنا تقييمه لحركة آل سعود باعتبارها حركة "موافقة لمصلحة الأمة العربية". وطبق هذه الموقف على تقييمه لسياسة وشخصية الملك حسين. إذ اعتبره شخصية قد أدت رسالة تاريخية هامة، لأنه أول من دعم "الفكرة العربية" بقوة عسكرية وأقدم على إعلان "الثورة العربية" في ظروف خطيرة[28]. وضمن هذا السياق اعتبر عبد العزيز بن السعود تتمة (من الناحية التاريخية والسياسية) لأعمال الحسين بن علي[29].  (يتبع...).

 

ا. د. ميثم الجنابي

.....................

[1] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص37.

[2] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص43-44.

[3] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص177.

[4] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص181.

[5] ساطع الحصري: حول القومية العربية.  ص143.

[6] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص144.

[7] الماركسيون والشيوعيون بشكل خاص.

[8] ساطع الحصري: حول الوحدة الثقافية العربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 1985ص16.

[9] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص8.

[10] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص70.

[11] ساطع الحصري: حول الوحدة الثقافية العربية، ص14-15.

[12] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص68.

[13] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص25-26.

[14] ساطع الحصري: حول القومية العربية.  ص116.

[15] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ،ص71.

[16] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص73.

[17] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ،ص9.

[18] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص14

[19] ساطع الحصري: حول القومية العربية. ص16.

[20] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية،  ص56.

[21] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص6.

[22] ساطع الحصري: العروبة أولا!،ص5.

[23] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص11.

[24] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص11-12.

[25] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص57.

[26] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص58.

[27] ساطع الحصري: آراء وأحاديث في الوطنية والقومية، ص59-60.

[28] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص49.

[29] ساطع الحصري: العروبة أولا!، ص50.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم