صحيفة المثقف
حنين إلى الفردوس
نزفتُ فأيُّ جُرح ٍ مثلُ جُرْحي
ونحتُ فأيُّ نوح ٍ مثلُ نوحي
فأيُّ وسيلةٍ تدنيك ِ منّي
لأطفئ جمرةَ الشوق ِ المُلّحّ ِ
رسائلُ لا تُعدُّ سكبت ُ فيها
أحاسيسي وبحتُ .. وأيَّ بوْح ِ
تلاشتْ مثلَ خيط ٍ من دُخان ٍ
وذابت في المياه ِ كفصّ مِلح ِ
سأنسى كلَّ ما سطّرتُ فيها
وكلُّ كتابة ٍ يوما ً لمَسْح ِ
أعيدي الحبَّ يعبقُ مثلَ روض ٍ
بألطاف ٍ وريحان ٍ ورَوْح ِ(1)
دعينا من حديث ِ الناسِ , مُدّي
جناحك ِ كيْ أرفرفَ بعد جَنْحي (2)
دعيهم والذي يحكون َ عنّا
ولا تُصغي لذمٍّ أوْ لمَدْح ِ
لقدْ أنشدتُ للعشّاق ِ شعري
وليس َ لكلِّ ذي صَخَب ٍ ونبْح ِ
وأنفقتُ الذي ملكتْ يميني
فلمْ أحفلْ بجمْع ٍ أوْ بطرْح ِ
فإنَّ النفس َ تبلغ ُ كلَّ عزٍّ
إذا جُبلتْ على كرَم ٍ ومنْح ِ
فكمْ من فاتح ٍ لمْ يجْن ِ شيئا ً
وكمْ مِنْ ظافر ٍ مِنْ غير ِ فَتْح ِ
أحنُّ إلى الجمال ِ إلى الأعالي
وأقصي خاطري مِنْ كلِّ قُبْح ِ
فإنَّ النسْر َ يجذبُه ُ علوُّ
فيهجرُ كلَّ مُنحدر ٍ وَسفْح ِ
طباعي هكذا لا تحسبيني
بأنّي قدْ نطقتُ ببعض ِ شطْح ِ
فآه ٍ ثمَّ آه ٍ منْ عيون ٍ
ووجه ٍ مُشرقِ القَسَمات ِ سَمْح ِ
تخلّتْ (عبْسُ) عنّي مِنْ زمان ٍ
وقدْ سرَق َ العدا سيفي ورمحي (3)
فهلْ تُجدي الشجاعةُ بعدَ هذا
وخيلُ الخصْم ِ تقدحُ أيَّ قَدْح ِ(4)
سخرتُ مِن الصروح ِ ومالكيها
وقلْتُ أنا الذي أختارُ صَرْحي
وضاقتْ بي القصورُ فلمْ أطِقْها
وقدْ سَكرتْ على نغمات ِ صَدْحي
وعزَّ الأصدقاءُ فلا صديق ٌ
فما لي من صديق ٍ غيرُ جُرحي
وحيدا ً عُدت ُ ما لي من شفيع ٍ
أنادمُ حسرتي وأقولُ... ويْحي
يُزيدُ تألمي كتمانُ وجْدي
وأكثرُ منهُ إعلاني وبوْحي
تعذّبْ يا فؤادي في هواها
ودمع َ الشوق ِ يا عينيَّ ... سحّي
فإنْ تكُن الخسارةُ لي نصيبا
ففي حُبّي لها ظفري ورِبْحي
كما (الحلاّج ُ) أهلكه هواه ُ
سأشهد ُ في الهوى صلْبي وذبْحي(5)
***
جميل حسين الساعدي
(1) الروْح: الفرح، وأصل الروْح السِعة, وقد وردت الكلمة في
الأية رقم 96 من سورة الواقعة (فأمّا إن كان من المقرّبين فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيم)
(2) جَنْح مصدر الفعل جَنحَ يقال جَنَحَ الطائرَ: كسَرَ من جناحيه عند الإنقضاض
(3) عبس: قبيلة عربية عدنانية, من أشهر فرسانها عنترة بن شدّاد
(4) تقدح: يشير الفعل إلى ما يخرج من شرار من سنابك الخيل أثناء جريها
(5) الحلاج: هو الحسين بن منصور، من أعلام التصوف، تحدّث عن عشق الله والفناء فيه، الذي كان يتجلى له في لحظات الوجد الصوفي. لقيَ مصرعه مصلوبا ً بباب خراسان، المطلّ على دجلة.
على يدي الوزير حامد ابن العباس، تنفيذا لأمر الخليفة المقتدر في القرن الرابع الهجري.